الرأي

أنتجوا كمّاماتكم بأنفسكم!

حسين لقرع
  • 1550
  • 3
ح.م

من المفارقات الغريبة في زمن كورونا أن البلاد تمكّنت من إنتاج دواء كلوروكين محليا برخصةٍ فرنسية، والجهازِ الكاشف لفيروس كورونا بالشراكة مع الكنديين والأردنيين، ولكنها لم تتمكّن من تلبية حاجات الجزائريين إلى الكمّامات الصحّية، مع أنّ إنتاجها أسهلُ بكثير من كلوروكين والأجهزة الكاشفة للفيروس، حتى أن وزير الصحة عبد الرحمان بن بوزيد لم يجد حلا لهذه المشكلة سوى دعوة المواطنين إلى خيّاطتها بأنفسهم في بيوتهم، بقطع قماشٍ مزدوجة!

هذه المفارقة تذكِّرنا بما حدث في السبعينيات؛ إذ شيّدت البلاد مصانعَ ضخمة للصناعات الثقيلة، وكانت تنتج الشاحنات والحافلات والجرّارات وآلات الحصاد وغيرها… لكنها لم تكن تصنّع الكثير من المنتَجات الصناعية الخفيفة، حتى مفكّات البراغي، وتضطرّ إلى استيرادها بأموال النفط لتلبية حاجات سكانها!

الدعوة إلى إنتاج الأقنعة في البيوت يثير الكثير من الأسئلة؛ فالمفترض أنّ كل ما يتعلّق بالصناعات الصيدلانية، تتكفل الدولة باستيراده أو إنتاجه محليا أو ترخِّص للمصنِّعين الخواص بذلك وفق معايير صحّية دولية صارمة، ومنها الكمّامات الصحية التي يجب أن تكون معقّمة وتحمل مواصفات معيّنة، فكيف تتخلّى الدولة عن هذه المَهمّة وتطلب من المواطنين التكفّل بها من خلال خياطة أقنعةٍ بسيطة من قماش مزدوج؟ هل يعتقد وزيرُ الصحة أنّ الكمامات المنتَجة في البيوت ستكون فعّالة في الحدّ من العدوى بالفيروس؟ وهل يعتقد أن كل أسرة تملك آلة خياطة في بيتها؟

صحيحٌ أنّ الكثير من المتطوّعين في شتى أنحاء الوطن قد صنعوا مئاتِ الآلاف من الكمّامات ووزَّعوها على المواطنين، لكن الأمر يحتاج إلى عمليةٍ منتظمة بإشراف جهات رسمية، ويمكن لمصانع النسيج في البلاد القيامُ بذلك، أو إنتاجُها بالشراكة مع الصين أو تركيا التي كلّفت مصالح البريد بإيصال كمّاماتٍ إلى بيت كل مواطن يطلبها عن طريق الأنترنت، ومجّانا، في حين التهبت أسعارُ الكمامات عندنا من 15 دينارا فقط خلال بداية ظهور كورونا إلى نحو 100 دينار الآن!

إذا كانت البلادُ تتّجه إلى فرض ارتداء الكمّامات على كل مواطن يخرج من بيته، بعد أن بدأت التجربة من قسنطينة قبل تعميمها المرجَّح لاحقا، فلا مناص من توفيرها بأعدادٍ كبيرة تلبي حاجات الناس ومجّانا أو بأسعار بخسة كما كان الأمر قبل بداية كورونا، وبعدها يمكن الحديث عن فرض غرامات ثقيلة تصل إلى 20 ألف دينار لمن لا يرتديها، ذلك أنّ الكثير من المواطنين فقدوا مصادر رزقهم بفعل الإغلاق، وأصبحوا بحاجةٍ ماسّة إلى مساعدات منتظمة، أو مِنحٍ شهرية مؤقتة تقي أسرهم شرّ الجوع والخصاصة، ريثما ينجلي الوباء ويعودوا إلى أعمالهم اليومية البسيطة، بدل أن تُفرض عليهم غراماتٌ مالية باهظة إذا لم يرتدوا كمّاماتٍ تباع بمائة دينار من دون وجه حق.

ونودّ أن نقول أخيرا إنّ تعميم ارتداء الكمامات لا يكفي وحده لرفع الحجر، لاسيما إذا كانت أقنعةً بسيطة منتَجة في البيوت كما يقول وزير الصحّة، والمطلوب أيضا مواصلةُ الصرامة في فرض الحجر والتباعد الاجتماعي إلى أن يُرفع الوباءُ بإذن الله كما رُفعت أوبئة أخرى من قبل، حتى ووهان الصينية عاد إليها الفيروس إثر رفع الحجر وسجّلت قبل يومين بضعة عشر حالة بعد شهرٍ كامل من عدم وقوع أيّ إصابة، مع أنّ جميع سكانها مجبرون على ارتداء أقنعة. اللهم ارفع عنا هذا البلاء.

مقالات ذات صلة