أوقفوا مهزلة “الماستر”!
رغم كل ما قيل عن نظام “الألمدي” الذي حلّ محلّ النظام الكلاسيكي في التّعليم العالي، ورغم إجماع كل المهتمين على فشل هذا النظام في ضمان تكوين نوعي للطّلبة، إلا أن وزارة التّعليم العالي لا تحرك ساكنا، ولو من باب إدخال تعديلات طفيفة عليه.
والنّتيجة نعيشها حاليا من خلال مئات الآلاف من الطّلبة إن لم نقل الملايين ممن يحملون شهادة “الماستر” يواجهون مستقبلا مجهولا في ظل فرص التّوظيف القليلة جدا سواء في القطاع العام أو الخاص، مع أنّ هؤلاء حصلوا على شهادة جامعية تضاهي شهادة الماجستير التي كانت تُمنح فيما سبق لنخبة قليلة من الطّلبة الذين يثبتون تفوّقهم في مسارهم الدراسي، والذين يقبلون على مهمّة البحث العلمي بعد أن تتوفر فيهم الرغبة والكفاءة العلمية.
أمّا الآن، فيُطلب من كل المتخرّجين من الجامعة إنجاز مذكرة في نهاية الدّراسة ولا يتمّ التّفريقُ في ذلك بين الطّالب الجاد الذي يرغب في ممارسة البحث العلمي، وبين ذلك الذي لا هدف له سوى التّخرّج بشهادة عليا، وهو أمرٌ كانت نتائجُه مأساوية على مستوى المذكرات التي تُنجز على مستوى الماستر.
لقد كانت التّحذيرات منذ البداية على أنّ هذا النّظام التعليمي الجديد لا يتلاءم مع واقع جامعاتنا، ولا مع المحيط الاجتماعي والاقتصادي، ومع ذلك تمّ التّحول عنوة إلى هذا النّظام رغم رفض الأساتذة في الجامعات الكبيرة، وهو ما يُفسِّر أسبقية المراكز الجامعية والجامعات حديثة النّشأة في الولايات الداخلية في تخريج حملة الماستر مقارنة مع الجامعات العريقة في المدن الكبرى.
أحد خرّيجي الجامعة بشهادة ماستر سُئل قبل أشهر عن تخصّصه فوجد صعوبة في تذكّره، أمّا المذكرة التي قدّمها في آخر سداسي، ونال بها الشّهادة فلا يذكر عنها شيئا، ومن الواضح أنه لم يبذل فيها جهدا، أو أنّه اكتفى بنقلها من بحث آخر!
إنّ تمكين كل حمَلة الليسانس من مزاولة الدراسة في مرحلة الماستر كان كارثة حقيقية فرضتها سياسة شراء السّلم الاجتماعي في العشرية السابقة، من خلال تمكين جميع الطلبة من شهادة الماستر مع أنَّ الأصوب هو اختيار النخبة المتفوِّقة فقط لمواصلة الدراسة، أو على الأقلّ تحديد نوعين من الماستر؛ الأول مهني يكتفي فيه الطالب بدراسة السّداسيات وإجراء الامتحانات، والآخر أكاديميٌّ يتوجه فيه الطالب إلى البحث العلمي، وهو ما يدعو إليه الكثير من المختصين.