-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أولمبياد الرياضيات… وتضليل الرأي العام

أولمبياد الرياضيات… وتضليل الرأي العام

ليست المرة الأولى التي تقوم فيها وزارة التربية بتضليل الرأي العام في موضوع المنافسات الأولمبية الخاصة بالرياضيات لتلميع صورة المؤسسة. وإذا كان من حق وزارتنا أن تفخر بأبنائها المتميزين فهذا لا يجيز لها تكرار عملية التضليل، سعيًا منها لترك الانطباع بأن الوزارة تعمل وتجتهد في هذا المجال. فشتّان بين الجهد المبذول والجهد المطلوب.

 160 برونزية و90 فضية…

في السنة الماضية، رددت وسائل الإعلام ما صدر عن وزارة التربية قولها إن تلاميذنا فازوا بميدالية برونزية في أولمبياد الرياضيات المتوسطية التي جرت في روما. وأثار الخبر ضجة تفاخر كبيرة، لكنه تبيّن في آخر المطاف أن الجزائر- رغم الفوز بهذه الميدالية البرونزية- كانت بعيدة في الترتيب عن الأوائل في قائمة المشاركين… بينما يتبادر إلى ذهن القارئ من خلال الخبر أنها احتلت المرتبة الثالثة!

وقد كتبت السيدة وزيرة التربية منذ يومين على موقعيها في فايسبوك وتويتر، حسب وسائل الإعلام، إعلانا جاء فيه النص التالي: “الجزائر فازت بميدالية برونزية وأربع جوائز شرفية خلال الأولمبياد الدولية للرياضيات التي تقام بالمدينة البرازيلية ريو دي جانيرو”. وذكرت الوزيرة خبرا مماثلا عن أولمبياد روما المتوسطية في الرياضيات لهذا العام.

ومن المعلوم أن الأولمبياد العالمية في الرياضيات تمنح لأي تلميذ يحصل على عدد من نقاط تقدير “مشرف” (وليس “جائزة شرفية” كما جاء في تصريح الوزيرة). وإذا تحصل التلميذ على نقطة أفضل مُنحت له ميدالية برونزية، تليها الفضية، ثم الذهبية إن كان ممتازا.

نشير بهذا الصدد، حتى تتضح الحقيقة، إلى أن عدد المشاركين في الأولمبياد العالمي لهذه السنة مثلا، يقدر بنحو 650 تلميذ أتوا من 111 بلد. وقد مُنحت أغلبيتهم الساحقة تقدير “مشرف” (الذي سمي في تصريح الوزيرة “جائزة شرفية”)، ومُنح نحو 160 ميدالية برونزية و90 ميدالية فضية و50 ميدالية ذهبية، أي نحو 300 ميدالية خلال هذه الدورة… بمعنى أن عدد الميداليات يقارب ثلاث مرات عدد الدول المشاركة!

فأي معنى مميّز يحمله القول بأن هذه الدولة أو تلك فازت بميدالية برونزية؟! ولذا، فالتصريح بأن الجزائر فازت بميدالية برونزية وبأربع “جوائز شرفية” (الأصح تقدير “مشرف”) من قبل الوزيرة ومن وَالاَها يعتبر “لا حدث”، القصد منه الإثارة وتضليل القارئ وادعاء أن لنا مكانة راقية بفضل جهود الوزارة.

 

المرتبة 73/111 دولة…

الواقع المعبّر عن وضعنا الأولمبي يقول ببساطة إن الجزائر تحتل في تصنيف الدول المشاركة في الأولمبياد العالمي المرتبة 73 من بين 111 دولة. أليست هذه المرتبة أكثر تعبيرا عن واقع منافستنا للغير في هذا المجال بالذات؟ ولعل ما يزيد الأمر وضوحا النظر في عينة من ترتيب الدول المشاركة: كوريا الجنوبية (المرتبة 1)، إيران (5)، اليابان (6)، فرنسا (39)، السعودية (39)، السويد (51)، سوريا (56)، المغرب (67)، الجزائر (73)، النرويج (72)، تونس (79).

وإذا ما أردنا أن نعرف لماذا إيران تحتل تلك المرتبة الراقية قبل اليابان، ولماذا السعودية أصبحت تنافس فرنسا في هذا الترتيب، ولماذا سوريا المدمَّرة سبقت بلدان المغرب العربي الثلاثة، فعلينا أن ننكبّ على دراسة سياسة تلك البلدان في موضوع إعداد تلاميذهم المتفوقين المشاركين في المنافسات العلمية العالمية.

فهذا الإعداد لا يتم بالعمل الفوضوي والغوغائي والارتجالي، بل يتطلب عملا محكم التخطيط طويل النفس، توضع برامجه لسنوات طوال. نقول هذا، ونركز عليه، لأننا نعلم أن في بلدنا وقُبيْل بدء المنافسات في ريو دي جانيرو، وحتى آخر لحظة، لم تكن مشاركة الجزائر مؤكدة في هذه المنافسات بسبب الارتجال وسوء التنسيق والتدبير المادي وغيره.

 ومن يتتبّع تصفيات هذه المنافسات والتدريبات التي تخضع لها الفرق الأخرى في الدول المتقدمة (وحتى بعض دول العالم الثالث) يدرك أن بلوغنا المرتبة 73 في التصنيف العالمي لم يكن سهل المنال. ولا بد من تحية إجلال إلى النجباء وإلى من سهر على تدريبهم تطوعًا، مما سمح لهم بمواجهة المنافسات رغم قلة عدتهم. ومما لا شك فيه، أنه لو تحسن وطال تدريب وامتد عبر السنوات لكانت النتيجة أفضل لما لهؤلاء من إمكانيات فكرية لم تستغل.

 

التدريب الجاد المبكِّر

 في الدول المتقدمة، يتم انتقاء العناصر الجيدة منذ الصغر ويتواصل تدريبها ومرافقتها سنوات عديدة حتى تكون مهيأة عند بلوغها السنة المناسبة للمشاركة. أما في بلادنا، فمنذ 3 سنوات، يأتي المدرب الجزائري الأستاذ مليك طالبي من الخارج متطوّعًا 4 مرات خلال السنة في أوقات العطل يكدّ ويجتهد ساعات طوالا كل يوم، لكي يرقى، مع من يرافقه، بمستوى النجباء إلى أعلى مستوى ممكن.

والعيب ليس في هؤلاء النجباء، ولا في المدرب، بل يكمن في كون ساسة البلاد لم يضعوا بعد خطة لمرافقة النخبة من التلاميذ في جميع التخصصات، ولم يرسموا استراتيجية ترقى بالبلاد في المجال العلمي، كما تفعل الدول الجادة في تهيئة الجيل الصاعد لرفع تحديات المستقبل.

وبعد كل ذلك، دعنا نقول بأن العبرة، على المستوى الوطني، في واقع الأمر ليست في تفوّق كمشة من تلاميذنا في منافسات أولمبية- تكتفي سلطاتنا باستغلالها إعلاميا لذرّ الرماد في العيون- وهذا رغم ما للحدث من أهمية، ورغم ما يستحقه من تشجيع وعناية… وإنما العبرة والمأمول من وراء ذلك هو الوصول إلى تحفيز عدد متزايد من الشباب من أجل تحسين مستواهم ودفعهم إلى التألق وبذل الجهد خدمة لمكانتهم ومكانة مجتمعهم بين المجتمعات الأخرى. ومن ثمّ ينعكس ذلك إيجابيا على المستوى العام في التعليم وفي أداء العديد من المهام المجتمعية.

خلاصة القول، أنه ما دامت السلطات غاضة الطرف على الأهم، ولم تضع الخطة المحكمة لمرافقة النخبة من الشباب على جميع المستويات، وتزويدها بمستلزمات تكوينها وتألقها العلمي فسنظل نتغنّى بالبرونزي من الميداليات وبزيْف الأخبار لتضليل المتتبعين للشأن التربوي والعلمي في البلاد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • محمد الجزائري

    ما ذا لو طلبنا من السيدة الوزيرة قائمة بأسماء الأساتذة المنتدبين لتدريس جاليتنا بالخارج؟؟
    و إلى أية مديرية ينتمون ؟؟؟؟
    و أين درسوا قبل الإنتداب بالخارج؟؟؟؟
    و كم سنة تدريس فعلى درس المفتش العام ؟؟؟؟

  • bihou

    السلام، تحليل موزون ومن يقول غير ذلك فقد كذب
    انتقادات المواطنين سليمة أكثر من المسؤولين أنشري يا شروق

  • خولة

    العيب لا يكمن لا في التلاميذ ولا في المدرب
    المشكلة في ساعات التدريب، الفريق الجزائري لم يتدرب عدد ساعات كافية بل لا تعد مقارنة بعدد ساعات الفرق التي تأتي في المرات الاولى.

  • تعقيب على الأخ الموسطاش

    نعم كلامك صحيح. لكني اوافق عليه في الرياضيات فقط وفي المتوسط وبعض المحاور في الثانوي والجامعي.
    فمثلا في الجامعة كنا إلى عهد قريب نستعمل الحساب يدوي (خاصة في الاحصاء الاستدلالي) وكانت الختبارات في الاقتصاد القياسي تتضمن كثير من البراهين الرياضية اليدوية وهذا غير موجود وغير مجدٍ في سوق الشغل أو الواقع. أين تستعمل الشركات والمكاتب برمجيات (واجب اتقانها ك Excelو Eviews وغيرها
    أما على مستوى الثانوى أقترح أن يتم إدخال (وبشكل مبكر) البرمجة كمادة (ولغاتها حسب التخصص ففي الرياضيات (Matlab أو Haskell

  • الغيور على وطنه

    على ما أذكر أن هذا المدرب المتظوع هو نفسه ندري فريق المملكة العربية السعودية.
    39 و 73 فرق كبير .
    العيب بيس في المدرب و لا في التلاميذ؟؟؟

  • لا يهم

    المسألة ليست في التصحيح بل فيما يسبق التصحيح : الكل يتجند لينجح الجميع يقوم الأستاذ يحل الموضوع ويسلمه إلى عامل السحب ليسحبه و يتكفل الحراس بسرعة بتوزيع الحل والكل مجند لا كاميرات ولا أحد يقول لا !