-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وقفات مع فاجعة طريق الجمرات

أمّة الإسلام متى ستتعلّم التّراحم والنّظام؟

سلطان بركاني
  • 2482
  • 0
أمّة الإسلام متى ستتعلّم التّراحم والنّظام؟

717 قتيلٍ نحتسبهم شهداء، و863 مصابٍ نسأل الله لهم الشّفاء، هي الحصيلة النّهائية للتّدافع الذي شهده الطّريق رقم 204 المؤدّي إلى الجمرات في منى صبيحة عيد الأضحى المبارك؛ حصيلة مروّعة هزّت العالم الإسلاميّ من شرقه إلى غربه، وفتحت الباب على مصراعيه للحاقدين على هذا الدّين من متعصبي الغرب وعلمانيي العرب، ليطلقوا العنان لألسنتهم وأقلامهم استهزاءً بشعائر الإسلام ولمزا للمسلمين.

لا شكّ أنّ مسؤولية هذه الفاجعة الأليمة تتحمّلها السّلطات السّعودية، التي تبيّن أنّها لم تكن على قدر المسؤولية التي أبت إلا أن تنفرد بتحمّلها معفيةً هيئات العالم الإسلاميّ من المساهمة في شرف خدمة حجيج بيت الله الحرام، بل ربّما يحقّ لنا أن نذهب بعيدا لنقول إنّ السّلطات السّعودية هي المسؤول الأوّل عن هذه الفاجعة التي وقعت أياما قليلة بعد فاجعة الرّافعة، خاصّة إذا صحّت بعض الرّوايات التي تشير إلى أنّ التّدافع كان نتيجة لقرار غير مدروسِ العواقب اتّخذه مسؤولون سعوديون بإغلاق بعض الطرق المؤدية إلى الجمرات، ما أدّى إلى تزاحم آلاف الحجّاج عند بواباتها، وتدافعهم في لحظة فتحها، وهو ما نجمت عنه فاجعة كان يفترض أن تُسقط عروشا من عليائها، لأنّها أدمت عيد المسلمين وأسالت دماء المُحْرمين في البلد الأمين.

كما يتحمّل مسؤولية هذه الفاجعة، العلماء الذين أصرّوا على منع البناء في منى، وبالتالي منع تشييد جسور عملاقة ومتراكبة تربط أماكن الإقامة بالجمرات، مستندين إلى حديث لا يصحّ، يُنسب فيه إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قيل له: ألا نبني لك بيتا يظلك بمنى؟ فقال: (لا، منى مناخ من سبق)؛ هذا الحديث مع عدم صحّته، فهو ليس صريحا في منع البناء، وإنّما يمنع بخصوصه تملّك الأراضي والمباني في صعيد منى، وبعمومه التملّك في كلّ مكان يمكن أن يعطّل أداء الحجّاج مناسكهم، ولو صحّ الحديث وعُمل به، لكان واجبا على السّلطات السّعوديّة أن تمنع تملّك العقارات في محيط المسجد الحرام، وتباشر هدم القصور التي شيّدت على بعد أمتار منه، بينما تُبنى الفنادق التي يأوي إليها الحجيج في أماكن بعيدة عن المسجد!.

كما يتحمّل مسؤولية الفاجعة التي حصلت في طريق الجمرات، الحجّاج الذين دأبوا على رفض احترام المواعيد المحدّدة للرّمي، وعلى الاستعجال لرمي جمرة العقبة مع السّاعات الأولى ليوم العيد، لأجل التحلّل وخلع ثياب الإحرام، ما يعطي صورة غير مقبولة لفوضًى عارمة تشهدها الجمرات والطرق المؤدية إليها، في ساعات يوم كان يفترض في حقّ المسلمين أن يقدّموا فيها للعالم أحسن وأبهى الصّور، ويكونوا قدوة للبشرية في النّظام والتّراحم، لكنّ الذي حصل أنّ بعضهم بعثوا للعالم صورة مشوّهة عن الإسلام، ليس فقط خلال تدافعهم عند الجمرات، وإنّما أيضا خلال طوافهم بالبيت العتيق وأثناء تواجدهم بمزدلفة ومنى وقبل هذا وذاك بعرفات، ومهما حاولت الكاميرات الرسمية تحاشي نقل تلك الصور المشينة، فإنّ الكاميرات الخاصّة أصبحت تنقل للعالم صورا يندى لها الجبين، للأكوام الهائلة من القمامة التي تتكدّس في خيام ومسالك صعيد عرفات، وفي مزدلفة ومنى، حتى تكاد الأوساخ في آخر أيام التّشريق تصل إلى الرّكب، وتنقل قبل هذا وذاك صورا لا تسرّ مسلما لتدافع المسلمين وهم يطوفون حول الكعبة المشرّفة وتزاحمهم القاتل على أبواب المسجد الحرام عند الدّخول وعند الخروج.

لقد آن الأوان للسّلطات السّعودية أن تعدّ مخطّطا استعجاليا لمحو هذه المظاهر المشينة ولو أدّى ذلك إلى تقليص أعداد الحجّاج، وآن الأوان للعلماء أن يعيدوا النّظر في بعض المسائل المتعلّقة بفقه الحجّ وتطوير المشاعر، كما آن الأوان لوزارات الشّؤون الدينية في الدول الإسلامية أن تعيد النّظر في إعداد حجّاجها وإعداد البعثات المرافقة لهم، وتحاول الاستفادة من تجارب بعض الدّول مثل إندونيسيا وماليزيا في تنظيم الحجّ، والتي يشهد المسلمون جميعا أنّها تجارب رائدة تستحقّ أن تُحتذى.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يرحم آباءنا وأمّهاتنا وإخواننا وأخواتنا ضحايا مأساة طريق الجمرات، ويتقبّلهم شهداء عنده، ويلهم ذويهم الصّبر والسّلوان.. إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!