أغلب الضحايا نساء وأكثر الجرائم في قسم التوليد!
عرفت ظاهرة الأخطاء الطبية في الجزائر انتشارا كبيرا ومخيفا، حيث أضحت هاجسا يطارد المرضى وذويهم، منهم من قضوا نحبهم ومنهم من يعيشون بعاهة مستديمة تؤرقهم، مع غياب قوانين واضحة تنصفهم، مقارنة بالأطباء الذين يحوزون على حماية خاصة..
واقع هذه الظاهرة عندنا يطرح العديد من الأسئلة التي تدور في مجملها بين الضحية، الطبيب والقانون، وقد ارتأينا أن نبحث عن إجاباتها من خلال استضافة نماذج من المتضررات طبيا، والهيئة الممثلة لهم، وكذا قانونيين في ندوة “جواهر الشروق” حول النساء ضحايا الأخطاء الطبية.
قد يتغير اسم قاصد مستشفياتنا العمومية والخاصة من مريض إلى ضحية بخسارته عضوا من أعضائه بعاهة أو تشوه مستديم، لكن المفجع هو فقدان حياة المريض والسبب بكل بساطة “خطأ طبي” قد يغلق من خلاله ملف الضحية الذي دخل غرفة العمليات بحال سيء وخرج منها بحال أسوأ، والسؤال المطروح ماهو مفهوم الخطأ الطبي عموما و ما مدى انتشاره بالجزائر، وما أثره عند فئة النساء كوّنهن الفئة الأكثر تعرضا للظاهرة؟
أبو بكر محي الدين أمين عام المنظمة الوطنية لضحايا الأخطاء الطبية “قيد الاعتماد”: الخطأ الذي يحصل في المجال الطبّي هو نتيجة انعدام الخبرة أو الكفاءة من قبل الطّبيب الممارس أو الفئات المساعدة، أو هو نتيجة ممارسة عمليّة أو طريقة حديثة وتجريبيّة في العلاج، أو نتيجة حالة طارئة تتطلّب السرعة على حساب الدقّة، وفي الجزائر يبقى الضحية أو كلمة الخطأ الطبي خارج مجال تغطية القانون حيث يوجد 400 بند كلها تصنف الضحية كمريض، وتقدر عدد الحالات “الغير مؤكدة بعد” بنحو 5 ملايين ضحية أو أكثر مقارنة بالرقم الذي قدمته وزارة العدل المتمثل في 20 ألفا..
تعتبر النساء من أكثر الفئات تضررا بتصدر مصلحة التوليد قائمة الأخطاء الطبية، بالإضافة إلى أن النساء يتصدرون أيضا مصالح جراحة العيون بنسبة 50 بالمائة..
الإحصائيات غير دقيقة لكنها أسفرت عن وجود عائلات كثيرة تحطمت، وشبح الطلاق أضحى يحاصر المرأة بسبب خطأ مقصود أو غير مقصود، هذا فضلا عن تعرض الفتاة إلى فقدان عملها أو دراستها.
النساء أكثر الفئات تعرضا للأخطاء الطبية
تؤكدون في تصريحكم، أن النساء أكثر الفئات تعرضا للأخطاء الطبية بسبب الإهمال ونقص المسؤولية من الطبيب والفريق المساعد له، هل من توضيح؟
أبو بكر محي الدين: معظم الحالات المصرح بها رسميا تنتمي لفئة النساء كونهم أكثر عرضة للأخطاء الطبية سيما في مصلحة التوليد، وما ينجم عنها من تجاوزات وإهمال من طرف الأطباء أو القابلات أو الفريق المساعد خاصة القائم بالتخدير، وقد تخسر المرأة الحامل رضيعها أو تفقد حياتها بهفوة، وما أكثرها في مستشفياتنا..
ما يُرتكب في المستشفيات والعيادات الخاصة يعتبر جريمة بل إرهاب طبي في حق الضحايا في ظل وجود قرارات قضائية جد مخزية في حق الضحية، ومن خلال هذا المنبر نطالب الحكومة بإصدار قوانين عاجلة لتجريم الأطباء الذين يتورطون في قتل المرضى والتسبب في أخطاء طبية قد تكون سببا في بتر عضو أو تعطيل وظائفه الحيوية.
القانون غَلَّبَ كفة الطبيب على كفة الضحية
المتأمل في نصوص التشريع الجزائري يبدو له واضحا التباطؤ الذي يسير به المشرع وعدم فاعليته في مواجهة ظاهرة الأخطاء الطبية في ظل اتفاق بوجود فراغ قانوني للظاهرة، هل من توضيح؟
نبيلة مرادي محامية مكلفة بملف ضحايا الأخطاء الطبية: جوهر الخطأ الطبي هو الإخلال بواجبات اليقظة والحذر من طرف الطبيب أو مساعديه، وفي هذا الإطار نص المشرع الجزائري في المادة 239 من قانون حماية الصحة وترقيتها على متابعة أي طبيب على كل تقصير أو خطأ مهني يرتكبه خلال ممارسته مهامه، ويلحق ضررا بالسلامة البدنية لأحد الأشخاص أو بصحته، ومن خلال هذا النص نجد أن المشرع قد رتّب مسؤولية جزائية من جانب الطبيب عن كل تقصير أو خطأ مهني يلحق ضررا بالمريض، وفقا لأحكام قانون العقوبات على أساس جريمتي القتل الخطأ أو الجرح الخطأ، وتقوم مسؤولية الطبيب الجزائية عند ارتكابه لأفعال تكون جنحة أو مخالفة لقانون العقوبات أو القوانين المتعلقة بتنظيم مهنة الطب، وتكون عقوباتها الحبس أو الغرامة، وهنا نركز على الجرائم الغير العمدية، والتي تتمثل في جنحتي القتل الخطأ والجرح الخطأ، و بلغة الأرقام فإن هناك نحو 60 بالمائة من الضحايا يتفادون اللجوء إلى العدالة ومعظم الملفات تنتهي بالحفظ لأسباب مجهولة.. والملاحظ هنا أن غالبية المتحفظين عن التبليغ هم من فئة النساء كون أن مبرراتهم معظمها تنحصر في عدم المعرفة بطريقة التبليغ أو لتفادي المصاريف القضائية للعائلات ذوي الدخل المحدود بالإضافة إلى التخوف من التردد على المحاكم حيث تتعدى فترة التبليغ النهائي للحكم 5 سنوات إلى 10 سنوات ولنا في مثل هذا العديد من الملفات التي انتهى بعضها بالحفظ والبقية لازلت سارية لأجل.
القاضي يجد صعوبة في تكييف ملابسات الخطأ الطبي
وعلى من تقع مسؤولية الخطأ الطبي، هل على الطبيب وحده أو يتقاسم المسؤولية معه الفريق المساعد وإدارة المستشفى؟
نبيلة مرادي: حدوث الخطأ تتحمله إدارة المستشفى كون أن الضحية تحت حمايتها ومن المفترض أن إدارة المستشفى هي التي تدفع تعويضات، بالإضافة إلى الطبيب والفريق المساعد له، كما يجب التذكير بأن القاضي الجزائري يجد صعوبة في تكييف ملابسات الملف المتعلق بالخطأ الطبي، وعليه خصص المشرع الجزائري قوانين مختلفة، فبعد مساءلة الطبيب وجميع الأطراف المعنية في القضية يتم تحديد نوعية الجنحة التي قد تكون بسبب خطأ أثناء تأدية المهام، الجروح الخطأ والقتل الخطأ وخلاصة القول، أن الفراغ القانوني وراء تعرض الضحايا لظلم من طرف العدالة خاصة فيما يتعلق بالتعويضات.
التعويض يقدم على أساس بيروقراطي ممنهج
تكلمتم عن التعويض وهنا يكمن مربط الفرس بالنسبة لضحايا الأخطاء الطبية فهل تختلف التعويضات باختلاف نوع الخطأ وهل التعويض في المستشفيات العمومية هو نفسه في العيادات الخاصة؟
نبيلة مرادي: لقد لاحظنا من خلال العديد من الملفات التي فصل فيها الحكم بالاختلاف الواضح في قيمة التعويض للضحية، وذلك باختلاف الجهة حيث يحكم على المستشفيات العمومية بالتعويض ما قيمته 30 مليون سنتيم بينما تتعداها بالنسبة للعيادات والمستشفيات الخاصة إلى 300 مليون سنتيم، وهذا الاختلاف يقدره القاضي حسب الجهة ونوع الخطأ، حيث يقدر أحيانا التعويض ب 100 ألف في بعض الحالات وهي قيمة مجحفة في حق الضحية الذي يأمل من خلال رفعه قضية ضد الطبيب أو إدارة المستشفى أن يرد الاعتبار له أو يتم التكفل بعلاجه.
المطالبة بهيئة خاصة كطرف مدني للدفاع عن الضحايا
طالبتم بهيئة خاصة اعتبرتموها كطرف مدني.. كيف؟
أبو بكر محي الدين: طالبنا بهيئة خاصة محايدة تعتبر كطرف مدني بها قانونيين وممثلي الصحة ورجال الدين للدفاع عن الضحية حيث تسند لها مهمة النظر في ملف الضحية ومتابعته إلى غاية الفصل فيه من طرف العدالة، كون أن الضحايا قد فقدوا الثقة في العدالة باعتبار أن قانون العقوبات لم يتطرق إلى هذه الفئة التي اعتبرتهم مرضى، بالإضافة إلى أن بعض الأطباء لهم حماية قانونية خاصة على حساب الضحية خاصة إذا كانت إمرأة حيث تجهل الإجراءات اللازم اتباعها، وأحيانا لا تصرح بالخطأ في حال عدم ظهور آثار الخطأ الطبي، والنقطة التي أفاضت الكأس هي أن أغلبية مواد القانون تحمي الطبيب ولا مادة واحدة تحمي الضحية، وأنا لست هنا في مكان أصحاب القانون لكن أجزم أن الخطأ الطبي بالجزائر يعتبر جريمة مؤكدة ويجب على فاعلها تحمل العقوبة التي يجب أن يكون فيها القانون قاسيا إلى حد بعيد.
من يتحكم في الصندوق الخاص بضحايا الأخطاء الطبية؟
إلى أين وصل مشروع إنشاء صندوق خاص بضحايا الأخطاء الطبية؟
أبو بكر محي الدين: نأسف على الوضع الحالي الذي تسببت فيه وزارة الصحة والحكومة اتجاه هذه الفئة التي لا حول لها ولا قوة للدفاع على نفسها، والصندوق الذي اتفق على إنشائه في توصيات إحدى الملتقيات حول الظاهرة يهدف لحماية الأطباء من فعلتهم إتجاه الضحايا.. ولا مجال للحديث أكثر من هذا لأن الأمور واضحة وضوح الشمس، والسؤال المطروح من يمول هذا الصندوق ومن يتحكم فيه؟
أولئك النسوة فقدن الكثير نتيجة الخطأ اللاّمسؤول؟
تتسبب الأخطاء الطبية بمشاكل كثيرة وتعقيدات لا حصر لها، سواء على المستوى الصحي أو الشخصي، خاصة بالنسبة للنساء اللواتي تتحطم حياتهن وينهار زواجهن في كثير من الأحيان.. تقول المحامية نبيلة مرادي أنها تتابع قضية سيدة تعرضت لبتر الثدي بعدما تم تشخيص حالتها خطأ، حيث قال لها الطبيب المعالج أنها تعاني من السرطان وأن الاستئصال هو الحل الوحيد لإنقاذ حياتها فأقدمت على تلك الخطوة لتفقد رمز أنوثتها ومعه بيتها، حيث طلقها زوجها مباشرة بعد العملية لتكتشف لاحقا أن الورم حميد وأنه ما كان عليها التسرع، وهنا تشدد المحامية على ضرورة أخذ رأي أكثر من طبيب قبل الإقدام على أمر مصيري كعملية استئصال عضو..
من جهته يقول الأمين العام لمنظمة ضحايا الأخطاء الطبية أنهم سجلوا عديد الحالات المأساوية، منها من واراها التراب، ومنها من تتخبط في مشاكل جمة نتيجة المضاعفات الصحية وكذا المشاكل النفسية والاجتماعية كحالة فتاة استأصلوا رحمها وأخرى ثديها وأخرى نسي القائمون على العملية مشرطا في بطنها وأخرى ألحقوا الضرر بجنينها وغيرها نستعرض منها اثنتين:
وسيلة بانفعال.. نسيت قضيتي لكن ما حصل لوالدتي لا يغتفر
قصتها مع المستشفيات الجزائرية تدعو للرثاء، فهي عانت الأمرين حسب قولها في مستشفى القبة أين فقدت 3 أجنة، لم تأسف لحالهم كما أسفت لحال والدتها التي تم إخراجها مفتوحة البطن لتمكث في البيت دون رعاية طبية وتفارق الحياة بكل مأساوية.
تقول وسيلة وكلها انفعال: “هل يعقل أن تأمر إدارة مستشفى بإخراج مريضة بعد خضوعها لعملية دقيقة؟.. هل يمكن أن يتصور أحد امرأة مفتوحة البطن بلا رعاية ومتابعة طبية؟.. هل يعقل أن يكون مستشفى كبير بلا غرفة إنعاش؟”.
قلب وسيلة مليء بالأسى والمرارة فهي ناضلت طويلا كي تكشف الواقع الأليم الذي يلف مستشفياتنا حسب قولها، فالإهمال واللامبالاة وكثرة الأخطاء والتجاوزات سمة بارزة باتت تهدد الصحة العامة، أما العدالة فلا تنصف بقدر ما تضيع سنوات من العمر في الجري خلف وهم يسمونه رد الاعتبار لكرامة المرضى المنتهكة في بلادنا.
السيدة فتيحة تكشف المستور.. عيادات تتاجر بعيون الأحياء والأموات
معاناة يومية تعرفها السيدة فتيحة بعد خطأ طبي فادح كلفها فقدان قرنية عينها اليسرى، جعل حياتها تسير فوق خط واحدة يأخذها إلى باب المستشفيات قصد حلم استرجاع قرنيتها، وبلغة حزينة قالت السيدة فتيحة التي أثقلت كاهلها سنين المرض التي أكدت بأنها أودعت ملفا طبيا لزرع القرنية بعد اكتشاف الخطأ الطبي على مستوى إحدى المستشفيات منذ أكثر من عقد من الزمن ولم تتحصل على استدعاء للقيام بالعملية بعد معرفة البروفيسور الذي أوكل له مهام القيام بالعملية بان المرض سببه خطأ طبي لتقابل هذه الأخيرة بالرفض الذي صدمها وترك فيها أثر حزن عميق، بالإضافة إلى حجة انعدام القرنيات، التي توقف معهد باستور عن استيرادها منذ سنتين.
وكشفت السيدة فتيحة، أن العيادات الخاصة شهدت ضغطا كبيرا في عمليات زرع القرنية والتي يتراوح سعرها بين 50 و70 مليونا، ويصل موعد العملية لأكثر من سنة جراء الضغط الكبير، مضيفة في الوقت ذاته أن وبالنسبة للعمليات التي تبرمج في هذه العيادات فإن “القرنيات يتم التبرع بها من طرف المواطنين”، وذكرت الضحية أن هذه العيادات تقوم بشراء القرنيات من الموتي بـ20 مليونا، بالتواطؤ مع أطباء يعملون في المستشفيات، والذين يقومون بإقناع عائلة الميت ببيع القرنية، وهذا ما تلجأ إليه بعض العائلات الفقيرة.