الرأي

أنقذوا بن غبريت.. أنقذوا أطفالكم!”

الأرشيف
وزيرة التربية نورية بن غبريط

تحت هذا العنوان، صدر في صحيفة “الوطن” الجزائرية يوم الجمعة 9 سبتمبر مقالٌ للكاتب والصحفي كمال داود.

ماذا يقول كمال داود؟

يؤكد داود في مقدِّمة مقاله إنه إذا أردنا ألا “يحمل أطفالنا الكلاشنكوف والراية السوداء الكئيبة” (راية داعش) فعلينا إنقاذ السيدة الوزيرة… لأن الجريمة التي ارتكبتها هي إرادتها في أن تكون مدرستنا “راقية وحرة وعصرية”. أما أعداء مشروعها فهم “الإسلامويون والعلماء القاعدون الذين لا فائدة منهم للأمة والمصابون بهستيريا الهوية…”. 

ويذكّرنا في هذا السياق بما قاله له أحد أصدقائه حين صرَّح: “في يوم من الأيام ستُقتل” في إشارة إلى وزيرة التربية. وينهي فقرته بالقول: “ها قد بلغنا ذلك”!!! وبلهجة هستيرية يقول صاحب المقال: “إما أن ننقذ الجزائر وإلا ستؤول إلى الأفْغنة…”، مضيفا: “ولذا علينا اليوم أن نختار: إنقاذ بن غبريت وأطفالنا أو فتح الباب إلى الخليفة وأفغانستان الوطنية ولداعش المنتصِر”!

وبعد ذلك يستخلص: “إذا شعر البعض (منَّا) بالوهن أمام هؤلاء الرعاع… فنحن لسنا كذلك. نحن أقوياء، لأن ذلك من واجبنا إزاء أطفالنا… إنهم (هؤلاء الرعاع) يمثلون تهديدا ونحن نمثل سكان هذا البلد… نحن نبحث أن نكون مفيدين لثراء هذه الأرض، هدفنا ليس إثارة الحروب بسبب فستان أو أغنية أو فيلم. نحن أصحّاء جزائريون فخورون وأقوياء ولسنا إسلامويين… المصالحة لا تعني الخضوع”. ويكتشف كمال داود بأن “المستقبل ترسمه المعرفة والعلم والعقل والإيمان وليس الفتوى والآراء الغبيّة والنداءات الداعية إلى كراهية الآخر”!

ويمضي الكاتب في وصف المشهد في الجزائر، كما يراه: “هؤلاء (الرعاع) يهاجمون اليوم بن غبريت، لأن مشروعها الهادف إلى عصرنة مدرستنا لبناء نخب المستقبل يزعجهم”. لماذا يزعجهم؟ يجيبنا كمال داود: لأن “هدفهم هو الهيمنة واستعمار الجزائر، والاغتيال… الأمر يتعلق بإستراتيجية ثابتة لدى الإسلامويين في كل مكان وهو: تلويث المدرسة ليكونوا أكثر عدداً ثم تشييد إمارتهم”. ثم يلاحظ الكاتب أن هؤلاء “لا يشعرون بأنهم معنيون بالفشل الاقتصادي ولا بالفساد ولا بتصنيف الجامعات ولا بالمعرفة ولا بالإصلاحات الإدارية ولا بالضرائب ولا بالبيئة.. إنهم لا يهتمُّون إلا بالمدرسة، لأن ذلك ما يحتاج إليه مستقبلُهم”! 

وينهي مقاله بالقول البليغ: “الله لا يحتاج إلى الإسلامويين والمدرسة لا تحتاج إلى الطالبان. لكن السيدة بن غبريت تحتاج إلينا جميعا”!

ألا يشعر الإنسان، وهو يقرأ هذه الأسطر بأننا مقدمون على حرب طاحنة يتقاتل فيها أبناء الشعب الواحد إذا لم نساند وزيرة التربية؟! إذا كان كمال داود يرى حقا هذا الخطر داهما فالظاهر أنه هو من يدفع إليه بهذا النوع من المقالات المُرعبة للمواطن. وإذا لم يكن الأمر كذلك فهو يعيش في كوكب آخر يصوِّر له ما يصور حول واقع المدرسة الجزائرية، ماضيها وحاضرها ومستقبلها. 

ماذا جرى حتى نخاطب جمهور القراء بهذا الأسلوب وبهذه النداءات القتالية المروِّعة؟ هل سيؤدي تخطيط جديد لمناهج التدريس، مهما كان نوعُه ومضمونه، إلى التناحر بالصورة التي يقدِّمها لنا كمال داود؟ هل أفراد الشعب الجزائري ستصل بهم الحماقة والتأدْلج المقيت إلى حمل السلاح ضد بعضهم بعضٍ؟ نحن نشهد تقريبا يوميا في المنابر العالمية وفي مختلف الدول (في قاعات البرلمانات، وفي الحصص التلفزيونية وفي أماكن عمومية…) حماقات بين أفراد وجماعات وتكتلات نتيجة مواجهات فكرية واختلاف في الآراء حول شتى المواضيع دون أن ينادي أحد بما نادى به اليوم كمال داود.

 

من هو كمال داود؟

أطلب العذر أولا من كاتب المقال إن رأى نقصا في التقديم الموجز التالي الذي يلخِّص بعض ما قرأت عنه خلال 24 ساعة لأني -وهذا تقصيرٌ مني- لم أطلع على  حياته قبل اليوم: كمال داود حسب ما ذُكر على لسانه كان من “الملتحين”، ثم انقلب على “لحيته”. وفي منتصف التسعينيات بدأ الكتابة الصحفية في وهران بعد حصوله على شهادته الجامعية في اللغة الفرنسية. 

وذكر لجريدة “لوفيغارو” الفرنسية قبل سنتين أنه “لا يكتب باللغة العربية، لأنها لغة مفخَّخة بالمقدس والإيديولوجيات المهيمِنة”. وقد قرر التوقف عن الكتابة الصحفية عام 2014 عندما أثيرت مشكلة حول ما قيل إنها “فتوى”، لكنه في الواقع لم يتوقف عن الكتابة الصُّحفية وغيرها. وبعد حادثة مدينة كولونيا الألمانية حين تم الاعتداء على نساء خلال احتفالات آخر السنة 2015 كتب كمال داود محللا ما جرى هناك، واتخذ موقفا متطرفا استغرب فيه الكثيرون، لاسيما في الغرب…

ورأى عدد معتبر من رجال الفكر في أوروبا أن ذلك التحليل لكمال داود من شأنه صب النار على الزيت في موضوع حساس يمس المغتربين في حياتهم اليومية، ألا وهو موضوع “الإسلاموفوبيا” في أوروبا. وفي هذا السياق أصدرت جماعة من 19 شخصا من المثقفين الفرنسيين (مؤرخون وصحافيون وعلماء اجتماع…) بيانا ينتقدون فيه موقف كمال داود جاء فيه على الخصوص أن داود “أعاد إلى الوجود كليشيهات بالية للمستشرقين أكل عليها الدهر وشرب”!

أما كمال داود وموقفه من فلسطين فيمكن أن نأخذ عليه فكرة واضحة عندما نجد مقالا له بعنوان “لماذا لست ‘متضامنا’ مع فلسطين” نشره أول مرة في “يومية وهران”، ثم طلب منه موقع “أوروبا-إسرائيل” (انظر http://www.europe-israel.org/2016/02/kamel-daoud-ce-pourquoi-je-ne-suis-pas-solidaire-de-la-palestine/) إعادة نشره، فأَذِن للموقع بذلك في فبراير من هذا العام! لا شك أن هذا الموقع طلب إعادة نشر المقال، لأنه يخدم مآربه… وكذلك فتلبية الطلب من طرف الكاتب يخدم مصالحه.  

وفجأة تهاطلت على كمال داود منذ 2014 الجوائز الفرنسية على كتاباته “الجريئة” و”إنسانيته”. ومن هذه الجوائز نذكر “جائزة القارات الخمس للفرونكفونية” التي نالها عام 2014. وهذه الجائزة تقدِّم مكافأة مالية وتقوم “بمرافقة الفائز وترقية أعماله في الساحة الأدبية العالمية خلال سنة كاملة (مقطع من النص التعريفي للجائزة)”. ثم أحرز في نفس العام على جائزة فرونسوا مورياك François-Mauriac التي تمنحها الأكاديمية الفرنسية. تلتها جائزة غونكور الشهيرة Goncourt عام 2015. ثم جائزة جون لوك لاغردير Jean-Luc Lagardère  للصحافي عام 2016. وهكذا تكتشف الأوساط الثقافية الفرنسية عام 2014 “عبقرية” السيد كمال داود فتخصُّه بجائزة أو جائزتين كل سنة.

 لو كنا في مكان وزيرة التربية لانتفضنا ولتبرأنا من الكلام الخطير الذي جاء في المقال، لأن توصيفه للوضع الراهن في المدرسة الجزائرية يؤجِّج نار الفتنة في مجتمعنا. ألم يقل الكاتب بأن النار ستشتعل وأن “أفغنة” الجزائر قادمة إن لم تمض الوزيرة في تنفيذ مخططها الذي لم نر نحن فيه سوى اختلاف في الرؤى… كثير منها ذات طابع بيداغوجي وقليل منها إيديولوجي؟ 

إنقاذ أم توريط؟

منذ أن تولت وزيرة التربية منصبها وهي تكرر أن مهمتها مواصلة إصلاح المنظومة التربوية التي انطلقت في بداية القرن. ولا نذكر أنها أعلنت في يوم من الأيام أنها أحدثت أو ستُحدث ثورة في المدرسة أو أنها ستُنقذها من المنكرات والكوارث التي وصفها كمال داود. لكن تقديم هذا الأخير لعمل الوزيرة يدلُّ على أحد الأمور الثلاثة:

– إما أنه يريد توريط الوزيرة مُلمِّحا إلى أنها تخطط في الخفاء من أجل مشروع غير معلَن.

– وإما أن كلامه مدح لم يدرك صاحبه بأنه في محل ذم. 

– وإما أنه يستنجد بها لأمر في نفس يعقوب نظرا لسمعتها الطيبة في العديد من الأوساط الفاعلة في السلطة.

وليسمح لنا كمال داود بأن نقول بأننا نرجح صحة الحالة الثالثة، لأننا نستبعد أن يكون الكاتب والصحفي لم يتفطن لمختلف قراءات رسالته. هل كان يعتقد أن السيدة بن غبريت بحاجة إلى دعم من هذا القبيل يتزعمه شخصٌ في وضع غير مريح كوضع كمال داود؟

وفي كل الحالات لو كنا في مكان وزيرة التربية لانتفضنا ولتبرأنا من الكلام الخطير الذي جاء في المقال، لأن توصيفه للوضع الراهن في المدرسة الجزائرية يؤجِّج نار الفتنة في مجتمعنا. ألم يقل الكاتب بأن النار ستشتعل وأن “أفغنة” الجزائر قادمة إن لم تمض الوزيرة في تنفيذ مخططها الذي لم نر نحن فيه سوى اختلاف في الرؤى… كثير منها ذات طابع بيداغوجي وقليل منها إيديولوجي؟

إنه من المؤسف حقا أن يسعى كتابنا ومفكرونا الذين تأمل فيهم البلاد خيرا إلى إثارة مثل هذه المواضيع التربوية بلهجةٍ نارية في صحيفة ذائعة الصيت، موزعين الاتهامات يمنة ويسرة دون مبررات منطقية. ليت أحدهم يعيد قراءة هذا المقال ويدلنا على الحجج والأفكار التي بنى عليها كاتبه موقفه الحاد والخطير على أكثر من صعيد. 

مقالات ذات صلة