الرأي

أردوغان والجري على الحبال

صالح عوض
  • 1570
  • 6

بلاشك، يبدو الرئيس التركي، الطيب رجب أردوغان، متمرسا في إدارة الأزمات واللعب على المتناقضات في الإقليم دون مواقف مسبقة، الأمر الذي يمنحه فرصا عديدة في الاستفادة من إمكانيات اختراق التشابك الدولي والإقليمي مع أن ذلك كله محفوف بالمخاطر والمغامرات.
ما تم مؤخرا في إقناع أردوغان للرئيس الأمريكي ترمب يكشف قدرة سياسية فائقة لأردوغان في إبعاد الجيش الأمريكي عن سورية والمنطقة، وهنا لابد من أن نسارع بالقول إن في ذلك مصلحة استراتيجية لتركيا حيث يتم بعد الخطوة الأمريكية مباشرة لجم القوى الكردية الانفصالية وإرجاعها إلى حضن الدولة السورية، وبذلك يؤمن حدودا لتركيا طالما وجدت تسربا للمجموعات الانفصالية الكردية.. وبهذا، يكون قد قطع الطريق على إسرائيل في تحقيق أهدافها في تفجير المنطقة إثنيا وتقسيم سورية على ذلك الأساس، ووجد فرصته في التصعيد اللفظي ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، مستفيدا من برودة التواصل بينه وبين الرئيس الأمريكي.
أردوغان خاض غمار تحرك سياسي مكوكي بين الاتحاد الأوربي وأمريكا والمنطقة وروسيا وكانت سرعة تنقلاته من موقع إلى آخر تعني أن لتركيا موقعا استراتيجيا ولا يمكن الاستغناء عنها في أي صيغة للاستقرار أو المصالح الكبرى للدول العظمى، ومن جهة أخرى، تعني أيضا عدم تمسكه بأي علاقة بأي محور من المحاور، الأمر الذي يعني بوضوح أنه يبحث عن الاستفادة من كل المعطيات التي تبدو أحيانا متناقضة.
الاختلاف معه وارد في ملفات عديدة ولعله في بعض مغامراته جلب على نفسه غضب كثير من العرب السياسيين الذين رأوا فيه مشاركا أساسيا في زعزعة الاستقرار في المنطقة العربية، وأنه بذلك كان شريكا للولايات المتحدة في مشروع الربيع العربي.. لكنه سريعا ما ينقلب على ما مضى وينظر دوما إلى الأمام لأنه معني بوضوح على كسب المنطقة العربية والعالم الإسلامي الذي كان يوما ما تحت الخلافة العثمانية.
ولكن على الرئيس التركي أن يدرك أن هناك قضايا استراتيجية لا يمكن تجاوزها، أهمها على الإطلاق أنه لا ينبغي الاقتراب بسوء من المنطقة العربية التي هي عمق استراتيجي له.. صحيح أن الضعف البادي في المنطقة العربية قد يغري بعض الأطراف باللعب فيها واتخاذ مواقع نفوذ له فيها الآن التجربة تؤكد تماما أن أي محاولة في هذا الصدد تبوء بالفشل وتزرع بذور التناقض بين الأمم والشعوب.. كما أن الشأن السوري والعراقي يضع سياسات أردوغان على المحك ولن يغفر العرب لأردوغان أي ممارسة سيئة في حق وحدة سورية ووحدة العراق..
أردوغان الطموح يريد أن ينتقل بتركيا إلى مصاف الدول العظمى، ولكن أمامه تحديات كبيرة اقتصادية وسياسية وأمنية وهو كمن يجري على الحبال.. الخطأ الأول هو الخطأ الأخير.. تولانا الله برحمته.

مقالات ذات صلة