الرأي

أحمد أويحيى يخرج مرحليا من اللعبة السياسية

عابد شارف
  • 4549
  • 9

قرر النظام إقصاء السيد أويحيى مرحليا من اللعبة السياسية، لكن هل ستدوم هذه المرحلة إلى رئاسيات 2014، أم أنه إقصاء نهائي؟

منذ أن غادر قيادة التجمع الوطني الديمقراطي، بدأ السيد أحمد أويحيى يشعر بالوحدة. ولم نسجل أية مسيرة شعبية عفوية للمطالبة ببقائه على رأس الحزب، ولا وقفة تضامنية من طرف الوزراء أو النواب الذين عملوا إلى جانبه. واكتفى بعض الإطارات في الأرندي بالطلب من السيد أويحيى أن يتراجع عن قراره خلال اجتماع أخير عقده في مقر الحزب، وذلك أضعف الإيمان…

ولا أعتقد أن هذا السلوك كان مفاجئا بالنسبة للسيد أويحيى، لأن الرجل يعرف قواعد اللعبة جيدا. إنه يعرف أن الأرندي ليس حزبا عاديا، انه ليس ملكا له، إنما يشكل الحزب بيتا أو مكتبا اكتراه السيد أويحيى لمرحلة معينة، وقد انتهت مرحلة الكراء، وعليه اليوم أن يعيد المفاتيح إلى أهلها. كما يعرف السيد أويحيى جيدا أن وصوله إلى المناصب التي تولاها، وأبرزها رئاسة الحكومة التي تكفل بها ثلاث مرات، إنه يعرف أن ذلك لا يعود إلى حنكته السياسية ولا إلى تحكمه في فن الاقتصاد ولا إلى معرفته الملفات الاقتصادية والقانونية، ولا إلى أفكاره أو مبادئه السياسية، إنما يعود أصلا قبوله لقواعد اللعبة المفروضة، واستعداده للقيام بكل ما هو مطلوب منه في هذا الإطار، مهما كانت طبيعة الطلب.

ويؤكد ذلك مسار السيد أويحيى منذ أن ظهر على الساحة السياسية، حيث ذهب يمينا ويسارا وشمالا وجنوبا ليتماشى مع طلبات النظام بسهولة أبهرت الجميع. فقد كان الرجل استئصاليا، من أشد الناس عداوة للإسلاميين، لكن لما تغيرت المودة وأصبحت المصالحة هي الهدف الأسمى، أصبح السيد أويحيى من أنصار المصالحة الوطنية، وقام بحملة من أجلها برفقة صديقه سعيد سعدي.

منع السيد أويحيى معارضيه من تأسيس أحزاب لمدة عشر سنوات كاملة، قبل أن يتغير اتجاه الرياح، فتراجع هو كذلك، وتعامل مع الرياح الجديدة، واعتمدت حكومته ما يقارب أربعين حزبا في شهر واحد.

وفي ميدان آخر، قد منع السيد أويحيى معارضيه من تأسيس أحزاب لمدة عشر سنوات كاملة، قبل أن يتغير اتجاه الرياح، فتراجع هو كذلك، وتعامل مع الرياح الجديدة، واعتمدت حكومته ما يقارب أربعين حزبا في شهر واحد، وهو رقم عالمي في الحرية، من طرف رجل يقال عنه أنه متسلط يعادي الحرية إلى درجة أنه أصبح اختصاصيا في تزوير الانتخابات. وقد فاز السيد أويحيى بالعملية الانتخابية التي عرفت أكبر تزوير خلال الأربعين سنة الماضية، على رأس حزب قام بتأسيسه في الصبيحة وقاده إلى انتصار كبير في الانتخابات بعد الظهر…

وفي ميدان التسلط، فقد أبدع السيد أويحيى، لما فرض قرارا قام من خلاله باقتطاع جزء من رواتب العمال والموظفين، قبل أن يقوم بحملة دفعت عشرات المسيرين في المؤسسات العمومية إلى السجن. وبعدها مباشرة، تبنى توجها اقتصاديا ليبراليا يتماشى مع ما كان ينادي به صندوق النقد الدولي، وأدى ذلك إلى غلق وبيع العديد من المؤسسات في ظروف غامضة، أدت إلى تحويل الأموال العامة إلى الخواص، وإلى تسريح ما يقارب المليون عامل، حسب النقابة، قبل أن يعود السيد أويحيى ثانية ويكتشف الوطنية الاقتصادية، ويفرض قاعدة 51/49 في الاستثمار، وهي القاعدة التي حولت الاستثمار الأجنبي من صعب إلى شبه مستحيل.

وقيل عن السيد أويحيى أنه اكتسب حنكة كبيرة، وأنه تعلم كيف تسير شؤون الدولة، كما أنه يتحكم في دواليب السلطة ويعرف خباياها. وقال المقربون منه أنه أصبح رجل دولة، مؤهل لكل المناصب، بعد هذه التجربة الطويلة على رأس الحكومة.

وفجأة، انهار كل هذا البنيان… انهار ذات صبيحة لما تكلم السيد أويحيى بطريقة عفوية، وعبر عن أفكاره الحقيقية. واتضح عندها أن السيد أويحيى كان لا يمثل إلا آلة من خلق النظام، تعمل بانتظام إذا كانت الصيانة مضمونة، لكنها تضيع إذا غاب المهندس الذي صنعها. وفي وقت قصير، بدأ السيد أويحيى يقول كلاما لا يختلف عن كلام العامة، حيث انتقد وضع البلاد، فقال أن الجزائر أصبحت تشبه “الكاباري”، وقال كذلك أن المال أصبح يتحكم في شؤون البلاد، وأن هذا المال ينتمي إلى المافيا.

وقد جاءت هذه التصريحات قبل ستة أشهر، في وقت لم يكن واضحا أن النظام قد قرر التخلي عن السيد أويحيى، لكنها كانت تشير بوضوح إلى أن النظام سيتخلى في الفترة القادمة عن السيد أويحيى، ويضعه في عطلة سياسية إلى حين. وهذا ما يحدث اليوم، في انتظار تغير الأحوال، فسبحان مغير الأحوال…

مقالات ذات صلة