-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان

أوطاننا.. دماؤنا .. المستباحة ..

محمد عباس
  • 3276
  • 2
أوطاننا.. دماؤنا .. المستباحة ..

التدخل الأجنبي طاعون، لأنه في جوهره استعمار جديد، يتخذ من المشاكل الداخلية ذريعة للعودة من النافذة، بعد أن طرد من الباب في شكله القديم المباشر.

  • ولنا في القارة الإفريقية شواهد قريبة وبعيدة، من الكونغو إلى الصومال مرورا بكوت ديفوار، وأخيرا الشقيقة ليبيا التي لا يمكن أن تشذ عن القاعدة. ولنا شواهد بليغة كذلك في العالم العربي الإسلامي مثل العراق وفلسطين وأفغانستان.
  • وكان الكونغو، وهو من أكبر البلدان الإفريقية وأغناها، في طليعة ضحايا التدخل الأجنبي، تدخل بدأ باغتيال الوزير الأول باتريس لومومبا سنة 1961، والذي حول استقلال هذا البلد -الكبير الغني- إلى كابوس عمره 50 سنة.
  • وتجنبا لتكرار مأساة الكونغو رفض فرقاء أزمة صائفة 1962 بالجزائر الاستعانة بالخارج الذي كان سخيا في تقديم عرض دعمه على هذا الطرف أو ذاك من أطراف الأزمة..
  • للتذكير أن فرنسا الجنرال دوغول كانت عرضت دعمها على بلقاسم كريم أحد أساطين الثورة ورجالاتها الأقوياء، لكنه رفض لأن الخيانة كانت ما تزال آنذاك تحتفظ بكامل معناها. وعرضت الولايات المتحدة -بواسطة ملك الأردن- دعمها على بن يوسف بن خدة رئيس الحكومة المؤقتة الذي كان يفكر فعلا في التصدي لتحالف بن بلة -بومدين باسم شرعية الحكومة المؤقتة. لكنه رفض أيضا لنفس السبب. ورفض الحاج مصالي رئيس الحركة الوطنية الجزائرية بدوره عرضا أمريكيا بواسطة ألمانيا وكندا..
  • رفضت هذه الأطراف كلها التدخل الأجنبي في شأن داخلي يتعين على أطرافه حله بأنفسهم، حفاظا على الجزائر وشعبها من التمزق والاقتتال على غرار ما كان جاريا بالكونغو. ولأن أطراف الأزمة الجزائرية كانوا ثوارا فقد أدركوا أول وهلة مخاطر الاستعانة بالاستعمار الجديد في اللحظات الساخنة من صراع السلطة والتسابق إليها، ذلك أن التورط مع قوى الاستعمار الجديد يعني باختصار رهن مستقبل الوطن والشعب، والمقامرة -الخاسرة- باستقلاله وسيادته؛ وما ينجر عن ذلك من تبديد مكاسب نضال وتضحيات أجيال كامله.
  • على ضوء هذه الشواهد -الماضية والآنية- من حقنا أن نستشعر الخطر مما يحدث منذ أكثر من شهر على ساحة الجارة والشقيقة ليبيا. ترى لماذا تسرع معارضو القذافي في الاستعانة بالدول الاستعمارية؟ ولماذا لم يقتدوا بالجارتين تونس ومصر؟
  • طبعا يمكن أن نلتمس لهم عذرا، في نظام ظل على مدى أكثر من 40 سنة يؤسس للتدخل الأجنبي ويستجمع أسبابه. لكن هل التدخل الأجنبي هو الخيار الأمثل للرد على جرائم القذافي؟  
  • في تقديرنا بكل تواضع: لا. وحجتنا في ذلك مناكر التدخل الأجنبي في الصومال وأفغانستان وكوت ديفوار، دون أن ننسى العراق.
  • ومن حقنا أن نقول لا ثانية لأن المعارضة بليبيا تدرك مثلما ندرك نحن -حلفاء ليبيا بالتاريخ والجغرافيا- مدى أطماع أمريكا وحلفائها في منطقتنا، علما أن هذه الدول “الجوارح” ما انفكت تحوم على المنطقة منذ سنين. ونذكر للتاريخ في هذا السياق أننا بالجزائر كنا منشغلين بالأطماع والمخاطر المحدقة بالشقيقة ليبيا منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، بدليل أنني شخصيا طرحت على العقيد القذافي -خلال مؤتمر صحفي بقصر الأمم على هامش قمة عدم الانحياز في سبتمبر 1973 – السؤال التالي: “ماذا أعد لحماية آبار النفط من احتمال احتلالها من أمريكا أو حلفائها؟”
  • للأسف لم يفعل القذافي أكثر من إعداد الشروط السياسية والاجتماعية والنفسية لهذا الاحتلال الذي خرج من طور الاحتمال الى طور الممكن والمرغوب. وأكثر من ذلك إلى طور الممكن المرغوب بوجه عدواني سافر: استباحة سيادة ليبيا ودماء شعبها، في انتظار استباحة ثرواتها النفطية -التي تقدر بأربعة أضعاف نظيرتها بالجزائر.
  • وأخشى ما نخشاه أن يقتل هذا العدوان بـ “الخطأ” أكثر مما قتلت وتقتل كتائب القذافي عمدا. وكانت قبل هذا العدوان دول مثل بريطانيا وهولندا قد سارعت دونما حرج بخرق حرمة التراب الليبي، تحت غطاء “إنقاذ” كمشة من مواطنيها العاملين بليبيا.
  • لكل ذلك نخشى أن تكتشف المعارضة الليبية -بعد فوات الأوان- أن الاستعانة على القذافي بالدول الاستعمارية قد تكون علاجا أخطر من الداء. وكان المفروض قبل أن تقدم على هذا الأمر الخطير أن تعتبر بالصومال وأفغانستان والعراق وأخيرا كوت دفوار. ذلك أن التدخل الأجنبي طاعون ومهلكة في جميع الأوطان والعهود.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • أحمد

    تحليل سياسي لحقيقة مايجري في إفريقيا والعالم العربي أو قل عمليا إعادة تقسيم مناطق النقفوذ في العالم بين أقوياء اليوم.
    أول قل هو سايكس بيكو جديد
    الفرق بين الاستعمار القديم والمعاصر هو أن أن العرب لكي يضربوا من عدوهم يجب عليهم دفع فاتورة الضرب وحدهم بعد أن يقدموا طلبا خطيا للقوى الغربية بضرب أيا من إخوانهم. بعد أن كان الايستعمار القديمم يسهم في دفع فاتورة الحرب ، مامديا وبشريا.
    سمها ثورة ، سمها تمرد على ظلم النظام.سمها ماشئت .
    الخلاصةأنك تستعمر اليوم بناء على رغبة منك.

  • عبد القادر

    بارك الله فيك على هذا الطرح المنطقي المقنع، و أشكرك على الاستدلال بالوقائع الحية
    ذات المدلول الدائم و الأبدي، و أدعو الذين يرفعون عقيرتهم بالتشكي إلى الأجنبي أن يعتبروا، اللهم إلا إن كانت لهم في أنفسهم نوايا يعرفون انها تناقض الضمير الجمعوي للجزائريين.