-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أزمة كبيرة

عابد شارف
  • 4700
  • 0
أزمة كبيرة

بينما يبقى الجزء الخاسر من العالم يتساءل: هل ستصل إليه الأزمة المالية، وماذا ستكون انعكاساتها، وكيف التصرف للحد من آثارها، تعمل الأوساط الفاعلة في الاقتصاد والسياسة والأمن التابعة للدول الكبرى، تعمل لمعرفة من سيربح من الأزمة الحالية، ومن سيحقق أكبر الأرباح، ومن سيخسر، وكيف سيكون التوازن في الاقتصاد العالمي خلال القرن الحالي. وبطبيعة الحال، تبقى الدول الكبرى تبحث عن الطريقة التي ستسمح لها بأن تحافظ على مصالحها ومواقعها، وتضمن لكل طرف ذي تأثير في العلاقات الدولية وجوده في عالم ما بعد الأزمة.

  •  أما نحن، فإننا نبقى منبهرين أمام اللعبة الكبرى التي تدور أمامنا، والتي لا حول ولا قوة لنا للتأثير فيها ولا للمشاركة فيها. ويزداد اندهاشنا يوما بعد يوم، بسبب الأرقام الخيالية التي يتداولها أهل المال، والقرارات التي يتخذها هذا الحاكم أو ذاك لإنقاذ مؤسسة بنكية أو مالية. وإذا قمنا بمجهود كبير واجتهدنا، فإننا ننتقد ذلك الحاكم الغربي الذي كان يمدح السوق ومزاياه قبل أن يكتشف اليوم مزايا الدولة ودورها الاقتصادي، ونشتم ذلك الحاكم الآخر الذي يلجأ إلى تأميم المؤسسات بعد أن كان ينصحنا باللجوء إلى الخوصصة… ونقضي وقتا طويلا في الكلام عن تناقضات نيكولا صاركوزي وجورج بوش، ثم نعود إلى النوم، لأن اجتهادنا ينتهي عند هذا الحد، ولأن مؤسساتنا عاجزة عن تجاوز هذا المستوى البدائي من التفكير…
  • والحقيقة أن فيلم الأزمة يلفت الانتباه، ويكفي لوحده ليجلب كل قوانا، ويمنعنا من التفكير في المستقبل البعيد. وكيف لا، ونحن نعيش هذه التقلبات الكبرى؟ كيف يمكننا أن نفكر لما نرى أن قيمة أحد البنوك تراجعت بين عشية وضحاها من 60 مليار دولار، أي ما يعادل مداخيل الجزائر السنوية من النفط، إلى 3.5 ملايير دولار، وهي تكلفة سد واحد مثل سد بني هارون؟ كيف لا تتغلب علينا قوة تشويق الفيلم لما نعلم أن الحكومة الأمريكية وضعت 300 مليار دولار كضمان لمساعدة بنك »سيتي غروب ـ City Group« لوحده، وأن وزن هذا البنك يبلغ 2.000 مليار دولار، أي ما يعادل الدخل القومي البريطاني؟
  • وبينما نبقى نتابع الفيلم، مع انهيار البورصات، وتهديد الاقتصاد، وردود الفعل التي تثيرها هذه التقلبات، تجري أحداث أخرى لا نراها؛ أحداث تتعلق بالترتيبات التي تتم من أجل هيكلة الاقتصاد العالمي ومراكز القوة والقرار. ولعل أحسن دليل على ذلك تصرف الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما، الذي شرع في التفكير والعمل للحفاظ على مكانة أمريكا على المديين المتوسط والطويل، وذلك قبل أن يتسلم مفاتيح البيت الأبيض…
  • لكن الخبراء لاحظوا سلسلة من الظواهر التي تميّز الأزمة الحالية وردود فعل القادة الغربيين تجاهها، منها أن البنوك والمؤسسات التي مستها الأزمة كانت عديدة وبلغت خسائرها أرقاما خيالية. لكن رغم ذلك، فإن الدول الغربية رفضت أن تتدخل صناديق السيادة les fonds souverains لمساعدتها على الخروج من الأزمة. واختار قادة الغرب اللجوء إلى العجز المالي للخزينة وارتفاع ديون الدولة بدل الاستغاثة بصناديق السيادة، مما دفع المحللين إلى القول إن الأزمة ليست خطيرة مثلما يشاع، وأن الدول الغربية تفضل الركود الاقتصادي على دخول رؤوس أموال أجنبية لتتحكم في بعض القطاعات الاقتصادية والصناعية الحساسة مثل صناعة السيارات أو البنوك الكبرى.
  • ومن هذا المنطلق، فإن الأزمة الحالية تشكل بالدرجة الأولى وسيلة لإعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي. ويتضح ذلك من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما، الذي قال إنه مستعد لإنقاذ شركات صناعة السيارات، شريطة أن تتحول إلى مؤسسات عصرية تغير جذريا طريقة عملها، وفلسفة إنتاجها، وعملية التسويق، واستعمال الطاقة، والمحافظة على البيئة، وغيرها. وهذه النقطة وحدها تشكل برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لما يقوم به الرئيس الأمريكي الجديد.
  • ويؤكد الخبراء أن العلاقات الاقتصادية التي ستفرض نفسها بعد الأزمة ستختلف كثيرا عن العلاقات الحالية. ومن المحتمل أن الصين ستكون من الخاسرين لأن الأزمة ستكلفها ثلاث نقاط في عملية التنمية، كما أن جزءا كبيرا من منتوجاتها ستكون ممنوعة من دخول السوق الغربية، سواء من أجل نوعيتها أو بسبب الشروط الجديدة التي ستفرضها البلدان الغنية في ميادين احترام البيئة واستهلاك الطاقة وغيرها.
  • وسنعود إلى موضوع النظام الاقتصادي الجديد في الأسابيع القادمة بصفة متكررة لأن الأزمة ستدوم وتؤثر مباشرة علينا. لكن لا يجوز لنا أن نتكلم عن مكانة الجزائر في العالم الاقتصادي الجديد، لأنه ليس للجزائر مكانة لا في التفكير ولا في المناورات الكبرى التي تجري من أجل إعادة ترتيب الاقتصاد العالمي… فأمريكا أنجبت أوباما لمواجهة الأزمة…
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!