-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أول نوفمبر بعد ستين عاما..

التهامي مجوري
  • 2448
  • 1
أول نوفمبر بعد ستين عاما..

لا يشك احد في عظمة الثورة الجزائرية، ولا في ما أحدثته من قيم ثورية، لم يعرفها العالم العربي والإسلامي منذ أمد بعيد، بل إن هذه الثورة، كانت مثالا يحتذى في أكثر من تجربة ثورية بعد ذلك، ولكن مع ذلك، لا يتردد جزائري في القول، انها لم تحقق الثمار المرجوة منها، بل ولم ترتق هذه إلى مستوى المراحل التي سبقتها، أيام نضال الحركة الوطنية خلال قرن كامل تقريبا.

فعندما اندلعت الثورة في الفاتح من نوفمبر 1954، لم تنطلق من فراغ، وإنما انطلقت برصيد نضالي هائل وثري، ساهمت فيه كل القوى السياسية العاملة، فانطلقت بزخم أيديولوجي وثقافي سياسي –ثوري وإصلاحي-، شمل جميع من كانوا يناضلون من أجل الاستقلال الجزائر أو إصلاح حال شعبها إصلاحا كليا وجزئيا، لحصول الشعب الجزائري على حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال.

لقد مرت الحركة الوطنية الجزائرية في ذلك، بمراحل يمكن تصنيفها وفق مستوى الحراك السياسي الاجتماعي، إلى ثلاث مراحل:

مرحلة التأسيس والنمو، وهي الفترة ما بين 1920-1936، المرحلة التي اعقبت المقاومة المسلحة، وكانت بمثابة المادة الأولية لما يمكن أن يطرح في الساحة السياسية والثقافية من تنوع واختلاف. والمؤسس لهذه المرحلة هما: الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر، الذي كان ضابطا في الجيش، ثم اتجه إلى النضال السياسي الوطني بعد تقاعده من الجيش او استبعاده منه. فقد عمل الأمير خالد على إيجاد خط سياسي وطني مطلبي، وإجتهد في أن تكون المطالب هذه في شكل مساواة مع الفرنسيين مع الحفاظ على الشخصية الإسلامية، وابن التهامي أو ابن تامي الذي كان يمثل الطرح التغريبي، وكان مطلبيا اندماجيا، ثم انبثق عن هذين الطرحين ثلاثة تيارات رئيسية:

التيار الأول تيار إصلاحي حضاري، وهو توجه حركة العلماء وجمعية العلماء بعد تأسيسها سنة 1931، وهو تيار يرى أن المشكلة ليست في الاستعمار فحسب وإنما هي في المجتمع الذي ركن للجهل والركود وخضع للتخلف، فكان لقمة سائغة للمستعمر، ومن ثم فإن الاستعمار ليس إلا نتيجة لذلك كما قال الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنسهم)، وتغيير ما بالنفس يقتضي الاهتمام ببناء الإنسان، معرفيا واجتماعيا وسياسيا، ليصنع من نفسه المناضل المنفصل عن الاستعمار، وقد عبر الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله عن هذه الفكرة بعبارة بليغة جدا في قوله “محال أن يتحرر بدن يحمل عقلا عبدا”.

التيار الثاني وهو التيار الاستقلالي، ويتمثل في حركة نجم شمال إفريقيا [1926-1936]، الذي أسس بفرنسا كحركة نقابية للدفاع عن حقوق عمال الشمال الإفريقي، وهي في بعدها السياسي امتداد لحركة الأمير خالد.

وهذا التيار، رغم انه يعي أن الاستقلال لا يتحقق إلا بالفعل الثوري وليس بالمطالب، فإنه عمد في تلك المرحلة  إلى المطالبة بالاستقلال، والمطالبة بالاستقلال ليست فعلا ثوريا وإنما هي فعل مطلبي، إلا أن هذا التيار أشعل في النفوس “جذوة الغاية”، أي زرع الأمل في امر لم تتهيأ أسبابه، فأيقظ بذلك نفوسا جامدة وأخرى يائسة وثالثة غافلة بعد ما يقارب قرن من الاستعمار.

  التيار الثالث هو التيار الاندماجي الذي تبنته النخبة من النواب المسلمين، وهو امتداد لحركة ابن التهامي، الذي كان مطلبيا في إطار النظام الاستعماري من غير تحفظ على أي انعكاس للإندماج على الشخصية الاجزائرية، باعتبار أن ذلك هو الواقع في إطار الميثاق الاستعماري.

خلال هذه السنوات [1920-1936] التي تلت حركة الجهاد المسلح، كان هناك حراك سياسي متفاعل مع الواقع ومستجيبا لمتطلبات المرحلة، فكان التساؤل من نحن؟ على لسان فرحات عباس رحمه الله، في مقاله “فرنسا هي انا”، وكان جواب ابن باديس، “الجزائر ليست فرنسا ولا يمكن ان تكون فرنسا ولن تكون فرنسا ولو أرادت”، وكان انفصال الحزب الشيوعي الجزائري عن الحزب الشيوعي الفرنسي 1935، إلى جانب تأسيس جمعية العلماء 1931 ونجم شمال إفريقيا 1926. وعلى مستوى الجدل السياسي الثقافي، كانت هناك دعوات للتجنيس وأخرى مستنكرة واتهامات واتهامات مضتدة، وضغط استعماري على جميع المستويات، أشهرها مقتل مفتي العاصمة الشيخ كحول بن دالي رحمه الله واتهام الشيخ العقبي بذلك.

وعلى ما بين هذه التيارات من خلاف، إلا أن القاسم المشترك بينها كان البحث عن حل لمشكلة شعب مستعمر، مكسور الجناح مهضوم الحقوق مستعبد، ورغم ان الكثير في قراءتهم لهذه المرحلة، يميلون إلى توزيع بطاقات الوفاء والتخوين على القوى السياسية، على حساب نوايا اولئك المناضلين، إلا أن الحقيقة التاريخية، ان ذلك الحراك بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات قد حقق منعرجا سياسيا هاما وهو بناء القطب الهام الذي شيد سنة 1936 بعنوان “المؤتمر الإسلامي”. فالمؤتمر الإسلامي يعد اول وأكبر تجمع سياسي التقت فيه فصائل الحركة الوطنية.

هذا المؤتمر دعا إليه الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله، عندما علم ان النواب –الاندماجيون- يريدون القيام بمبادرة مطلبية لفرنسا، فدعا إلى هذا المؤتمر لتشارك فيه جميع القوى السياسية المناضلة من أجل القضية الوطنية، فشارك فيها النواب والشيوعيون والطلبة والعلماء…، فكان المؤتمر بمثابة القوة الوطنية الموحدة، ولم يغب عن هذا المؤتمر إلا نجم شمال إفريقيا الذي لم يدخل البلاد بعد، ومع ذلك يقول بعض الذين كتبوا عن هذه المرحلة، أن النجم لم يشارك كحزب؛ لأنه حُلَّ وشارك أفراد منه.

ومهما يكن من الأمر، فإن عدم مشاركة النجم، لم تغير من الحدث، كنقلة نوعية في النضال السياسي اجتمعت فيه لأول مرة منذ دخول الاحتلال القوى الوطنية ممثلة للشعب في مطالبه المشروعة.

مرحلة الاستقرار النضالي: وهي المرحلة الممتدة من 1936-1954، ونعني بالاستقرار النضالي، ان هناك حراكا سياسيا، تمثله نخب لها مطالب معينة محددة وواضحة، وبعبارة أخرى أن النضال السياسي بقطع النظر عن مستواه، أضحى محل إجماع بين الجزائريين، فكلهم مجمعون على ضرورة النضال وإن اختلفوا في الكيفية وفي الغايات المرجوة وفي سقف المطالب، ولذلك لم يعد من الممكن ان يكون الجزائري، خارج خارطة الكتل السياسية، فيمكن ان يكون ضمن العلماء، أو الاندماجيين أو في الجزب الشيوعي أو حزب الشعب الذي خلف نجم شمال إفريقيا 1937. الجزائريون الآن مؤطرون في هيئات تناضل من أجل الاستقلال الوطني، كل على ثغر وكل في مجال.

وقد تميزت هذه المرحلة بتقوية التكتل السياسي حول القضية الوطنية، فكانت مرحلة 1936/1945، عبارة عن حراك سياسي متنوع ومستمر في كل الاتجاهات، وإضافات في أوساط الشعب، وإذا كان المؤتمر الإسلامي قد انشأ ذلك الواقع الوحدوي الجديد، فإن استمرار ذلك المنحى في بناء جسور التواصل بين فئات الشعب أشعل أحداث 8 ماي 1945، فكانت الشرارة التي عرت كل مستور للسياسة الاستعمارية، فتوجت تلك الأحداث، بجملة من المبادرات السياسية الهامة الداعية إلى الوحدة [أحباب البيان والحرية 1944/1945، الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري 1946، الجبة الجزائرية للدفاع عن الحريات 1951، اللجنة الثورية للوحدة والعمل 1954]. ليكون بعد ذلكاندلاع الثورة التي التف حولها الشعب ودعمها وحماها.

إندلعت الثورة في الفاتح من نوفمبر 1954، ببيانها الشامل الذي يمثل اليوم مرجعية وطنية ناضجة، واستمرت إلى غاية جويلية 1962، وكان الفعل الثوري في مقارعة الاستعمار في ميادين القتال والحياة السياسية والدبلوماسية، استمرار للفعل الوحدوي الذي نشأ في 1936، مع فارق الزمن والوسائل والغايات، حيث تميزت الثورة عن المراحل السابقة بوحدة الغاية وهي الاستقلال، اما في المراحل السابقة فقد كانت متباينة ومتنوعة في إطار الإجماع على النضال.

بعد ستين سنة من ذلك التاريخ، نلاحظ ان الحركة الوطنية يومها كانت انضج بكثير مما هي عليه منذ استعادة السيادة الوطنية سنة 1962، ذلك أن المعادلة التي كانت تحكم مجال النضال، هي كيفية تحرير البلاد أو على الأقل رفع الغبن عن المجتمع، وقد تحقق لهم ذلك، اما منطق مرحلة ما بعد الاستقلال فشيء آخر لا علاقة له بالنضال السياسي والحفاظ على حرية البلاد بكل أسف، ولذلك حديث آخر قد نعود إليه في مناسبة لاحقة.

 

فستون عاما على نوفمبر ببعدنا اليوم عن موقع الحدث كشفت لنا أن بذور القضاء على جذور نوفمبر بدأت في تلك المرحلة واستمرت إلى ما بعد الاستقلال. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • حمورابي بوسعادة

    قال من قال :
    شعب البطولات حيا اللَه طلعتكَم * كتائب البغي قَد قصوا نواصيها
    كتبتموا بالدم القانَّي مسيرتكَم * اسال فرنسا و قَد خابت امانيها
    نصرتم اللَه فِي تحرير ارضكَموا * فصرتموا قصة للمجد نرويها
    انَّتم اساتذة التحرير ثورتكَم * للعالم الحر ايقاظا و تنبيها
    رصوا الصفوف عَلَى الَّاسلام وحدتكَم * محمد رمزها و اللَه راعيها
    اتيتها و جناح الشوق يحملني * اكاد مِن فرحة البشرى انَّاجيها
    فصرت بَيْن جموع الناس فِي لجب * مِن الَّاشاوَس تشجينا مَعانَّيها