-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أي مستقبل للتقاعد والمتقاعدين؟

التهامي مجوري
  • 2275
  • 2
أي مستقبل للتقاعد والمتقاعدين؟
ح.م

التقاعد حق لكل عامل قضى شطر حياته عاملا، مشاركا في صندوق الضمان الاجتماعي، وذلك عندما يبلغ سن التقاعد، وهي الآن 60 سنة بالنسبة للأجراء، و65 لغير الأجراء من التجار وأصحاب المهن الحرة.

والمتقاعدون هم تلك الفئة التي تستفيد من هذا الإجراء الطبيعي والعادل. ورغم أن المنحة التي يتقاضاها هذا المتقاعد، سوف لا تسد حاجته في أغلب الأحيان؛ لأن المتقاعد لا يحصل على الأجر الذي كان يتقاضاه كاملا، إلا عندما يعمل مدة 40 سنة كاملة، وأغلب الناس لا يشتغلون كل هذه المدة، ومن ثم سوف تكون المنح التي يتقاضاها المتقاعدون دون الحاجة حتما أو قل تسد بعض الحاجة؛ لأنها منحة تشبه الأجر.

ثم هناك أمر آخر وهو أن اضطراب السياسة المالية والاقتصادية في بلادنا، لا يساعد على استقرار منحة التقاعد بحيث لا تحافظ على قيمتها، بسبب اضطراب قيمة العملة المتداولة.

فالعامل الذي يتقاضى أجر 20 ألف دينار قبل 5 سنوات مثلا، وأحيل على التقاعد يومها، ماذا تمثل له 20 ألف دينار اليوم أو ما دونها؟ وحتى النسبة التي وضعت لسد هذه الفجوة، تضاف لمنح التقاعد عادة، لا تتجاوز 2 بالمائة لكل سنتين أو ثلاث.

وبناء على تسريبات متداولة بين المتابعين هذه الأيام، فإن سن التقاعد سوف يرفع إلى 65 سنة، والنسبة المعتمدة لسد ثغرة ما تسببه اضطرابات العملة من تضخم، ومستوى المعيشة، لمعالجة الخلل الذي ينعكس على منحة التقاعد سوف تلغى؛ لإنقاذ صندوق التقاعد من الانهيار، ومن ثم فإن مستقبل المتقاعدين مظلم بكل أسف، وما يراد اتخاذه من إجراءات في هذا المجال، لا يبشر بالخير وإنما يبشر باعتداء صارخ على الشيخوخة، التي أعطت كل ما تملك يوم كانت في ريعان شبابها وكهولتها…، ويُقَتَّرُ عليها عندما تفقد قوتها وطاقتها فتسقط..

من حق السلطة أن تبحث عن حل لإنقاذ صندوق التقاعد، ولكن هذا الحل لا ينبغي أن يكون على حساب المتقاعدين؛ لأن المتقاعدين أعطوا عندما كانوا “على ديدانهم”، ومن حقهم ان يُعْطَوا عندما أضحوا أقرب إلى العجز منهم إلى العطاء، ذلك أنهم قدموا ما عليهم والآن جاء دور المجتمع أن يعطيهم ما يستحقون، بلا مزية ولا من من أحد، مؤسسات كانت أو أفراد؛ لأننا ولو حسبناها بالأرقام لوجدنا أن المتاقعد –على العموم- يبقى دائنا للدولة والمجتمع، حيث أن كل أجر يدفع عنه حوالي 50 بالمائة بين الضمان الاجتماعي والضرائب: 9 بالمائة اشتراك العامل، 26 بالمائة اشتراك رب العمل، وحوالي 15 بالمائة الضريبة على مجموع الدخل  IRG على الأجور.

بمعنى أن كل عامل بلغ الستين سنة يحق له أن يستفيد بتقاعد لمدة عشرين سنة، أي إلى أن يبلغ الثمانين… وكم من الناس يصل إلى الثمانين؟

صحيح أن السلطة تقدم خدمات كثيرة أخرى للمجتمع، ولكنها هي أيضا تقبض ضرائب ورسوما كثيرة أخرى، يدفعها المواطنون، كالرسم على القيمة المضافة، التي هي خاصة بكل منتوج مستهلك، بمعنى ان المواطن عندما يشتري أي شيء فإنه يدفع الرسم على كل قيمة مضافة في ذلك المنتوج، وما يدفعه المواطن ضمن سعر مشتؤياته يدفع للخزينة عبر المنتج والبائع بالجملة والبائع بالتفصيل، والرسم على القيمة المضافة TVA، هو الرسم الذي يدفع مع كل ربح يتحقق، والذي يدفعه هو الزبون الأخير الذي يستهلك المنتوج، وهناك أيضا الضرائب التي تدفعها الشركات وغيرها من النشطاء والمستثمرين وأصحاب المهن الحرة.

أما التقاعد فرغم أنه حق طبيعي كما أسلفنا لكل عامل بلغ سنه، فإن هناك فئة من المجتمع لا يليق أن يفرض عليها التقاعد كما يفرض عليها كغيرها، والسلطة هنا ينبغي أن تتعامل بذكاء مع هذه الفئة خدمة الصالح العام…، ومن هذه الفئة أساتذة الجامعات الذين تعاملت معهم بسطحية فائقة؛ لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار هذا الجانب عندما قررت إجبار أساتذة التعليم العالي على مغادرة كرسي التدريس لمن بلغوا سن 75 سنة…، والأمر متفهم في إطار القضاء على البطالة في أوساط الجامعيين الشباب، ومعقول لأجل تشبيب الإطارات الجامعية، ولكن عملية التشبيب والقضاء على البطالة لا ينبغي أن ينتج بطالة أخرى أسوأ منها، فمثلما لا نستغني عن إطارات الدولة من “الثمانينيين” و”التسعينيين” وفي الأجهزة الأمنية، تقديرا لخبراتهم التي لا تعوض بسهولة، ينبغي أن نتعامل مع الجامعي أيضا بنفس العقلية، سواء بتوجيه نشاطهم وحصره في دوائر معينة، مثل مخابر البحث العلمي والاشراف على الطلبة في دراساتهم العليا، او بإنشاء المعاهد العليا ذات المستوى الأرفع، أو بإحداث محاضن جديدة تستقطب هذه الشريحة بالمشاركة مع الشركات الكبرى وبناء جسور بين الجامعة والمؤسسات الإنتاجية…، أما أن نحيل الاستاذ الجامعي على التقاعد بحجة أننا نريد تشبيب الجامعة أو أن الأستاذ بلغ سن التقاعد، فتلك الجريمة في حق المجتمع ومؤسساته.

وعليه أرى أن الأستاذ الجامعي لا يجبر على التقاعد كما لا يجبر على العمل؛ لأن مغادرته الجامعة خسارة كبيرة لها وللمجتمع… ، وهناك قطاعات أخرى مشابهة لا ينبغي إغفالها.

أما إنقاذ صندوق التقاعد، فلا ينبغي أن يكون كمن يقتل الانسان من أجل إراحته من الأوجاع، مثل السياسة التي تسير بها السلطة أزماتها، إذ يمكن معالجة الموضوع بطرق أخرى، غير اللجوء إلى هذه الحلول السهلة. ومن الحلول البحث في تسرب أموال الصندوق إلى جهات أخرى، لأن التأمين على العمال نعتقد أنه أوفى وأكثر مما يفترض انفاقه على المتقاعدين، وجانب آخر مهم أيضا لا يقل أهمية، وهو ترشيد سياسة التأمينات الاجتماعية، مثل التكثيف من مشافي التأمين الاجتماعي وعمليات الترشيد الاجتماعي عبر حملات التوعية وتنشيط الفعل الوقائي، كل ذلك يحد من صرف الأموال في الأمراض والأدوية وما إلى ما ذلك من الأمور…، فعمل توعوي ترويجي واحد يمكن أن يوفر على مؤسسة التأمين ملايير الدينارات؛ لأن سياسة الوقاية من الأمراض أنجح من توفير الأدوية، سواء من جانب الحفاظ على الصحة العامة، أو من جهة الحفاظ على أموال المُؤَمِّنِين، ومنهم المتقاعدين الذين هم مجال حديثنا في هذه الوقفة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • عزالدين

    dites qq choses messieurs à propos de la retraite en Algerie mais tachez de le bien dire car on l'habitude d'entendre n'impote quoi

  • سي احمد بلالة

    المستفيدون من التقاعد هم الكشؤولون الكبار في الدولة من مدير شركة الى اعلى واعضاء مجلس الغمة الذين لهم تقاعد مربفع زائد الراتب الشهري وكذا البرلمانيين والبرلمانيات الذين يتحصلون على التقاعد مائة في المائة تمنح لهم 360 مليون كادوا عند انتهاء عهدتهم اضافة الى الامتيتازات الكثيرة كالقروض بدون فوائد وغيرها .... والخاسر الاكبر هم المتقاعدون البسطاء الذين احسنهم اجرته لا تتعدى 50 الف دينار الى اسفل 20 الف دينار العايش في هدا البلد هم الحوت الكبير ..والباقي يكذبون عليه