الشروق العربي

أحياء شعبية تنام على صيحات السيوف..وعصابات ترعب الناس بالمولوتوف !

الشروق أونلاين
  • 15793
  • 20

تغير وجه أحيائنا الشعبية العاصمة بصورة واضحة في السنوات القليلة الماضية، حيث صارت الإعتداءات، المعاكسات، السرقات، وغيرها أبرز ما يميز يوميات البهجة بعدما كانت ” الدزاير القديمة ” معقلا لقيم الرجولة والشهامة و النخوة و غيرها من القيم التي نشأ عليها أجدادنا و اباؤنا من أولاد البلاد الذين ترعرعوا في أحياء العاصمة الشعبية، نزلت مجلة الشروق العربي لتلك لبعض الأحياء العاصمية العتيقة فرصدت هذه العينات المختلفة .

البحث عن نكهة الأحياء العريقة

أحياء شعبية أم مسارح جرائم هوليودية ؟

قررت مجلة ” الشروق العربي” أن تتعمق في جولة أرادت أن تكون عاصمية إبتداءا من حي باب الواد الشعبي إلى الحراش مرورا بساحة الشهداء، بلكور، لعقيبة و غيرها من الأحياء الشعبية العاصمية العريقة، فهنا في ساحة الشهداء، أحد أعرق الأحياء الشعبية العاصمية و بسوق ” زوج عيون ” تحديدا تستوقفك الصيحات المتعالية للباعة المتجولين الذين يعرضون سلعهم على بعض الطاولات، في حين يفضل اخرون أن يبسطوها على الأرض وسط زخم الزبائن المقبلين عليها من الرجال و النساء و تحت أعين حراسة يوفرها أفراد الأمن المتواجدون بالمكان في دوريات راجلة و أخرى راكبة تجوب المنطقة، غير أن تلك الحراسة على ما يبدو غير كافية في بعض الأحيان، إذ لا يخلو الأمر من تسجيل بعض حالات الإعتداءات و السرقة، خصوصا و أن الأسواق المنتشرة بالأحياء الشعبية تعد مركزا خصبا لها، و هو ما صادفنا أثناء جولتنا التي كنا من خلالها شهودا على عملية سرقة حقيبة يد إحدى الزبونات اللائي كنا منهمكات بتقليب بضاعة رخيسة الثمن قبل أن تلتفت لتجد السارق لاذ بالفرار اخذا معه حقيبة يدها التي تحوي مبلغا ماليا معتبرا و سلسالا ذهبيا فضلت نزعه حتى لا يسرق منها، حسب ما رددته الضحية بعد محاولتها إطلاق صرخات نجدة علها تجد من يوقف اللص و يعيد لها مسروقاتها، وعلى الرغم من أن عملية السرقة تمت في وضح النهار و على مرأى و مسمع المارة إلا أننا لم نلحظ إهتمام أحد منهم أو محاولة تدخل لإنفاذها في حي لطالما سمعنا عن رجولة وشهامة أهله.

باب الواد، حي عاصمي شعبي أبرز من نار على علم، ” نخاف دخوله بمفردنا، أنا شخصيا لا أفكر في التجول به إن لم يرافقني إليه زميل أو قريب ” العبارة قالتها للشروق العربي طالبة جامعية قريبة العهد بالإقامة في العاصمة، حيث تروي ” نسيمة ” القادمة من أعالي منطقة بجاية ما تردد إلى سمعها في حيها الجامعي الذي تقطن به عن المضايقات و المعاكسات والإعتداءات التي تحدث في باب الواد. أما سكان حي الجبل بالحراش فلا تزال الرصاصة التي إستقرت ببطن سيدة حامل و أودت بحياتها راسخة في أذهانهم، حيث إندلعت مواجهة بين عصابتين بذات الحي إستعملت فيها كل أنواع الأسلحة، تبين فيما بعد أنها قضية تصفية حسابات بين العصابتين دفعت ثمنها أم وجنينها حسب شهادات السكان. 

لعقيبة، “هنا في هذا الحي و تحديدا بسوق لعقيبة الشعبي، توفي طفل في الرابعة عشر من العمر بالسينيال إثر شجار نشب في الحي”  يقول مراد، الذي روى لنا تفاصيل الحادثة التي تخالها للوهلة الأولى مشاهد هوليودية حيث إستعمل المعتدون خناجر و سيوف مختلفة الأحجام بالإضافة للقنابل المسيلة للدموع، الشجار نشب لأتفه الأسباب موديا بحياة طفل في زهرة عمره لا ذنب له سوى أنه كان مارا من نفس الشارع… صورة أخرى رصدتها مجلة الشروق العربي من أحد أبناء الحي الذين كانوا شهودا على الواقعة.

إتجهنا إلى الحراش بعدها حيث تشاء الصدف أن نلتقي لدى وصولنا  بشاب في مقتبل العمر، أسمر البشرة، كان يرتدي بدلة رياضية، لم تدل حيويته و خفة دمه وروح النكتة التي دخل يروي من خلالها قصصا و حكايات لصاحب محل هاتف عمومي أنه خرج لتوه من سجن الحراش غير البعيد عن المحل، بعد خروج الشاب، قال “نعيم” صاحب المحل بأنه (أي الشاب) إعتاد دخول السجن في كل مرة بعدما ” إمتهن ” سرقة الهواتف النقالة و الحقائب اليدوية للفتيات في الأحياء المجاورة، نعيم قال للشروق العربي بأنه يرثي حالة الحراش الذي تغير حاله وصار لا يأتمن فيه الفرد على إبنته أو أخته إن تأخرت في الدخول إلى المنزل مخافة أن يمسها سوء فيما كان قديما معقلا لـ “ولاد البلاد” من الرجال ذوي الهمة والحرمة التي لم يعد لها أي مكان في أيامنا هذه على ما يبدو فإستنادا لحصيلة مصالح الأمن المشتركة لأول أسبوعين من شهر رمضان المنصرم، تم تسجيل إرتفاع في عدد الإعتداءات بمختلف أنواعها و بإستعمال مختلف أنواع الأسلحة البيضاء، حيث كشف رئيس الأمن العام بالنيابة العميد الأول للشرطة براشدي نور الدين أن 80 في المائة من الجرائم التي تصدرت القائمة هي جرائم الضرب والجرح المتعمد، وحمل السلاح، والسرقة بالنشل كما بلغ عدد الموقوفين في المواجهات بين الأحياء، خلال النصف الأول من السنة الفارطة98  شخصا في ولاية الجزائر وسجلت أجهزة الأمن الجزائرية خلال الأسبوع الثالث من شهر رمضان، ارتفاعا في معدل الجريمة بلغ 15 ألف جريمة بمختلف أنواعها، واحتلت الصدارة جرائم الاعتداءات بالسيوف والخناجر واستعمال الحجارة والاعتداء اللفظي و هنا تذكر ” فايزة” إحدى قاطنات حي المكان الجيل بالحراش إعتداء مجموعة من الشبان منتصف رمضان المنصرم على مركز الأمن حيث قاموا برشقه بالحجارة و قارورات المولوتوف ” لقد شاهدنا كل التفاصيل من نافذة البيت، حقيقة المنظر مريب فأن يتم الإعتداء على مركز للأمن في الشهر الفضيل أمر يدعوا فعلا للقلق”.

يوسف حنطابلي: غياب الأطر الإجتماعية هو ما جعل نسبة الجرائم تبرز و تزداد بالأحياء الشعبية و الدولة الغائب الأكبر

سألنا الدكتور يوسف حنطابلي، أستاذ علم الإجتماع بجامعة البليدة عن الموضوع فقال بأن : ” الأجيال الحالية نشأت على قيم أخرى جديدة لم يعرفها المجتمع من قبل، حيث لم تعد قيمة العائلة بالمفهوم الرمزي  للسلطة الإجتماعية التي تمارسها   على أفرادها و من خلالهم على المجتمع ذات أهمية أو فعالية تذكر، و مع الوقت لم تعد قيم العائلة التي فقدت سلطة الأب ولا حتى قيم الأحياء الشعبية لها تأثير في ردع الجريمة أو حتى الحد منها، كما أن لسنوات العشرية السوداء دور كبير في ازاحة قيم الدولة و العائلة، حيث صرنا نعيش معا بصفة اضطرارية، تغيب عنها أدنى صور التكامل و التكاتف الاجتماعي التي كانت تميز الأحياء الشعبية العاصمية في وقت سابق، و صار الشباب يميلون الى ابراز وجوده و فرض قيمه بالقوة، و هو ما سبب الجرائم التي غزت العاصمة و التي لم تتمكن منظمات المجتمع المدني و الأحزاب من الحد منها أو التأثير عليها في ظل غياب من يحرص القيم الاجتماعية و يسهر على فرضها، بعد أن فقدت الدولة رمزيتها كاطار فاعل يفصل بين المتخاصمين و يكون جامعا بين الافراد في صورة تجنب المجتمع مختلف انواع الجريمة.

فحتى بغيابها، المفروض أن تكون الدولة موجودة معنويا و رمزيا”  يوضح الاستاذ حنطابلي الذي أشار الى أن القيم الدينية تتدخل أحيانا و تكون لها نسبة من التأثير للحد من الجريمة في أحيائنا الشعبية مع أن الصراع قد يكون أحيانا موجودا بقيم دينية.

المسجد .. أي دور ؟

قال فاروق زموري إمام و خطيب مسجد الفرقان بإسطاوالي أن المجتمع الجزائري يحتكم إلى الدين الإسلامي الداعي للتماسك الإجتماعي و التعاون من خلال الخطاب الديني الذي يتيحه المسجد،  و من خلال المدارس و البيت و وسائل الإعلام، الأمام زموري قال بأن الجار كان يربي في القديم و كانت له هيبته و وقاره في الأحياء الشعبية، أما اليوم فنلاحظ إضمحلال و إنحصار القيم و هذا راجع لعدة عوامل منها : ”  تحرر المرأة التي أصبحت تقضي معظم وقتها خارجا بعدما كانت تلعب دور المربية و المؤرخة و المرشدة النفسية و الحكواتية، بالإظافة إلى المدرسة التي أصبحت تعلم و لاتربي كذلك وسائل الإعلام و ما تروجه من قيم إباحية و عنف و سلبيات ناهيك عن الحرب غير المعلنة ضد الشباب من مخدرات و خمور دون تجاهل الأثر الواضح الذي تركه الإرهاب في بلادنا ” وعن دور المسجد قال الشيخ زموري أن : ” المسجد بإعتباره مرجعا قدسيا له تأثيره من خلال الخطابات الدينية فنلاحظ أنه أصابه الضعف هو الاخر نظرا لضعف تكوين الأئمة و عدم تأهيلهم و قلة تأطيرهم و عدم فهم بعضهم للتغيرات التي طرأت على المجتمع الجزائري كما أن هناك من هم ليسوا أهلا لذلك و مع هذا نجدهم  يبادرون للعب دور الإمام أو الخطيب غير أن هناك  في المقابل من يخرج من المسجد و يتجه للمؤسسات العقابية و المدارس و الأفراح إلى جانب الإحتكاك الشخصي و المباشر ليوعي و يسارع في الخيرات هناك أناس غيورون على الدين في مواجهة كل السلبيات “.

مقالات ذات صلة