الرأي

أكبر من كرة القدم

محمد سليم قلالة
  • 2942
  • 14

انتصر الفريق الوطني ومرت الفرحة بسلام، وفرح معنا العرب والمسلمون رغم المآسي والجراح التي يعيشونها. فرح معنا الفلسطينيون رغم الاحتلال، والسوريون رغم الظلم والتشريد واللبنانيون والعراقيون والليبيون واليمنيون رغم التفجيرات والاغتيالات، ووجد المصريون فينا بعض المواساة… وشعرت بألم عميق على حال هذه الأمة التي عملت قواها الداخلية والخارجية على قتل كل أمل فيها، على جعلها لا تجد سوى بعض البصيص في كرة القدم لا يُسمن ولا يُغني من جوع.. شعرت بألم عميق وأنا أرى كبرياء هذه الأمة يُمَس في الصميم وهي التي كانت تتطلع لتحرير فلسطين ذات يوم، وتحلم بالوحدة من المحيط إلى الخليج، أن يتحد الشمال الإفريقي في الكفاح والاستقلال، وأن تتعزز روابط الأخوة والتعاون بين مشرقها ومغربها، فإذا بسقف الانتصار لديها يتوقف عند مقابلات في كرة القدم.

شعرت بألم عميق وأنا أرى أمتنا اليوم تُحاصر في كل مكان ويدعو الإمام من على منابر مساجدها إلى حقن دمائها بزيادة اسم في كل مرة، كانت فلسطين فأصبح العراق معها، ثم أصبحت سورية معهما، ثم أضاف ليبيا واليمن ومصر والسودان ولبنان… وفي كل مرة تتسع القائمة بدل أن تضيق، حتى أصبحنا نخاف أن يأتي اليوم الذي لا تُذكر فيه إلا الاستثناءات. فالكل منهزمون كما في السياسة في كرة القدم أيضا. لا بصيص أمل حتى في الفوز بمقابلة في كرة القدم، فكيف بالانتصار في المعارك الإستراتيجية في مجال التنمية أو التقدم أو استعادة فلسطين؟

يحز في نفسي أن أقول هذا وقد مرت فرحة فوز فريقنا الوطني بسلام، وقد مكّن ذلك الفوز أبناءنا من الخروج من حالة الانكسار ولو لبعض الوقت، من الشعور بالقدرة على تحقيق الانتصارات، من أنهم لم يُخلقوا فقط ليعيشوا الهزائم والأحزان. ومكّن إخواننا العرب والمسلمين من أن يعيشوا لحظات أمل في المستقبل أنهم يمكن أن يكونوا كغيرهم من الشعوب فتعاطفوا معنا رغم الكرب العظيم الذي يعيشون، ورغم الظلم الذي يواجهون، ظلم الصديق قبل العدو، وظلم الجار القريب قبل البعيد …

فهل نستثمر هذا الفوز بإعادة النظر في أحوالنا، في سياستنا.. في مراجعة أنفسنا، في العمل على تغيير سياسيينا، ومخططاتنا، في أن نعمل على أن لا يكون انتصار في كرة القدم غاية نعطيها أكبر من حجمها، إنما مؤشر حامل للمستقبل يقول: أننا أمة تتطلع للانتصار.. للفوز.. للأمل ويمكنها أن تُحقق ذلك؟

إن خروج سكان غزة ليس لأجل كرة القدم، فهم يعرفون حدودها، إنما هو لأجل الاحتفال بالأمل في الانتصار، وليس خروج الشعب الجزائري إلى الشوارع هو فقط لأجل كرة القدم إنما فيه من التعبير الكثير عن كون هذا الشعب يستحق ويستطيع هو الآخر تحقيق الانتصار، ويستحق ويستطيع تحقيق الأمل، فاتركوه يتحرر من قبضتكم في السياسة والعمل، كما تركتموه يتحرر من قبضتكم لبعض الوقت في كرة القدم.

مقالات ذات صلة