-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أوربا‭ ‬تنقذ‭ ‬من‭ ‬يخالفها‭ ‬

عابد شارف
  • 4879
  • 2
أوربا‭ ‬تنقذ‭ ‬من‭ ‬يخالفها‭ ‬

توصلت أوربا إلى اتفاق لإنقاذ اليونان ومواصلة المسار المشترك، وهو ما يؤكد قوة البناء الأوربي.

  • ولم يكن الأمر يتعلق ببلد صغير أو ثانوي يمكن إنقاذه ببعض الدولارات، فاليونان بلد ذو تاريخ عريق، اخترع فكرة الديمقراطية، وهو اليوم يكسب مؤسسات ديمقراطية مقبولة، مع وجود‭ ‬برلمان‭ ‬شرعي‭ ‬ومؤسسات‭ ‬عريقة‭. ‬وقد‭ ‬اضطرت‭ ‬أوربا‭ ‬تجنيد‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬160‭ ‬مليار‭ ‬أورو‭ ‬لإنقاذه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬الإنتاج‭ ‬الخام‭ ‬السنوي‭ ‬للجزائر‭…‬
  • إضافة إلى ذلك، فإن المخطط الذي تم الاتفاق عليه جاء لمواجهة وضع غريب، حيث أن الأزمة اليونانية جاءت نتيجة لتجاهل اليونان القواعد الأوربية، وتحايل الحكومات المتتالية على الاتفاقيات الأوربية، إلى أن انحرف الوضع وأصبحت اليونان عاجزة عن تسيير شؤونها. ولو احترمت اليونان‭ ‬القواعد‭ ‬الأوربية،‭ ‬لما‭ ‬حدثت‭ ‬الأزمة‭ ‬أصلا‭… ‬واضطرت‭ ‬البلدان‭ ‬الكبرى‭ ‬مثل‭ ‬ألمانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬أن‭ ‬تتدخل‭ ‬لإنقاذ‭ ‬اليونان‭ ‬لأن‭ ‬البنوك‭ ‬الفرنسية‭ ‬والألمانية‭ ‬كانت‭ ‬مهددة‭ ‬إذا‭ ‬عجزت‭ ‬اليونان‭ ‬عن‭ ‬تسديد‭ ‬ديونها‭.‬
  • ولكن هذا المجهود الأوربي الضخم يطرح قضايا جديدة: هل كانت الأزمة اليونانية اقتصادية، أم أنها سياسية وأخلاقية؟ الكل يعرف اليوم أن الحكومة اليونانية كانت تزيف حساباتها المالية كأي بلد من العالم الثالث، وأن قادتها كانوا يكذبون على الاتحاد الأوربي في عملية شارك فيها البرلمان والحكومة والأحزاب والمؤسسات الاقتصادية الكبرى والصحافة وجزء هام من المؤسسات اليونانية. ولما يتحالف عالم السياسة وعالم المال، فإن ذلك يؤدي إلى ظهور قواعد جديدة غير شفافة، لا يعرفها إلا أهل السلطة وحواشيها. وفي نهاية المطاف فإن المؤسسات هي التي‭ ‬تدفع‭ ‬الثمن،‭ ‬حيث‭ ‬تنهار‭ ‬مصداقيتها‭. ‬وإذا‭ ‬انهارت‭ ‬المؤسسات،‭ ‬فإن‭ ‬الشعب‭ ‬هو‭ ‬الضحية‭…‬
  • وتطرح الأزمة اليونانية قضية تسيير المؤسسات الأوربية بصفة عامة. فرغم نجاحها ونجاعة مؤسساتها، إلا أن هذه المجتمعات تبقى مهددة من كل الجوانب، سواء في الميدان السياسي أو المالي أو الأخلاقي وغيره مثلما تؤكده الفضائح يوميا. وفي بريطانيا مثلا، ظهرت أزمة خطيرة جدا‭ ‬لأن‭ ‬أهم‭ ‬متعامل‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬الصحافة،‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬اعتاد‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الصحافة‭ ‬لمواجهة‭ ‬انحراف‭ ‬أهل‭ ‬السياسة‭ ‬والمال‭. ‬وإذا‭ ‬انحرف‭ ‬الحارس‭ ‬التقليدي‭ ‬للأخلاق‭ ‬والمراقب‭ ‬لسلوك‭ ‬الناس،‭ ‬فمن‭ ‬يضمن‭ ‬احترام‭ ‬القواعد‭ ‬في‭ ‬المستقبل؟
  • وأكدت أزمة الصحافة البريطانية أن رجلا غنيا جدا، صديق الوزير الأول دافيد كاميرون، يكسب امبراطورية إعلامية، كان يتجسس على رجال السياسة، منهم الوزير الأول الأسبق غوردن براون. واتضح أن تلك الجرائد التي تملكها عائلة مردوخ فرضت سلوكا يشبه المافيا، وأنها تجاوزت كل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬متوقعا‭ ‬لانتهاك‭ ‬حرمة‭ ‬الناس‭. ‬واكتشفت‭ ‬بريطانيا‭ ‬واقعا‭ ‬جديدا‭ ‬كان‭ ‬يشكل‭ ‬موضوع‭ ‬أطروحات‭ ‬دراسية‭ ‬أو‭ ‬أفلام‭: ‬إن‭ ‬أحد‭ ‬أغنى‭ ‬رجال‭ ‬الإعلام‭ ‬أصبح،‭ ‬بفضل‭ ‬نفوذه‭ ‬الإعلامي‭ ‬والمالي،‭ ‬أقوى‭ ‬رجل‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬
  • لكن هذا الواقع الذي اكتشفته بريطانيا اليوم قد فرض نفسه في إيطاليا منذ عشرين سنة. ومنذ عقدين تعيش إيطاليا بين الفضائح المتتالية التي يتزعم بطولتها الوزير الأول سيلفيو برلسكوني. وعاشت إيطاليا كل أنواع الفضائح، من الرشوة إلى الفضائح الجنسية مرورا بالكذب ووجود علاقات مشبوهة مع المافيا، واستعمال وسائل الإعلام لفرض خيارات سياسية على الشعب. ودخلت إيطاليا مرحلة تاريخية تشبه مراحل الانحطاط، إلى جانب الفضائح الجنسية مع استعمال قاصرات من طرف أول رجل سياسي في البلاد.
  • وتوفر إيطاليا نموذجا للانحلال الجنسي الذي يندد به اليمين المتطرف في أوربا والتيار الإسلامي في البلدان العربية. وقد تأكد أن هذه الظاهرة قد بلغت ذروتها مع الفضيحة التي دمرت مستقبل الفرنسي دومينيك ستروس كان. وقد كان هذا الرجل مديرا عاما لصندوق النقد الدولي، وكان منتظرا أن يصبح رئيسا لفرنسا السنة المقبلة، حيث أن كل عمليات سبر الآراء ترشحه للفوز على الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي. لكن حياته السياسية انتهت بسبب سلوكه أمام خادمة في أحد فنادق نيويورك…
  • كل هذه الأزمات التي ذكرنا تعطي صورة غريبة عن أوربا… صورة قارة استطاعت أن تجد حلولا للمشاكل الأساسية من مال وسياسة وديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنها عجزت أمام التصرفات الأخلاقية لبرليسكوني… وكم نحن بحاجة إلى نظام سياسي يحل المشاكل الكبرى حتى ولو تراكمت المشاكل‭ ‬الثانوية‭…‬ 
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • hocine

    يعتيكم الصحه

  • abed mohamed

    L'europe en progress c pas comme nos
    je pense que le nom c le meme comme moi non ? a