-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أسباب الفتور والانتكاس بعد رمضان!

سلطان بركاني
  • 830
  • 0
أسباب الفتور والانتكاس بعد رمضان!

الانتكاس بعد رمضان، أصبح ظاهرة تؤرّق كلّ مهتمّ بواقع ومستقبل هذا الدّين الذي هو في أمسّ الحاجة إلى كلّ فرد من أفراد هذه الأمّة الجريحة لسدّ الثّغور الكثيرة التي فتحت عليها وتسلّل منها الأعداء لإذلال خير أمّة أخرجت للنّاس.. طبيعيّ ومفهوم أن يشعر العبد المؤمن بشيء من الفتور في عبادته، لكن أن يتحوّل من النّقيض إلى النّقيض، ويخلع ثوب العبودية والالتزام، ويترك الطّاعات والقربات ويعود إلى الغفلة والمعاصي مع أوّل يوم من شوال، فهذا ما لا يمكن أن يركن إليه ويرضى به عبد يخشى الله والدّار الآخرة، ويعلم أنّ الله مطّلع عليه ويحصي عليه أعماله ويحاسبه في رمضان وفي غير رمضان، وأنّ الزّائر الأخير ملك الموت يمكن أن يحلّ بساحته في أيّ لحظة من لحظات عمره من غير سابق إنذار.

الانتكاس بعد رمضان له أسباب كثيرة، لعلّ من أبرزها:

  1. التّوبة الكاذبة الخادعة

بعض المنتكسين بعد رمضان، إنّما يفعلون هذا عمدا وعن سبق إصرار، لأنّهم مع بداية رمضان، يضمرون في أنفسهم أنّهم سيعودون إلى ما كانوا عليه في شعبان مع أوّل يوم من أيام شوال، فهم لا يعرفون عن رمضان إلا أنّه موسم مسايرة للواقع، يصلّون فيه مع المصلين ويجلسون لقراءة القرآن مع الجالسين، دفعا للّوم والعتاب الذي يمكن أن يلحقهم من جيرانهم وخلانهم وذويهم إن هم تخلّفوا عن الرّكب!

وهؤلاء الذين وصفنا حالهم على خطر عظيم، ويُخشى عليهم أن يكونوا ممّن قال الله فيهم: ((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138))) (سورة النّساء).

  1. اتّباع الهوى والإخلاد إلى الرّاحة

اتّباع أهواء النّفس، والرّكون إلى رغباتها، من أعظم أسباب الانتكاس في رمضان وفي غير رمضان، لأنّ النّفس بطبعها أمّارة بالسّوء إلا ما رحم ربّي، وتحبّ الدّعة والرّاحة، وتهوى النّوم والاستراحة، وتكره كلّ عمل يقطع عليها ما تشتهيه وتهواه، لذلك فهي تطلب بعد شهر رمضان أن تخلد إلى الرّاحة بعد شهرٍ من النّصب في طاعة الله، فإذا لم يتنبّه العبد المؤمن إلى وساوسها وخلجاتها، وراح يذعن لطلباتها، فإنّه سيجد نفسه بعد أيام قلائل من رحيل رمضان، قد ترك الصّلاة في المسجد، وأصبح يؤخّر صلاة الفجر إلى ما بعد شروق الشّمس، ويجد ثقلا وصعوبة لفتح المصحف.

لأجل هذا ينبغي للعبد المؤمن أن يخالف هوى نفسه، مستحضرا أنّ الرّاحة الحقيقية في طاعة الله وعبادته وطلب رضاه، ومخالفة أهواء النّفس وكبح جماحها، يقول الله تبارك وتعالى: ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41))) (النّازعات).

  1. طول الأمل

طول الأمل، من أعظم أسباب إساءة العمل في هذه الحياة الدّنيا، ومن أعظم أسباب الفتور والوهن والنّكوص عن الأعمال الصّالحة، لأنّ صاحبه تقنعه نفسه أنّ أمامه عمرا طويلا، وهو ليس بحاجة إلى التّوبة قبل أن يأخذ حظّه من متع هذه الحياة، ويستمتع كما يستمتع النّاس من حوله، بل يرى أنّ فرص الحياة الدّنيا تفوته، أمّا الآخرة، فهي لا تحتاج لأكثر من توبة في آخر العمر!

وطول الأمل يولّد التّسويف، وقسوة القلب وغفلة الرّوح، وكثرة التلوّن في الدّين، فما يلبث صاحبه إلا وقتا يسيرا على بدء العمل الصّالح حتى يتركه، لأنّه لم يقتنع بعدُ أنّ وقته قد حان، وهكذا حتى يموت قلبه وهو لا يشعر، أو يدركه الموت على حين غرة. ((ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُون)).

والعبد المؤمن الذي يخشى الله والدّار الآخرة، يتأهّب للرّحيل في كلّ يوم، ولا يؤخّر عملا صالحا تهيّأت أسبابه، لأنّه يعلم أنّ الإيمان والعمل الصّالح هما أساس السّعادة في الدّنيا والنّجاة في الآخرة، وهما الزّاد الذي لا يستغني عنه أبدا. يقول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: “إنَّ أَخْوَفَ ما أخاف عليكم: اتّباع الهوى؛ وطول الأمل، فأمَّا اتّباع الهوى فإنّه يصدُّ عن الحقّ، وأمَّا طول الأمل فإنّه يُنْسِي الآخرة. ارتحلتِ الدّنيا مُدْبِرَة، وارتحلتِ الآخرةُ مُقْبِلَة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإنَّ اليومَ عَمَلٌ ولا حساب، وَغَدًا حسابٌ ولا عَمَل”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!