الرأي

أحفاد الجزائريين المهاجرين إلى الشام وهاجس البحث عن الهوية الجزائرية

محند أرزقي فراد
  • 7289
  • 25

تلقيت كتابا هاما من السيد الدكتور عبد الله صلاح مغربي، بعنوان: “من جرجرة إلى الكرمل”، صدر حديثا (2015م)، تناول فيه قضية المهاجرين الجزائريين إلى الشام في القرن 19م عقب احتلال فرنسا للجزائر، وقضية أحفادهم الراغبين في استرجاع الجنسية الجزائرية الأصلية، لكنهم اصطدموا بعراقيل بيروقراطية رهيبة في الجزائر، حالت دون قضاء وطرهم.

وقد تألمت أيّما تألم إزاء هذه القضية الإنسانية التي لم تحسن الدولة الجزائرية التعامل معها، على غرار قضية الجزائريين الثائرين ضد الاستعمار المهجّرين إلى كاليدونيا الجديدة. والجدير بالذكر أنه لا يزال بعض أحفاد هؤلاء المهاجرين يتواجدون في الشام وفي المخيمات الفلسطينية بلبنان وسوريا يعانون الأمرّين، وما زال بعضهم يتحدث باللسان القبائلي الأمازيغي إلى يومنا هذا.

اتصل بي الأخ الدكتور عبد الله صلاح مغربي من أبو ظبي، لأساعده في ربط الاتصال بمنطقة إوَاضِيَنْ (بولاية تيزي وزو) التي هاجر منها أجداده، وبالفعل اتصلت بالأخ عبد الرحمن مصطفاي الناشط في المجال الثقافي بولاية تيزي وزو، الذي رحّب بفكرة مساعدة الأخ عبد الله صلاح مغربي.

إن ما تدعو الإشارة إليه، أن عائلة الأخ الدكتور عبد الله صلاح مغربي قد عرفت ثلاث هجرات؛ الأولى من الجزائر إلى فلسطين في القرن 19م، والثانية من فلسطين إلى لبنان بعد نكبة 1948م، والثالثة من لبنان إلى قارة استراليا بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975م. لقد آل الأخ عبد الله صلاح مغربي على نفسه أن يبذل كل المساعي من أجل أن يعرف أصوله الجزائرية بدقّة، ليس من أجل مكاسب مادية، فهو ميسور الحال، ذو مكانة علمية واجتماعية رفيعة المستوى، سواء في استراليا أو في مستقره النهائي أبو ظبي بالإمارات العربية المتّحدة، ولكن يفعل ذلك من أجل استرجاع جنسيته الجزائرية، لأن مسألة الأصالة هي قضية مصيرية بالنسبة لأحفاد إخواننا المهاجرين إلى الشام.

ورغم صعوبة المهمة، فقد استلذ الأخ عبد الله صلاح مغربي مشاق البحث عن الأصالة، فقرأ العديد من المصادر والمراجع منها مؤلفات الجزائريين حول هذه الهجرة (سهيل الخالدي/ عمار هلال/ نادية طرشون)، ورغم ضياع العديد من الوثائق والأوراق الخاصة بالعائلات المهاجرة، فقد تمكن عبد الله صلاح مغربي من جمع كمٍّ منها لا يستهان به، وأجرى حوارات مع كبار السن، كما زار العديد من المناطق في المشرق والمغرب. ورغم أن جهوده لم تكلل بعد بالتوفيق، فهو مصرّ على أن يواصل مسيرة البحث عن أصوله الجزائرية، بل وأكثر من ذلك، فهو يوصي الأحفاد بضرورة التعلق بالجزائر وبتاريخها وثقافتها، كلّ ذلك من أجل بناء جسور التواصل مع الهوية الجزائرية، بعد أن استعصت مسألة استرجاع الجنسية الجزائرية.

فتحية تقدير للدكتور عبد الله صلاح مغربي الذي لم يستكن رغم تعذر الوصول إلى مبتغاه، تحية عرفان له على إصراره على التعلق بجنسيته الجزائرية، التي لم تنسه فيها بحبوحة الحياة التي يحياها في مستقره بالإمارات العربية. إن جهود عبد الله صلاح مغربي السالك في طريق معرفة أصوله بمنطقة جرجرة – كما هو بيّن في عنوان الكتاب – لجديرة بأن تكون قدوة لنا في هذا الظرف الذي فُتِح فيه موضوع المصالحة مع الذات الثقافية بعد إعادة الاعتبار للمكوّن الثقافيّ الأمازيغي.

وفي الأخير أدعو الطبقة السياسية والبرلمانيين، إلى فتح النقاش حول هذا الموضوع الحسّاس المتعلق بالذاكرة الجزائرية، على أمل أن يعاد النظر في القانون المتعلق باسترجاع الجنسية الجزائرية.

مقالات ذات صلة