-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وباء كورونا يغيّر الخارطة الاجتماعية

أسعار الأضاحي تربك “الفقراء الجدد”!

سمير مخربش
  • 2075
  • 6
أسعار الأضاحي تربك “الفقراء الجدد”!
ح.م

تختلف أضحية العيد هذا العام عن السنوات الماضية وفق ما يقتضيه منطق فيروس كورونا الخبيث، فإلى جانب المرض والموت، أنتج هذا الكائن الغريب قطعة جديدة من المجتمع يمكن أن نُعرفها بفئة الفقراء الجدد أو الضحايا الأحياء والسالمين من الوباء، وهم أولئك الذين استهلكوا “احتياطي الصرف” ولا يملكون اليوم عدا على نقد، وهم غير مصنفين مع المعوزين رغم أنهم عاجزون رسميا عن دفع ثمن الأضحية.

في زمن الكمامة، عيد الأضحى يأتي في ظروف خاصة صنعها فيروس كورونا الذي غلق أسواق الماشية وكمّم الجيوب، وفرض طرقا أخرى لممارسة هذه الشعيرة التي تبقى لها مكانة خاصة عند الجزائريين. فمهما ساءت الأحوال، تبقى طبيعة الجزائري تميل إلى الذبح وعدم التخلف عن هذا الموعد حتى وإن كانت النية شأن آخر لا علاقة له بعمق المغزى من هذه الشعيرة، فهناك فئة عريضة تتكلف من أجل توفير ثمن الأضحية بنية إدخال الفرحة على الأبناء، وكثيرون الذين يرددون عبارة “على وجه الأولاد فقط”، وهم يجهلون بأن هذه الكلمة فيها مآخذ كبرى وتشكيك في إقامة الشعيرة لوجه الله. هذه الفئة اتسعت اليوم مع انتشار فيروس كورونا الذي أخرج إلى السطح فئة جديدة من الفقراء كانوا في السابق يعدون من طبقة شبه محترمة أو تلك التي كانت تتدبر أمورها وتُسيِّر أحوالها في ظروف مقبولة.

دائرة الفقر في اتساع

مع الجدل الذي أثير سابقا حول الأضحية في زمن الكورونا والعبارة التي تضمنتها فتوى اللجنة المختصة لوزارة الشؤون الدينية التي تؤكد رفع الحرج عن العاجزين، فإن دائرة المعنيين بالعجز اتسعت وكل من ضيع عمله أو حرفته أو نشاطه التجاري بسبب الوباء صنف نفسه ضمن فئة العاجزين، لأن جيبه الذي كان شغالا منذ خمسة أشهر أنهيت مهامه وأحيل على التقاعد بلا دخل. من هؤلاء نجد سليم من سطيف الذي يملك مقهى تعد مصدر رزقه الوحيد، لكن مع الجائحة أضحى فنجان القهوة من المواد المحظورة فاحتال صاحبنا وباعه تحت الطاولة وبطريقة “نصف ريدو”، وباع القهوة عبر فتحة عداد الماء، لكن كل هذه الطرق لم تُجد نفعا وظل دخله بعيدا عن سد الرمق، وانتهى الأمر بسليم الى غلق المقهى بصفة نهائية وراح يستهلك احتياطي الصرف الذي كان يحتفظ به ليوم الشدة، وبما أن أيام الشدة طالت وتحولت إلى شهور فقد أصبح سليم رجلا فقيرا من دون بطاقة يملك كل المؤهلات التي تسمح له رسميا بالانخراط في فئة المعوزين المعنيين بالقفة ومختلف الصدقات.

وبعد ما حجز صفحة في كراس القرض عند عمي سليمان صاحب محل للمواد الغذائية، حاول اليوم متثاقلا التنقل بين نقاط بيع الأغنام في الإسطبلات والفضاءات الفوضوية، فلم يجد ما يتناسب مع جيبه الذي يحتفظ له بمليونين ونصف لهذه المناسبة وهي قيمة غير قابلة للصرف في سوق الماشية الذي يعطي التأشيرة فقط للذي تخطى عتبة أربعة ملايين ونصف، والتي تعد الأجر القاعدي لتسديد أرخص خروف في الوقت الحالي، وبالتالي جولة سليم في بورصة الخرفان باءت بالخيبة وملفه الخاص بالترشح للتضحية مرفوض جملة وتفصيلا، وهو رسميا غير مؤهل للعملية، بل هو قاصر في سن الخمسين من العمر، ولم يبق له سوى تكوين ملف للانضمام إلى فئة العاجزين المعترف بها، أو اقتحام هذه الفئة كالحراق بدون وثائق ومزاحمة تلك الأرملة التي كان يتصدق عليها بالأمس والتي يفوقها اليوم بالصبر فقط وبعض الدريهمات. أما الخيار الآخر عند سليم فهو الاستدانة إن وجد من يلبي له طلبه في زمن احتار فيه الجميع. سليم ليس وحده المحتار في قيمة الأضحية، بل أمثاله تعددوا في الجزائر وجاليتهم بدأت تكبر كبقعة زيت نفثها الفيروس، ودائرتهم اتسعت في زمن الكوفيد الذي غشي “الغاشي” بالمرض والموت والفقر أيضا.

ففي السابق كانت هناك فئة معلومة من الفقراء والمعوزين تجدها في قوائم الجمعيات الخيرية والمساجد ولجان الأحياء، لكن اليوم الدائرة اتسعت وامتدت إلى سائقي سيارات الأجرة وأصحاب المقاهي الصغيرة كالتي يملكها سليم وسائقي الحافلات ومن معهم، وأصحاب المطاعم والعاملين عندهم والبنائين ومساعديهم والعاملين في الفنادق وبعض التجار والعاملين عندهم، وحتى أصحاب بعض المؤسسات الصغيرة التي حرمت من المشاريع في زمن الوباء، وكل الذين ارتبط نشاطهم بالأعراس كمجهزي سيارات العروس وباعة لوازم العرس والأفراح، فكل هؤلاء تحدوا الصعاب في الأشهر الأخيرة لكن أمام أضحية العيد طأطأوا رؤوسهم مستسلمين أمام العدو الذي يحمل الرقم 19.

لحظات صعبة!

فإذا كانت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان تحصي 15 مليون جزائري يعيشون تحت خط الفقر، فدون شك هذه الفئة اتسعت بعد ظهور فيروس كورونا الذي غير الخارطة الاجتماعية في الجزائر مثل ما فعلها في كل بلدان العالم، وهذا الاتساع يظهر كعينة من خلال الذين استفادوا من منحة التضامن التي أقرها رئيس الجمهورية لفائدة المتضررين من الجائحة والذين بلغ عددهم 320 ألف وهذا الرقم المرشح للارتفاع يشمل فئة جديدة من الفقراء صنعها الفيروس منهم من ظهرت عليه أعراض الفقر ومنهم من ينتظر.

وإذا كان البعض يقول ارحموا عزيز قوم ذل، فهؤلاء لم يرحمهم أحد ولم يجدوا من يأخذ بأيديهم وينعش جيوبهم، لأنهم غير مسجلين في فئة المعوزين المعروفة لدى الجهات المعنية ولا هم من القادرين على دفع أربعة ملايين ونصف، وقد دخلوا في حيرة من أمرهم وهم من أمثال سليم الذي لا يتوقف عقله عن التفكير في الأضحية، وأصابته الكآبة وهو من المرشحين للإصابة بالضغط وداء السكر، وفقد القدرة على النوم وأحيانا يبلل الوسادة بدموعه لعجزه على إدخال الفرحة على أبنائه، وكل يوم تطارده تلك اللحظة التي يسأله فيها أبناؤه – كما اعتادوا – عن خروفهم بعد ما سمعوا صوت خروف الجيران، فيا لها من لحظة صعبة فرضها الفيروس على الفقراء الجدد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • خليفة

    لا يكلف الله نفسا الا وسعها ، فلماذا الاستدانة من اجل اضحية العيد ؟ صرنا لا نميز في الدين بين الفراءض و السنن ،و صار اغلبنا يبحث على المباهاة امام الناس ،و البعض يهمه توفير اللحم للعيال ،و بهذا تفقد الاضحية معناها و يغيب مقصدها الشرعي،نسال الله ان يردنا اليه ردا جميلا و ان يفقهنا في الدين و يجعلنا من التوابين و من المتطهرين ،و ان يرفع عنا هذا الوباء و البلاء ،انه ولي ذلك و القادر عليه،و صلى الله على سيدنا محمد.

  • momo

    annuler laid et c tous c pas fard juste souna

  • tadaz tabraz

    شعب لا يفكر الا في بطنه والا كيف يتجرأ على شراء كبش ب 5 أو 6 ... ملايين وبعد أيام والدخول المدرسي على الأبواب يبدأ في التباكي على غلاء أسعار المستلزمات المدرسية التي تكلف أقل بكثير مما صرفه في يومي العيد ... يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه

  • جزائر العجائب

    أسعار الأضاحي تربك “الفقراء الجدد”! .... الفقير الحقيقي لا تهمه الأضحية ولا يسأل عن سعرها بالمطلق وبالتالي فلا يمكن الحديث عن أسعار الكباش في قاموس الفقراء الا اذا كان الأمر يخص الفقراء الافتراضيون المتحايلون والمتطفلون ....... الذين جمعوا الملايير مستخدمين في ذلك حيلة وخديعة الفقر كيف لا والكل يعلم بوجود متسولون يملكون فيلات وسيارات فارهة في بلاد العجائب والغرائب

  • Malek

    هؤلاء التجار أو أصحاب النقل الجماعي أو المطاعم و المقاهي الذين وجدوا أنفسهم بين عشية و ضحاها ضمن قائمة الفقراء و المعوزين هم بحاجة إلى مرافقة الدولة لهم ماداموا يحوزون على السجلات التجارية و التصاريح بالعمل فما هو المانع من تمكينهم من القروض البنكية بدون فوائد مع التسديد المريح لما بعد الكورونا و بأقساط شهرية مريحة لمدة سنتين أو أكثر --- أرحموا عزيز قوم ذل.

  • ادم فارس

    و الله امرکم عجیب یا قوم ان کنت لا تستطیع فماداعی للاستدانة و وضع السکین تحت رقبتك لسنة اردتم ان تجعلوها رکن سادس من ارکان الاسلام و الغالبیة لا ترید بها وجه الله و انما تباهی امام المعارف و الجیران عجیب امرکم یا قوم لم تاخذوا من الدین الا القشرة.