-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أربعة دورو تاع العيد والسينما

أمين الزاوي
  • 3557
  • 22
أربعة دورو تاع العيد والسينما

أربعة دورو تاع السينما، صغارا كنا، ربما ما كان يشغلني يوم العيد، الصغير منه والكبير أيضا، ليس الخروف ولا قرنا الخروف أو الكبش ولا الحلوى ولا الألبسة الجديدة التي كان والدي رحمه الله على قلة الحال والمال لا يفرط في شرائها دون إفراط ولا بذخ ولا تبجح، ما كان يشغلني ويجعلني أتلهف ليوم كهذا اليوم السعيد هو “الذهاب إلى السينما”، هذا البيت العجيب الذي قلب كثيرا من موازين الدنيا لدي.

لست أدري لماذا ترتبط صورة العيد عندي بصورة قاعات السينما التي كنت أرتادها كي أشاهد برنامج الأفلام الخاصة بالمناسبة، كلما سقطت بيدي قطعة الأربعة دورو. كانت الأربعة دورو بقيمة المليون الآن وربما أكثر!

لم تكن قاعات السينما فخمة ولا الكراسي فاخرة بل من حطب أو صفيح الحديد تشبه تلك التي يتم صفها أيام المناسبات الوطنية التي تقيمها البلديات، أو تلك التي توضع قدام باب العزاء، ومع ذلك كان الكرسي الذي نجلس عليه مريحا جدا جدا وكان هواء القاعة المغلقة منعشا جدا جدا صيفا وشتاء مع أن لا تهوية كانت ولا تدفئة.

والصورة على الشاشة التي لم تكن سوى قطعة قماش الباش الأبيض كانت في عيوننا جميلة وصافية وبالألوان الثنائية الأبيض والأسود ومع ذلك كنا نراها بكل الألوان التي يمكن أن يصنعها خيال جامح كخيالنا، ومع أن الشريط كان يتقطع مرات في وسط العرض كما في أوله وفي آخره، وكنا نصرخ محتجين على هذا القطع متلهفين لمعرفة متواليات القصة، ومع ذلك كنا نعتقد بأن الفرجة السينمائية ليست فرجة إذا ما خلت من هذه اللحظات الحاسمة، لحظات الانقطاع، فالسينما الممتعة كما كنا نراها ونتمناها هي تلك التي لا بد وأن يتقطع فيها الفيلم أربع مرات على الأقل وإلا ليس ذلك بعرض أساسا، لأن صراخنا كان جزءا من العرض، جزءا من الفيلم، جزءا من العيد.

كان لبائع الكاوكاو والبزر (الزريعة) الأبيض والأسود حضور متميز ومدهش، يمر بين صفوف الكراسي فلا يزعج أحدا ولا يتعثر في ساق أحد على الرغم من الظلام الدامس. كم كانت شهية رائحة الكاوكاو الساخن !!

صحيح إن العيد علمني، وعلم أقراني من أطفال الحارة والدشرة والقرية والمدرسة، كيف يجتمع أفراد الأسرة التي ما عادت اليوم تجتمع، تجتمع كانت مع أن لا أحد كان يملك سيارة، واليوم حتى وإن كان لكل فرد سيارة فلا أحد يلتقي أحدا، صحيح إن العيد علمني كم هو كبير الجد والأب في عين الأخت والأخ والابن والبنت وكم هم محترمون العم والعمة والخال والخالة، وكم هو السؤال ضروري عن حال الجار وجار الجار وكم هو تذكر الأموات الذين نحبهم والذين رحلوا وكنا نتمنى لو أن رحيلهم تأخر قليلا كي يعيدوا معنا عيدا آخر ولكنها مشيئة الله، صحيح أن العيد في قريتنا، في أسرتنا علمني كل هذ ولكن العيد علمني حب السينما أيضا.

الأربعة دورو تاع سينما العيد هي التي ومن خلال الشاشة الكبيرة فتحت عيني على روايات كتاب كنت أقرأ أسماءهم مقرونة بهذه الأفلام. الأربعة دورو تاع السينما هي التي أوصلتني إلى روايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ويوسف السباعي وجورجي زيدان.

الصور على الشاشة وعلى الأفيشات الكبيرة المعلقة بفوضى عند باب الصالة والإعلانات المغرية بشعارات ثاقبة ومثيرة هي التي جعلتني أقف مشدوها أمام كوكبة من الممثلين والممثلات فأحببتهم من عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وفاتن حمامة وفريد شوقي وأم كلثوم وصباح ومحمود المليجي ومحمود ياسين ونجوى فؤاد ومريلين مونرو كاترين دو نوف وبريجيت باردو وهي الوجوه التي أوصلتني إلى المكتبات وأغرقتني في الأدب، حتى أنني قرأت لاحقا مكتبة البلدية كاملة!

كان أبي عاشقا للأحصنة ومربيا لها فلم يخل منها بيتنا يوما ما، في طفولتي كنت أرى وأسمع والدي يكلم الحصان ويفهم الواحد منهما الآخر، ولأنني كنت أريد أن أكون مثله مربي أحصنة فإن أبطال الريكلام (الإشهار) الأمريكان على سجائر مالبورو ووينستون، على الشاشة الكبيرة شاشة العيد، كانوا مثيرين ولكن أكثر ما كان يثيرني ويعجبني في هذا الريكلام هي تلك الأحصنة المثيرة للدهشة، والتي قادتني لاحقا إلى عشق أفلام الكاوبوي والوستيرن ومنها انزلقت إلى قراءة الأدب الأمريكي الأسود والأبيض فأحببت روايات همنغواي ودوس باسوس وإدغار بو وفولكنر وشتاينبك وتنيس وليامس وغيرهم.

و لم توصلني مشاهد وصور ريكلام السجائر إلى التدخين فأنا لم أدخن في حياتي أبدا، ربما هي بركة أربعة دورو تاع العيد ، فالإشهار لم يدفعني إلى السجائر بل دفعني إلى سينما الواستيرن والكابوبوي، أوصلني إلى عالم خيالي رائع ومثير، عالم الأبقار والأحصنة والرعاة والطبيعة الساحرة.

لولا أربعة دورو تاع العيد، ما كنت قد وصلت إلى كتاب أثروا في لاحقا وما كنت عرفت طريقا إليهم ، لولا أربعة دورو تاع العيد ما كنت وصلت إلى جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وغي دي كار وأرسين لوبين وفيكتور هيغو وزولا وتولستوي وطه حسين والعقاد وسارتر وهنري ميللر وألبير كامو وألكسندر دي ما الأب والابن.. لولا أربعة دورو تاع العيد ما كنت قد أحببت أغاني أم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وخاصة عبد الحليم حافظ وإيديت بياف وداليدا وجان قابان و جيلبير بيكو وجاك بريل وبراسانس. لولا أربعة دورو تاع العيد ما كنت أحببت بيتهوفن وموزار ورحمانينوف وتشايكوفسكي وصالح عبد الحي

الآن أقول وأنا أنظر إلى الزمن من خلفي، إلى تلك السنوات الجميلة: لقد تعلمت من أربعة دورو تاع العيد أكثر مما تعلمته من المدرسة ومن الثانوية ومن محاضرات الجامعة. أربعة دورو تاع العيد أوصلتني إلى السينما التي بدورها أوصلتني إلى المكتبة والمكتبة إلى الحياة التي هي توأم الكتابة.

.. وأقول لكم عيد سعيد وأضع في يد كل واحد منكم أربعة دورو تاع العيد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
22
  • كوكو

    حين كنت في مثل سن طفولتك سيد زاوي(9إلى14سنة)،كنت مولعابالرياضة وفنونها،كنت أعيش في حي من أحياء مدينة سطيف الشاهدة على تاريخها العريق،كنت وأصدقائي نمارس كرة القدم والعدو و dèlivrance و لعبة الكريات،كانت تملؤنا الحماسة والصخب فنهيم على وجوهنا في الشوارع وبين الحقول،نملأ رآتنا بأكسوجين المرح و أكسير الحياة،نشعر بالمتعة والغبطة و الإنشراح،لكن بعضنا كان يبحث عن المتعة في أماكن أخرى،لا تمت لأخلاقنا وعاداتنا بصلة،يقفون أمام أبواب دور السينما،يقرؤون عنوان الفلم القادم (أمريكي،فرنسي،مصري)،عبر المُلصقات

  • جعفر

    أشكر المعلق سليم من باتنة(رقم 4 و5) على رده المفحم والشافي والكافي لخربشات الزاوي التي حولت مناسبة دينية إلى مسلك من مسالك البحث عن المتعة المحرمة في دورالسينما في ذلك الوقت

  • Ali

    Bravo 1000 fois, c vraiment génial ce que vs présentez Dr Amine. ne prend pas en considération ce que disent les fanatiques...tu es musulman plus qu'eux...tu a des origines très très honorables ...Gracias

  • محمد

    نعم يا سي أمين انها أيام رائعة لكن أختلف معك في أني عشت زمن سته دورو اي من بعدك شوية .... زمن الاسابيع الثقافية اين كانت مدينة سعيدة تعج بالممثلين والكتاب والمثقفين والمحاضرات والنقاشات التي تليها ....بالاضافة الى سيارات التلفزة التي كانت تنتقل من حي لاخر وكنا ننتظرها بشغف لتعرض علينا الافلام الثورية ليس على الباش بل في حائط العمارة الابيض.

  • فؤاد

    ياًستاذ الزاوي أنا احترم رأيك الذي يحمل في طياته معاني كثيرة عن الماضي والطفولة وكيف عرفت استغلال الاربعة دورو في تطوير نفسك وفكرك بالخصوص. هذا جميل ولكن بإمكان الواحد منا استغلال هذه الأيام العظيمة وهي أيام من أيام الله في تجديد العهد مع الله سبحانه وتعالى من خلال تطبيق سنة نبيه عليه الصلاة والسلام وصلة الرحم. هذا رأيي وأرجو أن لا يفهم من خارج إطاره الفكري.

  • kaki

    يا سى عبد القادر من الجزائر انه يكتب للأنسة فاتن من سطيف
    و أخواتها
    Vous êtes magnifique M.Zaoui

  • عبدو

    شكرا على هذه الهدية ذات القيمة المعنوية العالية,,, فهي ذكرتنا بتلك الأيم الجميلة ,,, فقد مررنا بنفس التجربة وقد وفيتها عرضا ووصفا ،،،وأظنها من أسباب تفتح الطفل نحو ثقافات العالم بالرغم من محدودية القنوات آنذا ك بخلاف اليوم الذي فيه تدفق هائل للمعلومة لكن يقابله جفاف قاتل

  • ابن الريف

    رائع ما يكتبه صاحب مقال"الموت" و "يوم كانت البنات يحلمن بالمعلم"

    أردت ان أن ألفت انتباهك لشئ و هو أنك تنتمي لجيل لم يكن اناذاك ما يسمى بالزريعة السوداء التي ذكرتها التي تسمى في قاموس هذا الجيل "تشغيل الشباب" بل كانت الزريعة البيشاء فقط الطبيعية و كنا احيانا نصنعها بأنفسنا من حبة "اليقطين" ما يسمى يالعامية"القرعة "
    شكرا

  • يكره الرداءة

    لمن تكتب يا أستاذ للجهلة أم للمعتوهين ؟ لا يفهمك إلا من هو متشبع بالفكر،و العقل،و قيم العصر.و لقد لاحظت تعليقات الدروايش و اتهاماتهم إزاء أسيادهم أصحاب العقول.و لو كنت مثلك لأحرقت كتبي نكاية في أمثال هؤلاء.-

  • LMAIT

    اسوأ مافي هذا الزمان هذه التكنولوجيا التي فرقت بيننا و بين ابنائنا بيننا وبين الربعة دورو الصفراء التي تعني في نظري البساطة المطلقة في زمن طفولتنا . اني اتحسر على على حكايات الجدات وسهرات العائلة.

  • SJF

    هذا الكاتب يظن نفسه ذكيا جدا فهو يكتب لنفسه تعليقات تمتدحه وينسبها لأشخاص من عدة ولايات ومناطق.
    إن كنت أنت يازاوي من ينشر التعاليق فقد سمعت وإن لم تكن فدعه يسمع

  • allal

    Aux numéro 4 et 5, si vous aimez la religion allez lire à Kardaoui et Ghazali et autres. Le Dr Zaoui n’écrit pas pour vous il écrit à des gens universalistes qui pensent que la religion est un aspect de la vie mais pas toute la vie. Le paradoxe c'est que vous le lisiez quand même.Restez dans votre pensée unique tant que vous avez du pétrole pour vivre sans âme, sans culture, sans loisirs et sans plaisirs.

  • بشارية

    شكرا لصاحب الاقواس على الرحلة الادبية الممتعة..والمغزى ان الماضي رغم بساطته يعلم الكثير ...والان رغم توفر الامكانيات والتكنولوجيا فان العقول لا تزال بحاجة الى نفض الغبار عنها فكانما الحاجة تدفع بالانسان الى الامام ..اما سهولة الحياة فيركن الفرد بها الى الكسل الفكري والعقم العقلي..شكرا للاستاد امين الزاوي على ان قاسمنا جزءا من يومياته في عيد كان له حقا عيد....كل عيد والجزائر بخير.

  • sahnoun

    عيد سعيد يا استادنا
    اه على ايام الصبا ، حيث كان كل شئ بسيط ، كنا نجتمع كل العائلة على قصعة طعام واحدة وكنا عجبا نشبع حتى نترك بعض الطعام ، مااجمل تلك الايام كنا في الليل تحكي لنا الجدة قصص كنا نحسبها خيالا لكن لما اطال الله في عمرنا اكتشفنا هدا الادب المغروس في اجدادنا في كل ما كتب في الادب المعاصر و كانهم كانوا يحسون بما هو اتي ، لن يفقه هده المعاني الا من كان مخضرما تربى تربية الرجال في القرى و المداشر تم اغترب غربة المجاهدين في المدن
    نحن لتلك الايام و الله

  • عبد القادر

    كتب الدكتور أمين الزاوي هذه العبارة " الأربعة دورو تاع سينما العيد " بهذه الجملة ادخلنا في مذكراته الطفولية و ليس هذا الذي أريده فقط حاولت أن افهم هذه الجملة و اين تصنف في معاجم اللغة ,فيها مزيج من اللغة العربية الركيكة " الأربعة " و اللغة الفرنسية القديمة جدا " دورو" و اللهجة المحلية "تاع " و الفرنسية العربية " سينيما العيد " و لا تجانس بينهما حتى و لو بالأضافة , هذه الجملة في اي المعاجم تصنف , اليس من الأجدر بالدكتور أن يختار افضل الكلمات و المعاني و جماليات اللغة , لمن يكتب .د . امين ؟ شكرا.

  • ياسين

    الأستاذ مين زاوي أديبا يكتب في الأدب فحرام عليكم أتركوا الرجل يعبر عن كل ما يختلج في صدره و فكره حراح عليكم تريدون أن تغلقوا كل منفذ نشتم منه هواءا نقيا أنكم تزكمون أنوفنا ...

  • hamelum

    شــكراً أســتاذ على الربعة دورو
    و املك مثلها اضعاف مضاعفة ،،
    ،، لكن ليس في بـلدتي أو المديــنة التي هي قريبة مني قـاعة سينما ..
    فــمن اين ابدأ الرحــلة الممــتعة .
    كل عام و انت كريم
    عيد سعيد

  • سليم - باتنة

    واضح من مقالك أنك ترعرعت في جو بعيد تماما عن التربية الدينية الحقيقية التي ينتمي اليها مجتمعنا المسلم ... العيد من غير صلاة و صلة رحم و لا فهم لمعنى الاضحية... قراءة كل كتب المكتبة دون قراءة القران أو حفظ جزء منه ! فلا عجب أن يكون توجهك الفكري اليوم كما يعرفه الجميع , بعيدا عن الأفكار التي جاء بها الدين الحنيف و حملها الينا الفاتحون و حارب من اجلها خيرة هذه الامة ... الامير عبد القادر, ابن باديس ، الابراهيمي ... كل اناء بما فيه ينضح .

  • سليم - باتنة

    السلام عليكم.أدبيا اعجبني ما كتبتم. لكن ما لاحظته غياب كل معاني العيد الحقيقية عن طفولتكم البريئة : طاعة الله, ذكر الله , الحكمة من الاضحية، صلاة العيد، صلة الرحم . بل و غياب البعد الديني لهذه الامة عن طفولتكم تماما. قرأت كل كتب البلدية و لم يوجهك أحدا لقراءه القرآن الكريم أو حفظ جزء منه ! كما أنك لم تقرأ يوما قصصا عن بطولات الصحابى و الفاتحين الاوائل ، ولا قرأت لابن باديس أو الابراهيمي ... واضح جدا مدى بعد المحيط الذي ترعرعتم فيه عن كل هذا ...فليس غريبا أن يكون توجهكم الفكري كما يعرفه
    الجميع

  • salem

    جميل جدا يا أستاذ زاوي أخذتنا الى زمن الطفولة وأحلامها.
    أنا عشت يتيما و لم يكن حظي مثلك ولم أتذوق طعم الحلوى و الأشياء الحلوة رغم أن زمان كان الكل يكتفي الا بأربعة دورو و حبة حلوى و هي قليلة جدا مقارنة بأيامنا حاليا.
    شكرا على هذا الصفاء و النبل و الذوق الجميل.

  • مستقيل

    في كل يوم تزداد إيغالا في غبابات الماضي ، ما كل هذا الحنين الذي يعصف بلبك هذه الأيام ، أنا ما زلت أحتفظ ببعض قطع الأربعة
    دورو ولكنها لم تأخذني يوما مأخذك ، بصراحة لم تأخذني أي مأخذ،
    ولم أرها يوما خمسة دورو حتى . فإلى متى هذا الحجاب إلى متى؟
    أإلى التلاشي أم ليوم لقاء؟

  • Faten

    Vous êtes magnifique M.Zaoui!