اقتصاد
صحفية "الشروق" تنتحل صفة عون قمع الغش والتجار يكشفون لها المستور:

أسواقنا.. “يا مبارك ادخل بحمارك”

الشروق أونلاين
  • 21569
  • 127
يونس أوبعيش
صحافية الشروق أثناء المهمة

الرئيس قال لنا: “أخدموا واحد ما يقرب ليكم على مدار 5 سنوات.. والجنرال أمر رجال الشرطة بحسن معاملة المواطن.. وفرق مراقبة ومكافحة الغش لا محل لها من الإعراب هنا”.. هذه عبارات رددها تجار فوضويون التقينا بهم ونحن منتحلون لصفة أعوان فرقة مراقبة ومكافحة الغش بسوق بومعطي الشعبي.

بمساعدة وتغطية أمنية من المديرية العامة للأمن الوطني، التي وفرت لنا الحماية الكاملة وسهلت إنجاز مهمتنا كأعوان رقابة ومكافحة الغش، نجحنا في الولوج إلى أكبر سوق شعبي كان وما يزال يشكل بؤرة غير آمنة، بالنظر إلى انتشار فئات طفيلية تمارس السطو والاعتداءات يوميا ولها ضحاياها بالجملة .. ساعات مثيرة قضيناها رفقة أصحاب البدلة الخضراء.. تابعوا التفاصيل.

لا سجلات تجارية ولا تراخيص ولا هم يحزنون

كانت عقارب الساعة تشير إلى حدود الثانية ونصف مساء، من اليوم العاشر من شهر التوبة والغفران، عندما وصلنا إلى مقر الدائرة الأمنية في الحراش شرق العاصمة، وهناك استقبلنا الملازم الأول للشرطة عزيز أعمرات رئيس خلية الاتصال والعلاقات العامة لأمن المقاطعة الإدارية للحراش، اتفقنا على محاور الروبورتاج، قبل أن نمتطي سيارة رباعية الدفع من نوع “نيسان”، رفقة الملازم الأول وعدد من حافظي وأعوان الشرطة، حيث انطلقنا في جولة ميدانية نحو سوق بومعطي، الذي يشبه إلى حد كبير خلية نحل حقيقية، نظرا لتوافد جموع من المتسوقين القادمين من كل شبر من العاصمة وضواحيها وحتى من ولايات أخرى.

وبمجرد أن وطئت أقدامنا السوق، سألنا أحد التجار الفوضويين الذي نصب طاولة لبيع الفواكه بكل أنواعها، إذا كان يحوز على سجل تجاري أو رخصة لممارسة تجارته، بصفتنا ممثلي وزارة التجارة، تفاجأنا لجموع من التجار يلتفون حولنا، لكن الحمد لله أن رجال الشرطة كانو رفقتنا، وإلا فإن الأمور أخذت منعرجا أخر، خاصة أننا قدمنا أنفسنا على أساس فرقة من مراقبة الأسعار وقمع الغش، حيث اتفقوا جميعا، على أن هذه الفرق لا تعرف الطريق إلى سوق بومعطي وهو لا يعترف بها أصلا، لأنها تعرف جيدا ما هي العواقب المترتبة عن ذلك.. مما يؤكد الغياب الكلي لممثلي وزارة التجارة التي تتشدق بتجنيدها لفرق تضمن رمضانا أمنا.. إذ طالبوا منا الرحيل فورا لأن جميع التجار الذين ينشطون على مستوى السوق لا يحوزون لا على سجلات تجارية ولا تراخيص لمزاولة نشاطهم ولا هم يحزنون.. وهتفوا جميعا بعبارات “الرئيس قال لنا أخدموا واحد ما يقرّب ليكم.. والجنرال أمر رجال الشرطة بحسن معاملة المواطن.. وفرق مراقبة ومكافحة الغش لا محل لها من الإعراب هنا.

من أنتم، ارحلوا.. قبل أن نطلق صفّارة الإنذار

وبالرغم من تهديدات هؤلاء التجار ورغم إدراكنا الجيد من أن هؤلاء يشبهون الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ورغم النصائح المقدمة لنا من طرف رجال الشرطة، إلا أننا أصررنا على الولوج في أعماق هذا السوق الذي يخفي وراءه الكثير من الأمور، إذ وقفنا على كارثة صحية بكل المقاييس، لتسميم المواطنين في هذا الشهر الفضيل. حيث تجد طاولات الباعة الفوضويين مملوءة عن أخرها بمواد استهلاكية سريعة التلف على غرار الأجبان، المايونيز والألبان على طاولة تحت أشعة الشمس دون أية حماية أو وقاية صحية، وهو الوضع الذي يمكنه أن يودي بحياة المواطن في أي لحظة بعد فساد مكوناتها نتيجة الحرارة الشديدة.

وما أثار اندهاشنا هو قدرة الباعة على عرض أطراف اللحوم البيضاء في صناديق على الأرض عرضة للأتربة المتطايرة والذباب، دون أي مبرد يحفظها من التعفن والفساد، وهو ما يؤكد الغياب التام للمراقبة في ذات السوق الذي يعتبر “عمرة” الزوالية، والغريب في الأمر أنها تشهد إقبالا كبيرا من الزبائن.

.. وعندما حاولنا الاستفسار عند أحد الباعة بصفتنا أعوان مكافحة وقمع الغش، ومن صلاحيتنا تحرير مخالفة وإرسال المحضر إلى العدالة، سمعنا ما لا تستطيع الأذان أن تتحمله، من عبارات وحركات هؤلاء الباعة.. حيث رد علينا أحدهم قائلا: “ماذا تحررون؟ مخالفات عن ماذا تتحدثون؟ أين هي الدولة؟.. التي لم توفر لنا حتى أبسط ضروريات الحياة.. لا عمل لا سكن.. لا زواج ولا حياة مستقرة، فنحن بمثابة اللاجئين في بلاد العزة والكرامة.. ارحلوا قبل أن اطلق صفّارة الإنذار التي يستعملها الباعة والتجار الفوضويون بسوق بومعطي للفت انتباه زملائهم في حالة “الخطر”.

المظاهر نفسها تكررت كلما تعمقنا في السوق، حيث يسيطر الباعة على كل الأرصفة والأماكن الشاغرة رغم ضيق المكان، عارضين المنتوجات والفواكه في أماكن تملؤها الجراثيم، على غرار التمر الذي يباع على الطرقات المحاذية لمحطة النقل، ما يجعله عرضة للغبار المتطاير ودخان السيارات.

أصحاب المحلات.. الفوضويون “طيحو علينا البق”

ومحاولة منا لمعرفة وضعية التجار الشرعيين والمشاكل التي يعانون منها جراء الانتشار الكبير للتجار والباعة الفوضويين، عبّر لنا جميع الباعة الشرعيين الذين يتوسطون السوق الموازي في بومعطي عن سخطهم واستيائهم الشديدين للحالة التي آلت إليها دكاكينهم، بحيث يدرك زائرها وللوهلة الأولى، أنها مهجورة وتعاني ضعف الإقبال عليها من طرف الزبائن. حيث أكد لنا صاحب محل لبيع المواد الغذائية، الذي طالبنا منه استظهار وثائقه، بعد أن قدمنا أنفسنا على أساس أننا من فرقة مراقبة ومكافحة الغش، أكد لنا أن شبح الإفلاس يخيم على دكانه، نظرا للإقبال المحتشم للزبائن وكذا لعرض الباعة والتجار الفوضويين للطاولات المتراصة أمامه نفس السلع التي يبيعها، لكن بأثمان بخسة تصل إلى النصف أحيانا.

وأوضح محدثنا أن هذه البضائع المعروضة في الطاولات هي نفسها الموجودة في الدكان لكن الفرق الموجود بينهما جوهري، وهذا ما لا يعيه الزبون، بحيث أن تاريخ صلاحيتها في المحل الشرعي يمتد لأكثر من سنة، لكن في السوق الموازي معظمها لا يزيد عن الشهر أو شهرين، وحمل محدثنا المسؤولية للشركات التي تتخلص من منتجاتها الكاسدة بطريقة بيعها بأثمان رخيصة وإغراق الأسواق الموازية بها، وغياب ممثلي وزارة التجارة وعلى رأسهم فرق مراقبة الجودة، الذين يتشددون مع الباعة الشرعيين تاركين باعة الأرصفة في راحة تامة.

تركنا سوق بومعطي والساعة كانت تشير إلى الخامسة مساء، وفي مخيلتنا تلك الصورة لتجار وباعة لا يعترفون لا بالقانون ولا بصحة المستهلك، همهم الوحيد الكسب السريع وهيهات لمن يحاول أن يمس ولو شعرة منهم.. ويظهر جليا ذلك التضامن بينهم، وإن كانت مبرراتهم تجعل حتى التجار الشرعيين يتضامنون معهم!

مقالات ذات صلة