-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أطلبوا الغاز ولو في الصخر!

الشروق أونلاين
  • 1810
  • 0
أطلبوا الغاز ولو في الصخر!

الهرج والمرج الجنوبي في الشمال، بسبب قضية غاز صخور الجنوب، وفتنة إين أميناس ومائها، لم يعودا مشكلة سياسية، بقدر ما تحولتا إلى مشكل دبلوماسي! وكأننا أمام دولتين متجاورتين تتصارعان على مصادر طاقة تحت أرض مشتركة الحدود! بالفعل، لقد حولنا البلد إلى بلد يعيش به وفيها حفنة من سكان الشمال على حساب كل سكان الجنوب وبقية سكان الشمال! الصراع يبدو بين الشمال والجنوب، حتى أننا صرنا نخشى تدخلا دوليا (وقد بدأت أنياب الأطماع تلوح تحت الأشداق المبتسمة!).

 فرنسا وباقي الأعداء التقليديين للجزائر الطامعين في الأرض والنفط والغاز، يعملون على تأليب الجنوب ضد الشمال ليجعلوا منه مطية للتدخل وإرباك النظام القائم لقبول كل الشروط القاضية ببيع البلد “ببلاش” للمستعمر التقليدي (أتذكر هنا كلمة قالها لي الصحفي الراحل “عبد الملك واسطي” عندما كان مديرا لمكتب وكالة الأنباء الجزائرية بباريس أيام رئاسة ميتران. قال لي أنه حضر اجتماعا مخصصا لرؤساء تحرير الصحف الفرنسية. قال لهم ميتران ـ وكان معظم الحاضرين من اليهود والأقدام السود ـ قال لهم بصريح العبارة الفرنسية “سوف أعيد لكم الجزائر بدون دفع فلس واحد”! بعدها وقعت أحداث أكتوبر 88.. والبقية ستأتي!)

لا أريد أن أعلق قميص عثمان على مشجب الاستعمار، لأن دأب الاستعمار هو ذاك. فهو عمله الدائم المعروف به وعنه، إنما أتحدث هنا عن دور الدولة الوطنية في الوصول بنا إلى هذا الوضع، بعد أن غيبنا ثلاثة أرباع الشعب لصالح حفنة من ما يسمونه “بالمجتمع المفيد” أو الأقلية الساحقة”. والآن إننا نجني ثمار ما زرعناه من أشواك.

نمت لأجد نفسي في وضع خطير: القوات الاستعمارية تحرض أهل الجنوب على الانفصال، فيما حركات انفصالية أخرى في الشمال تريد هي الأخرى “الانتصال”! في الشرق أيضا وفي الغرب! حتى أني خشيت أن نصل إلى ما وصلت إليه الدولة الموحدية بعد هزيمة معركة حصن العقاب سنة 1212م، حيث أعلن شرق الدولة تمرده وانفصاله عن المركز، وتعلن الدولة الحفصية استقلالها على أساس قبلي صنهاجي لتصبح اليوم تونس القايد السبسي، ثم بعدها يعلن الوسط انفصاله على أساس قبلي زناتي وتعلن نفسها دولة زناتة. لم يبق من الدولة الواحدة الموحدة الموحدية إلا الغرب، فيعلن تحوله إلى دولة لبني مرين يغلب عليه الصنهاجيون رغم قوة الزناتية في الغرب المغربي.

كل شيء وكل تحول جاء من الجنوب! هذا ما لا حظه ابن خلدون! فأهل الجنوب بسبب قلة الشيء “اللي ترشًي”، وسوء العيش وقسوة الطبيعة، لن يسكتوا على غلال الشمال والأرزاق التي راكموها في قلع ضمت خيرات الثروة الفلاحية وبيوت المال المليئة ذهبا وفضة بسبب وفرة الغنائم والضرائب الشرعية والخراج..(النفط لم يكن موجودا، لكن اليوم النفط والغاز هو سبب البلاوي للهواري! النفط يؤخذ من الجنوب ليستفيد به بعض سكان الشمال وليس كلهم!..والآن يريدون أخذ الغاز من الصخور التي هم عليها قعود، ليتلذذوا بخيراتها على حساب شظف العيش والبؤس التاريخي لسكان الجنوب)!

رأيت أن هذا الاحتمال وارد إن لم نسارع لحل المشكل قبل انفصال الشمال عن الجنوب تمهيدا لانفصال الغرب عن الشرق والانتهاء بالتمزق الوحدوي الذي تسبب فيه سوء تسيير رعاع الريع!

قلت لسكان الجنوب في خطاب متلفز وأنا هو الرئيس بلا انتخاب: اسمعوا! قاع تاكلوا معنا..! سوف نجعل من كل مدينة ولاية “مندبة” كبيرة (والميت فار)! هكذا، كل ولاية، سيكون لها ميزانية بحسب عدد السكان! نبني لكم المطارات ونخط لكم سكك حديد والقطارات، ونبني لكم جوامع وبارات، ونفتح لكم الملاهي والكاباريهات، باش تزهاو وتلتهاو..! نردوا لكم عين أميناس كي لاس فيغاس، وأدرار كوشمار، وعين قزام مثل جزيرة الأقزام! تاكلوا وتشربوا وتعيشوا “لابيلفي”..الشطيح والرديح والتقريح ودادا ومالي..! لا تعتقدوا أننا نسيناكم. تقول أم كلثوم: “أنساك ذا كلام؟ أهو ذا اللي مش ممكن ابدا ولا نفكر فيه أبدا”! نحن بلا بيكم ما نعيشوش (مليح) وبلا بكم ما يجينا منام..ما تجينا أحلام! الله يهديكم، خليونا نكملوا معكم العيشة. غاز الشيشت، راه ليكم، ندوه عليكم نبيعوه  ونعطوكم حقكم فيه! “دي بورصان” لكم والبقية لنا.!واللي بغا يجي يعيش معنا في “النور”..مرحبا به! أحنا اللي نخرجكم من الظلمات إلى “Nord “!.

الشعب الذي كان يتابع الخطاب في الشمال، كان أكثر من الجنوب (سينورمال: 70 في المائة من سكان الجزائر يعيشون في الشمال مقابل 10 في المائة في الجنوب و20 في المائة في السهوب!). لكن من 70 في المائة هؤلاء، فقط 10 في المائة يعيشون بخير عليهم وفقط 3 في المائة يعيشون أكثر من طاقة وزير الطاقة! أما 10 من سكان الجنوب فيعيشون بؤس 70 في المائة من سكان الشمال و20 في المائة من تعاسة سكان الهضاب!. هذه هي التقديرات والإحصائيات التي بحوزتي وهي سرية على كل حال لا يعرفها إلا أنا ومجلس الدولة الأمني المصغر أي أنا كرئيس وكوزير دفاع وكوزير خارجية!: أنا وحدي نضوي البلاد بنفط وغاز الجنوب الذي غزوناه.


الشعب في الجنوب، كان يتفرج على ماتش ما بين المالي والنيجر..! الحكم فرنسي والمدربان أحدهما أمريكي والآخر إسرائيلي!..وتعالى تشوف الـ”حماس” والغازة وشعب غزة المغزو من مصر قبل إسرائيل!..وأنا أخبط خبط عشواء! حتى أني لما أكملت خطابي، الجميع قال تحت أنفه “ماذا قال هذا آنفا”؟

عندما أفقت، وكنت قد نمت على دوش ساخن في جو بارد، قمت “مدقدق” مفروم، وكأنهم دقدقوني في مهراس..! كل مفصل في جهة وكل عظم ينادي على الآخر..كأهلنا في غزة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!