-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما يتحول العلم إلى خدمة

عمار يزلي
  • 1054
  • 0
عندما يتحول العلم إلى خدمة

“طوفان الأقصى” عرى كل الأشياء وسمى المسميات بأسمائها، وأقصى ما كان صورة نمطية عن التصورات الذهنية الوهمية التي غرسها الغرب فينا جميعا، عن معاني الإنسانية والعقلانية والحياد والموضوعية والعلمية والجامعة والبحث والحرية والرأي والحقوق والديمقراطية… الكل عرّي بفضل “طوفان الأقصى”.

الطوفان، الذي هو بقدر ما هو عقاب وعذاب، هو جرف لكل الأكاذيب والأفعال والادعاءات والأعمال الشائنة التي أريد لها أن تبدو غير ذلك. “طوفان الأقصى”، عرّى الجميع، إعلاما ومؤسسات حقوقية، ومواقف سياسية وفضح النفاق العالمي، ونزع أوراق التوت عن عورات القيادات في الغرب الرأسمالي الاستعماري وأسقط القناع عن الأقنعة، حتى بات الجميع يرى الجميع على حقيقتهم، خاصة ممن هم من بني جلدتهم. هذا الغرب المتشبّع بروح العقلانية الفولتيرية وهالة التقديس للعقلانية الغربية والحريات منذ عصر الأنوار وبيانات ومواقف الآباء المؤسسين للعقلانية التي نقلت إلى كافة المؤسسات الجامعية بالأخص منذ نهاية القرن الثامن عشر.

أمام فظاعة ما يحدث اليوم وكل يوم ومنذ سبعة أشهر على مرآى ومسمع العالم “المتحضّر” العقلاني، المدافع عن الحريات الفردية والجماعية وعن الرأي والرأي الآخر، وحقوق الإنسان والمرأة والطفل، والحق في التعبير والموضوعية وفصل العام عن الخاص، وفصل السياسة عن الدين والدين عن السياسة وفصل العلم عن السياسة والسياسة عن العلم، كل شيء انقلب رأسا على عقب وانكشف الأمر وكأنما كنا في حلم استبدل بكابوس.. غير متوقع أن ترى الجامعات في الولايات المتحدة وفي العالم الغربي ككل، تقمع الحريات الطلابية، وتطرد كل طالب أو أستاذ يندّد بخرق حقوق الإنسان والمجازر الإنسانية في حق شعب فلسطين في غزة والضفة، لا بل أكثر من ذلك، صار كل من يدافع عن الحق والحقوق والعدالة والإنسانية ويهاجم القاتل والمجرم ومن أبادوا شعبا بأكمله ومن يحتلون الأرض ويدنسون العرض ويحرقون الجثامين ويقترفون الآثام ويحفرون المقابر الجماعية ويقصفون المدنيين بأطنان من القنابل ويسوّون بالأرض المساجد والمدارس والجامعات والمستشفيات ودور الرعاية الصحية ومقرات تجمع النازحين بأطنان من الصواريخ الغبية.. كل من يندّد ويتجمع ويتظاهر ضد هذا، ويطالب الجامعات بأن تتوقف عن دعم العدوان بالخبرات والدعم التقني والعلمي لإنتاج السلاح ووسائل الإبادة الجماعية، وسم بـ”معاداة السامية”.

فضح الأمر، فضح الطوفان الكل، وبالأخص أولئك الذين نشروا وبشروا العالم بأسره ومنذ ثلاثة قرون، بنهاية الظلم الاجتماعي وشروق شموس العدالة والحرية لكل الناس. بدا ذلك كذبا مع أولى موجات الغزو الاستعماري للدول والشعوب، وانتهت اليوم بتجريم قول الحق والتنديد ودفع الظلم ولو باللسان.

ما يحدث في الجامعات، من تعاملات مع الكيان الصهيوني في مجال البحوث العسكرية والتسليح والتعاون التقني والتمويل اليهودي والصهيوني للجامعات الخاصة والعمومية، قصد السيطرة وفرض النفوذ عليها، جعل العلم رهينة للمال القذر الإجرامي، تماما كما جعل من قبل الإعلام رهينة لأصحاب شركات “الإعدام” اليهودية المعادية لحقوق الشعب العربي في فلسطين وفي العالم العربي والإسلامي. لوبيات تغذت على النهب والسيطرة والضغوط والابتزاز، حتى الجامعات، مهد العقلانية والموضوعية والعلمية الذي لا يقبل بتداخل الأشياء ويفرض قواعد غير تلك العلمية على العلم نفسه، بان عيب المؤسسات التعليمية والعلمية، وبانت مسألة تصنيف الجامعات كيف تصنَّف ومتى وكيف ولماذا.. بات معروفا أن مسألة العلمية والموضوعية لم تعد تنطلي على أحد، بدءًا من هؤلاء الشباب الرافضين ومنذ اليوم للسكوت والخنوع والخضوع لأكاذيب المؤسسات.. هؤلاء الشباب الذي يصنعون اليوم تاريخ القرن المقبل عبر هذا التوهج الجديد الذي خرج من تحت رماد غزة الصامدة الباسلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!