الرأي

أشفقوا على هذه الوزيرة أيها المنتقدون!

عبد القادر فضيل
  • 3757
  • 21

يجري الحديث في هذه الأيام عن تدهور أوضاع التعليم وعن الاضطرابات التي مسّت المدرسة وحرمت التلاميذ من مواصلة دروسهم بانتظام بسبب الاضرابات التي دعا إليها ممثلو النقابة واستجاب لها بعض الأساتذة في بعض المراحل، فاختل النظام المدرسي وتحرك أولياء التلاميذ ومن يغارون على التعليم وأخذوا يوجهون نقدهم إلى وزيرة التربية باعتبارها المسؤولة عن هذا القطاع، وراحوا يطالبون بمعالجة الوضع، ومداواة الاختلالات التي أخذت تتراكم والحرص على معالجة مواطن الخلل ومواجهة ظاهرة الاكتظاظ في الأقسام وضعف المستوى والعناية بتوفير ظروف التكوين الملائمة، والاستجابة لأهم المطالب المشروعة، نقول لهؤلاء الذين يوجهون نقدهم إلى الوزيرة إنكم تظلمونها حين تحمّلونها مسؤولية تدهور الأوضاع وتطلبون منها أن تعالج كل الأوضاع التي وجدتها متراكمة في هذا القطاع، هذه الأوضاع تشكل تراث عدد من الوزراء الذين أشرفوا على هذا القطاع في السنوات الأخيرة، (في سنوات الألفية الثالثة).

إن مسؤولية حل هذه الإشكالات هي مسؤولية الحكومة التي حوّلت هذه السيدة من اهتمامها بالبحث في مجال علمي له وجهته، إلى الإشراف على قطاع كبير ومعقّد نظرا لطبيعة مهامه، وكلفتها بتسيير مرافقه التي هي حواس المجتمع ومواطن تفكيره، وحقيقة هذا القطاع هو روح الأمة وعقلها، لا يجوز أن يترك أمر تسييره للوزير بمفرده، لأن سياسة هذا القطاع هي سياسة أمة وليست سياسة وزير.

ولا نبالغ إذا قلنا، إن التعليم لم يعرف عهدا تجمعت فيه العديد من المشكلات وحالة الاضطراب والتدهور مثل السنوات الأخيرة التي بدأ النظام فيها يحصد نتائج تأثيرات الأزمة التي عرفتها المدرسة والتي برزت منذ بداية الانفتاح السياسي، الأزمة التي ظهرت بوضوح مع دخول البلاد في الألفية الثالثة أي منذ شروع المسؤولين في تنفيذ الاقتراحات الواردة في تقرير لجنة الإصلاح الذي جعلته الوزارة سندها في أهم التغييرات التي قامت بها منذ سنة 2003، فالتدهور الذي يعرفه التعليم هو نتيجة تراكم الاختلالات التي سببها انعدام التخطيط، والتخلي عن سياسة التكوين، وفقدان الرؤية التربوية الشاملة المحددة لما ينبغي أن يكون عليه النظام التعليمي، وبسبب المحاولات التي جعلتها الوزارة وجهتها في مجال التغيير تراكمت الاختلالات التي أثرت في أوضاع التعليم، لأن ما كان ينفذ من قرارات لم يقم على دراسة ولم يعتمد فيه المنطق وإنما خضع لفكرة مفادها ونهايتها تكريس القطيعة مع النظام الذي كان قائما والتوجه نحو نظام يريده المسؤولون أن يكون منسجما مع سياسة الانفتاح ومع ما ورد في تقرير الإصلاح وليس مهما أن يكون بعض ما تم اتخاذه يتناقض مع قيم الأمة وتوجهاتها.

فالظروف التي أبرزتها سياسة الانفتاح مسّت النظام بأكمله ومست بصفة خاصة بناء المناهج وسياسة تكوين المعلمين، والإشكالات القائمة اليوم ترجع إلى من بيدهم الأمر من المسؤولين، فهم الذين يستطيعون المعالجة الحكيمة والحاسمة للقضايا المطروحة وليست الوزيرة وحدها، وتخلي المسؤولين عن معالجة هذه الأوضاع جعل الوضع عندنا يعرف ضحايا، وفي طليعة الضحايا مستوى التعليم الذي تدنى إلى درجة لم يعد معها وضعا مقبولا، والضحية الثانية هم التلاميذ الذين اضطربت حياتهم الدراسية وأصبحوا لا يدرون ماذا يفعلون؟ لأن المدرسة لم تعد تستجيب لاهتماماتهم أو تساير ظروفهم، والضحية الثالثة التي يجب أن نعتبرها إحدى الضحايا وهي الوزيرة نفسها، لأنها حملت مسؤولية تتجاوز صلاحياتها، والنقد يوجه إليها، وليس في إمكانها أن تعالج الأمور التي تطرح، ومن أهم الأمور التي تطرح هي الاستجابة السريعة والمقبولة للمطالب والحلول المطلوبة لقضايا النظام، ومن أهم ما يجب أن يتجه إليه الحل في هذا الظرف، أمران اثنان:

الأول: هو توفير المنشآت المدرسية التي تستجيب لأعداد التلاميذ، وبذلك نقضي على ظاهرة الاكتظاظ، والأمر الثاني: هو ضبط سياسة محكمة للتكوين بحيث نوفر كل سنة عددا من المعلمين المؤهلين لمواجهة الاحتياجات الميدانية. وبهذا  نتجنب أسلوب التوظيف المباشر الذي يعتمد على المتخرجين من الجامعة من غير أن نوفر لهم تكوينا ملائما.

ولعلاج هذين الأمرين يجب انتهاج سياسة التخطيط الذي يعتمد على ضبط الحاجيات في المجالات المختلفة، إذ لا يجوز أن نأتي في كل سنة ونقدم على تنظيم امتحانات من أجل توظيف ما نحتاج إليه، إن العدد الذي يوظف من حين لآخر يتطلب سياسة في مجال التكوين ونحن لا نملك هذه السياسة ولا نملك المؤسسات التي تتكفل بالتكوين لأن عدد المدارس العليا قليل، ضف الى هذا، ما يتم في هذه المدارس لا ينسجم مع فلسفة التكوين وأهداف التأهيل التربوي.

وهكذا، فالاضطرابات التي نشهدها كل سنة مرجعها انعدام التخطيط وبسبب ذلك عجزت الوزارة عن الاستجابة للمطالب وعن معالجة الأوضاع التي وجدتها الوزيرة متدهور. إن الأوضاع المتدهورة بدأت تتراكم منذ بداية الألفية الثالثة.

وفي الأخير، يجب أن نعترف بأن أوضاع التعليم متدهورة وتتطلب علاجا سريعا وحكيما، والذين يتولون هذا العلاج هم من بيدهم اتخاذ القرار، وهذا الأمر قد يتجاوز الوزيرة.

إن معالجة الاختلالات التي تمس النظام والمواقف المتصلبة والآراء المتنعتة التي تواجه القائمين على التعليم يجب أن يبادر بها كبار المسؤولين الذين يجب أن يدرسوا الأوضاع دراسة دقيقة ويحللوا السياقات الظرفية التي دعت إلى هذه الاضطرابات حتى يتضح الخلل وتعرف أسبابه.

مقالات ذات صلة