-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أعلى الرتب

أعلى الرتب

جمال الدين الأفغاني (1839 – 1897م) لم يعش في هذه الحياة الدنيا إلا ثمانية وخمسين عاما، ولكنه لما ترك من أثر ما يزال اسمُه يتردد إلى الآن في العالم عموما وفي الإسلامي خصوصا، فقد كان “موقظا لضمائر المسلمين”، مذكِّرا لعقلائهم، منبِّها للغافلين منهم، ليعودوا سيرتهم الأولى، ويدخلوا حلبة التاريخ كرَّة أخرى، بعد ما صاروا يعيشون على هامشه يتصرف في مصيرهم أعداؤُهم ويدير أمورَ أكثر شعوبهم حكامٌ هم للغرب أدلّة أذلة، ومطايا ذُللا، يحقق بهم أقذر المهام، وهي إذلال هذه الشعوب واستعبادها.

كان أعدى أعداء جمال الدين الأفغاني هم هؤلاء الحكام الذين استمرأوا الخنوع ورضوا أن يكونوا عبيدا للدول الاستعمارية، وسوطا في أيديها لإذلال الشعوب الإسلامية، واستنزاف خيراتها.

وكان هؤلاء الحكام “المسلمون” من أفغانستان، إلى إيران، إلى تركيا، إلى مصر يرتعدون بمجرد سماع اسم جمال الدين، فطاردوه، وحاولوا شراء ذمَّته، واستنزال همَّته، وتآمروا عليه، وتربَّصوا به الدوائر، ورصدوا تحرُّكاته، وبثُّوا حوله الجواسيس.

كما كانت الدولُ الاستعمارية (انجلترا – فرنسا خاصة) تراقب تحركاته، وتتبع خطواته، لمعرفة أتباعه، والحدِّ من آثاره في المجتمعات الإسلامية.

في آخر رحلة من حياته أقام في استانبول، عاصمة الدولة العثمانية، وكان السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، الظالم والمظلوم، يحب جمال الدين لما له من قيمة فكرية، وثورة على الدول الاستعمارية، ولكنه كان في الوقت نفسه يخشاه اتِّقاء قوارع نقده، لأن لسانه كان أمضى على الحكام، ومنهم عبد الحميد الثاني، من السيف البتار.

وسوس للسلطان عبد الحميد شيطانٌ من الإنس أو الجنّ أن يكبِّل لسان جمال الدين ويعقله، وذلك بتعيينه في أحد المناصب العالية في الدولة العثمانية، مع ما تتطلّبه تلك الرتبة وذلك المنصب من لباس خاص، وأوسمة ونياشين، ومظاهر سلطانية..

أرسل السلطانُ أحد موظفيه إلى جمال الدين ليخبره بـ”المكرمة” السلطانية، وليتفق معه على الوقت المعلوم لإجراء مراسيم التعيين.

ظنَّ ذلك الموظف السلطاني أن جمال الدين سيطير فرحا، وسيهتز طربا لما بُشِّر به، ولكن ذلك المبعوث بُهت لما رأى عزوفا من جمال الدين الذي قال له: “إن جمال الدين يرى أن رتبة العلم أعلى الرتب… وأنه لا يريد أن يكون كالبغل المزركش”. روى هذه القصة الشيخ عبد القادر المغربي في كتابه الذي سمّاه: جمال الدين الأفغاني. ص 39.

نسوق هذه القصة لمن أعلى الله مقامهم بالعلم، فإذا هم يُذلُّون أنفسهم، ويهينون كرامتهم أمام حكام “جهلة”، ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، حتى إذا قضوا منهم وطرا لفظوهم لفظ النواة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!