أعمى وأصم وأبكم في “الزفة”
كلهم يقولون إلا نحن.. وكلهم يخوضون في أحوالهم وحتى في أحوالنا إلا نحن.. كلهم ينصحون، كلهم ينتقدون، كلهم يبدعون، كلهم ينهون ويأمرون إلا نحن، بقينا نتفرج على العالم السمعي البصري، الذي حلّق بنا أحيانا ،ورمانا أحيانا أخرى من عل، فلا يختلف حالنا عن الأعمى والأطرش والأبكم في “زفة” طبخ موائدها غيرنا، والتهم أطباقها غيرنا، وبقينا ضيوفا ثقيلي الظل، ندفع حق التفرج وفقط.
-
جزائريون اغتربوا وآخرون استشرقوا، وفي الحكاية دائما وسائل إعلام أجنبية مرئية، تميل بنا ذات اليمين وذات الشمال، في فضائيات عددها عشرات الآلاف، ولا نمتلك منها كوكبا واحدا نعيش فيه كما يعيش غيرنا، وكما يستحق تاريخنا وجغرافيتنا أن يكونا.
-
المثل الأوروبي يقول “أن تصل متأخرا أحسن من أن لا تصل أبدا”، وتأخرنا في فتح مجال السمعي البصري وتنويع الأداء الإعلامي الثقيل لا اختلاف فيه، ولكن أن نبقى نلتهم ما ينتجه غيرنا هو جريمة في حق الوطن، قبل أن تكون جريمة في حق مواطن، صار يشتمه الآخرون ولا يرد، ويعيثون في أرض أخلاقه الطيبة فسادا ولا يحرك ساكنا، ويتهمونه بالارتزاق، ويعجز عن قلب الطاولة على الجناة، كما كان يفعل مع كل الطغاة، والمثل الهندي يقول “كن سيئا أحسن من أن لا تكون” لأن السيئ قد يتحسن، والبدايات قدرها أن تكون سيئة وتتحسن، وهذا يدفعنا لأن نبدأ الآن قبل الغد، حتى لا يمرّ القطار ويتركنا هذه المرة صما بكما عميا لا نفقه شيئا.
-
الجزائر خاضت ثورتها الإعلامية قبل ثورتها المسلحة، وتألقت فيها وسبقت الكثير من البلدان، حتى لا نقول كل البلدان، وليس جديدا أن نقول إن عمر راسم الفنان العالمي، كان صحفيا، وأسس جريدتين قبل أن تعرف هولندا والنمسا وقطر والإمارات العربية، التي تزودنا بالإعلام الآن الصحافةَ، وتم نفيه والحكم عليه بالسجن بسبب مقالاته الإعلامية، التي تحدثت عن مخاطر اليهود في بداية القرن الماضي قبل قيام دويلتهم، وليس جديدا أن نقول إن الشيخ ابن باديس كان صحفيا أسس ثلاث صحف تعرضت للغلق والتضييق، وكان كل رجالات جمعية العلماء المسلمين وقادة مختلف الثورات الجزائرية إعلاميين، ومنهم من استشهد مثل العربي التبسي بسبب مقالاته، وليس جديدا أن نقول إن معظم الفضائيات الفرنسية الكبرى من “كنال بلوس” إلى “تي.آف.آن” والعربية من “الآم بي سي” إلى الجزيرة، شارك جزائريون في تأسيسها وفي نجاحها، فصرنا إذا رأيناهم تعجبنا أجسامهم، ولو يقولوا نسمع لقولهم، وكان من المفروض أن نكون نحن المؤثرين في غيرنا لا المتأثرين..
-
نتفق جميعا على أننا نعيش الكثير من الأزمات، ونتفق أيضا أن سبب هذه الأزمات هو غياب الحوار وانقطاع جسور الصلة بين القمة والقاعدة، فالأئمة في كل جمعة يتحدثون عن فساد الأخلاق المرتبط بالآتي من هناك، والساسة يتحدثون عن التوجهات الغريبة الآتية من هناك، والإعلام المكتوب يتحدث عن الحراڤة وعن المنتحرين وعن المجرمين، الذين يقلدون الأفكار الآتية من هناك، والمؤرخون يتحدثون عن التشويه الذي طال صورتنا، وفي الحقيقة، إن الفرد الجزائري وحده في هذا العالم من لا يقول ولا يسمع ولا يبصر، في ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها!