الرأي

أبو العجائب

أرشيف

التقيت بمناسبة عيد الفطر، الذي صيره سفهاء العرب لا سعيدا ولا مباركا، التقيت مع مجموعة من الإخوة، وكان من بينهم صحافيان، أحدهما يمارس الصحافة هواية، والآخر حرفة ومهنة.. ولكنهما توقفا منذ فترة عن الكتابة، رغم أنهما من المتميزين، بل الممتازين، فقلماهما جيدان، وأفكارهما قيمة، وآراؤهما وتحليلاتهما صائبة في أكثرها، وأنا أرجح ذلك إلى استقلالهما السياسي والفكري، فهما – حسب علمي- لا ينتميان إلى أي حزب، ولا يتبعان إلا الاتجاه الوطني الأصيل، ممثلا في الحركتين الوطنيتين الأصليتين “جمعية العلماء” و”حزب الشعب”.

قلت لأكبرهما سنا، وأكثرهما علما، وأثراهما تجربة إعلامية، وخبرة مهنية: لماذا لا تنشئ صحيفة باسمك؟ فأنت جدير بذلك، قدير عليه؟

ابتسم، وقال وهو يودعنا: سننظر في الأمر، وسأتصل بك مستقبلا في هذا الأمر..

رجعت إلى منزلي، ودخلت “خلوتي”، وهي مكتبتي، فوقعت عيناي على كتاب “الصحف العربية الجزائرية” للأخ الدكتور محمد ناصر، حفظه الله وشفاه.

تناولت الكتاب ورحت أقلّب صفحاته، وأقرأ بعضها، حتى استوقفني عنوان إحدى الصحف، كانت تصدر في الثلاثينيات من القرن الماضي.. فقلت في نفسي: سأقترح هذا العنوان على الأستاذ ليجعله عنوانا لصحيفته، إن قدر لها أن ترى النور..

لقد رأيت أن هذا العنوان هو أنسب عنوان يمكن أن تسمى به جريدة في الجزائر في الوقت الحاضر..

قال الإمام محمد البشير الإبراهيمي – رحمه الله-: “من عاش في الجزائر رجبا، رأى عجائب لا عجبا”، والمثل العربي في أصله يقول: “من عاش رجبا رأى عجبا”. ووالله، إن الجزائر “المسكينة” لتعيش “عجائب” في جميع الميادين، حتى ليخيّل إلى الناظر أن عجائب العالم قد تنادت لتتخذ من الجزائر مقرا لها، وأن يطلق عليها “عاصمة العجائب”.

أتدرون ما هو عنوان الصحيفة الذي استوقفني، ونويت اقتراحه على الأستاذ ليتوّج به صحيفته؟ إنه “أبو العجائب” ذلك أن ما يحدث في الجزائر مما نشاهده، ونقرأه، ونسمع عنه يجعل هذا العنوان هو الأنسب، والأكثر انطباقا على أوضاعنا سياسيا، واقتصاديا، وتعليميا، ودينيا، وإعلاميا، واجتماعيا، ودبلوماسيا..

بقي أن يعرف القراء الكرام من كان صاحبا هذه الجريدة؟

إنهما الأستاذان محمد العابد الجلاّلي (نسبة إلى أولاد جلاّل)، وأحمد بوشمال، من ولاية جيجل، وهما ممن تشرفا بالتّتلمذ على الإمام عبد الحميد ابن باديس، وقد قبض كلاهما قبضة من أثر إمام الجزائر، علما ووطنية صادقة، فأكرم الله – عز وجل- أولهما بالجهاد بالسّنان بعدما جاهد بالقلم واللسان، واتخذ ثانيهما شهيدا، حيث قتله أخسّ البشر وأرذلهم، وهم المستعمرون الفرنسيون.

صدر العدد الأول من “أبو العجائب” في 24/5/1934، ولم يصدر منها إلا عشرة أعداد (؟)، ونرجو ألا يكون مصير “أبو العجائب” الثانية إن صدرت كمصير “أبو العجائب” الأولى..

مقالات ذات صلة