-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إدارة الجامعات.. للشخصيات العلمية أم للمسيّرين الإداريين؟

إدارة الجامعات.. للشخصيات العلمية أم للمسيّرين الإداريين؟

نريد أن نناقش اليوم بوضوح مسألة التغيير الشامل والجذري من خلال التعليم ومؤسساته العليا ممثلة في الجامعات.. إذ تعدُّ الجامعة أهم وأكبر مؤسسة حضارية لإحداث التغيير الشامل والنهضوي الفاعل، وذلك عبر تفعيل واستخدام طرق ووسائل وأساليب التعليم والتكوين والتأطير والإعداد العلمي والمعرفي والمنهجي والتقني والعملياتي.. وعبر نشر وتعميم وفرض نسق متزن لمنظومة القيم والأخلاق والدين السامية بين مجموع الجامعيين (إدارة، أساتذة، طلاب، عمال، متعاملين).. واعتبارها مرجعا وسلوكا وهدفا وغاية، فيما يُسمى في الأدبيات الجامعية بالقانون الأساسي للجامعة وللبحث وللباحث وبقانون أخلاقيات المهنة.. المضروبة للأسف الشديد عرض الحائط خلال عمليات التسيير التي نشاهدها خلال تواجدنا اليومي في رحاب الجامعة الجزائرية حضورا أو سماعا أو تواصلا أو تفاعلا مع سائر فضاءات المشهد الجامعي الجزائري البائس الحزين.

إذا أرادت السلطة حقا أن تنهض وتغير تغييرا فعليا وفاعلا وهادئا وهادفا.. فعليها أن تغير النظرة لقطاع ومنظومة التربية والتعليم، ولقطاع ومنظومة الشؤون الدينية والأخلاق والقيم، ولقطاع التعليم العالي، ممثلا ومجسدا في المؤسسة الجامعية، وذلك بالنظر لموقعها ولدورها ولهدفها، وتبعا لذلك عليها أن تغير النظرة لمديرها ورئيسها الذي يقوم بإدارتها والذي يشكل العقل الرئيسي والمحرك الفاعل فيها.

وقبل أن أذهب إلى تصوير المشهد الرشيد الذي نتصوره -وعشناه لما كنا طلبة جامعيين سنوات (1977-1984- 1987-1992م). لإدارة المؤسسة الجامعية بين هيبة وجلال الشخصيات العلمية والدينية والأدبية من أمثال الشخصيات العلمية والدينية والأدبية التي أدارت المشهد الجامعي يوم أن كنّا طلابا الأستاذ الدكتور المفكر الفيلسوف (عمار طالبي) والأستاذ الدكتور المفكر الراحل المغفور له بإذن الله (أحمد عروة) والأستاذ الدكتور المفكر الداعية (عبد الرزاق قسوم).. وبين مجموع وغالبية باقي المسيِّرين الإداريين الجامعيين العاديين ممن لا توقيع لهم في عالم البحث العلمي أو الجامعي إلاّ بالإدارة والتسيير الوظيفي والبيروقراطي والمكتبي لمجموع الموظفين.. ممن يتحكمون في تسيير المشهد الجامعي اليوم أحبُّ أن أقدِّم مثالا حيا عن النقد الذي قدمناه آنفا، فقد تعرَّض أستاذٌ جامعي بدرجة بروفيسور وهو باحثٌ متميز ومنتجٌ غزير للمعرفة التخصصية وغيرها سنة 2014م للتحويل على مجلس أخلاقيات المهنة لأنه راسل عميد كلية مغرورا ومديرَ جامعة غير مطلع على حيثيات المشهد الجامعي في حقوقه المنزوعة منه بقوة الفساد والعبثية، فما كان من مجلس أخلاقيات المهنة المزعوم -وقد ترقى أحد أعضائه إلى رتبة رئاسة جامعة في شرق الوطن- إلاّ أن عقد جلسة وظل يحاكم ذلك الأستاذ ويسأله لماذا يطالب بحقه القانوني وفق الطرق والسبل المتعارف عليها في التواصل بين الإدارة واحترام السلم الإداري في الشكاوى؟ وفي آخر الجلسة لمسوا أنهم قد تعسَّفوا في استخدام سلطتهم وشعروا بتوريطهم من قبل الإدارة تجاه ذلك الأستاذ فخرجوا من دون قرار قانوني أو محضر جلسة لذلك المجلس الفاسد.

والمهم أنه إذا أرادت السلطة حقا أن تنهض وتغير تغييرا فعليا وفاعلا وهادئا وهادفا.. فعليها أن تغير النظرة لقطاع ومنظومة التربية والتعليم، ولقطاع ومنظومة الشؤون الدينية والأخلاق والقيم، ولقطاع التعليم العالي، ممثلا ومجسدا في المؤسسة الجامعية، وذلك بالنظر لموقعها ولدورها ولهدفها، وتبعا لذلك عليها أن تغير النظرة لمديرها ورئيسها الذي يقوم بإدارتها والذي يشكل العقل الرئيسي والمحرك الفاعل فيها، وهي مخيَّرة بين نوعين من المديرين.

أما النوع الأول، وهو النوع الأقوم والأفضل والأصلح للنهضة والتقدم والقومة الحضارية والتغييرية المنتظرة والمنشودة.. فهو نوعٌ مثالي وريادي وقيادي، ذو مهابة وجلال ومقام علمي وأدبي وأخلاقي متميز، اكتسبه من مسيرته العلمية والمعرفية والدعوية والأخلاقية والتنويرية.. النيِّرة والطويلة في الوسط الجامعي والاجتماعي والسياسي على الصعيدين العربي والعالمي، من أمثال الشخصيات التي ذكرناها آنفا عندما اضطلعت بإدارة الجامعة الإسلامية في قسنطينة أو الجزائر العاصمة.. وهذا الصِّنف الذي كان يدير الجامعة برصيده ومهابته وتواضعه وسكينته ووقاره.. كما شهدنا وعلمنا وخبرنا من خلال الطاقم الإداري الذي اختير لمساعدته، والذي ضم خيرة الدعاة والمفكرين والأساتذة والأدباء والفقهاء.. حيث شكّل هذا الصنف لأمثالي من أبناء الفقراء والكادحين والمسحوقين الضمانة القانونية والأخلاقية والعلمية والدعوية لكي ينال صاحب الحق حقه، وأن يُبعِد من لا يستحق من وعن المشهد الجامعي.

وللأسف الشديد فإن هذا الصنف يندر اليوم من رئاسة وإدارة الجامعات.. ولعلني أذكر في هذا المعرض السريع مَثْلَبَةً أخلاقية كان ينأى عنها الصنفُ الأول من المديرين.. عرضتها الصحف الوطنية عن رئيس جامعة أخذ صورا تذكارية مع الصحافة مع طالبٍ نابغة وأبعد أستاذه ومشرفه النّابغة وصاحب الفضل عليه والمصنَّف عالميا من البروز في الصورة، والكل يعلم علاقة ذاك الطالب النابغة بأستاذه العبقري النابغة، مع العلم أن هذا الطالب لم يكن من منتجات تلك الجامعة التي يديرها ذلك المديرُ البائس، وذلك بهدف إظهار حرصه على رعاية النابغين.

وأما النوع الثاني فالسلطة تعرفه معرفة جيدة، وهو النمط السائد اليوم على رئاسة وإدارة المشهد الجامعي الجزائري البائس، ممثلا في هذا النمط من المسيِّرين الذين تدرّجوا في سلم الترقيات الإدارية بدءًا برئيس شعبة أو تخصُّص ثم نائب لرئيس القسم ثم رئيسا للقسم ثم نائبا للعميد ثم عميدا ثم نائبا لرئيس الجامعة ثم مديرا للجامعة.. ومثل هؤلاء المديرين المأسورين في سلالم المترقّين في سلم هذه المناصب التي تأخذ منهم زهرة أعمارهم، فتجدهم يبدأون شبابهم في المناصب الدنيا، وينشأون على مبدإ الطاعة والانصياع للمسؤول الأعلى منهم حتى يرضى عنهم ويرقّيهم ريثما يضجر من منافسه أو يجد له صرفة أو حجّة يحوّله أو يعزله.. وهكذا يمضي عقدٌ زمني من عمره بين الطاعة والانصياع والتزلف.. فيتخلى عن كثير من القيم الفاضلة، ويصبح جاهزا للتنازل عن البقية الباقية مما اختزنه ساكنا من أشلاء ضميره الحي.. وهكذا يقضي شبابه في الطاعة والانصياع.. ويستقبل رجولته وكهولته الإدارية المضمَّخة بالسلوكات والممارسات البيروقراطية الاستكبارية، فيغدو وقد شدّت ملكته الاسترخائية في عالم القابليات السلبية، ومات ما بقي منها موصولا بعالم القيم والمُثل العليا.. وهو مشبَّعٌ بشتى القابليات المنتظرة الأخرى التي سترد عليه والتي لم يتشرَّبها في شبابه ورجولته وكهولته.. وهكذا إلى أن يُصقل في علبة الإدارة السوداء.. فيصير شخصا وهيكلا جاهزا لكل ما يرد عليه من الجهات الوزارية الوصية أو غيرها من قوى المال والأعمال والسلطة والنفوذ.. ولعلني أصف لكم هذا الهيكل البشري بتعبير إداري وسياسي أصحّ وأسلم كما يرد في التحقيق الإداري عنه: إنه صار شخصية إدارية مقبولة من الناحية الإدارية والوظيفية والتسييرية.. وهكذا يصير مديرا للجامعة من غير بحث علمي أو مؤلفات أو كتب أو مقالات أو نظريات مشهورة بين أهل الاختصاص.. وبالتالي تجد الغالبية من أمثال هذا الهيكل الإداري يستهين بالعلم وبالبحث وبالأساتذة وبكتاباتهم ومؤلَّفاتهم.. كما تجده يختار أصدقاءه وأصحابه المقرَّبين من خارج دائرة الأساتذة، ويسعى لمصادقة السياسيين والبرلمانيين ومسؤولي وقادة الأسلاك المشتركة ورؤساء المجالس المنتخَبة ورجال المال والأعمال والمقاولين والتجار.. وإذا حصلت مشكلة لأستاذ فلا يجد من يتوسط له سوى من خارج القطاع، وهو يمضي وقته وراء الميزانيات وبنودها والوظيف العمومي والمراقِب المالي ومقاولي الترصيص الصحي ونحوها، وقلّما يحضر الواحد منهم يوما دراسيا أو نصف يوم تكوينيًّا أو ملتقى أو مؤتمرا أو عرضَ كتابٍ.. إلاّ للافتتاح وإعلان تدشين النشاط وسماع النشيد الوطني ومراقبة من لا يقف له.. وغيرها.. عدا ما شاهدته من بعض مديري جامعات الوطن سنوات 1996 إلى 2015م الذين كانوا يشاركوننا فعاليات بعض الملتقيات كملتقى الشيخ العربي التبسي بتبسة وملتقيات جامعة الأمير عبد القادر والأغواط..

أبهذه النوعية من العقول والمحركات تريدون تطويرَ الجامعة الجزائرية البائسة والرقيَّ بها لتنهض بدورها بالأمة الجزائرية؟ أعتقد لا.. وقد نصحتُ لكم، ولكن لا تحبُّون الناصحين.. أللهم اشهد أني بلّغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • zombie

    حتى التسير الصحيح قد اصبح علم, فن و حكمة و ممارسة و استقراء و تخطيط و تفجير مواهب ... ماشي شهادة انتع زوج صوردي في سوق الثعالب و الجياف.