إصلاح الكرة الجزائرية.. علاج الإدارة والتحكيم
ما هي نواقص الكرة الجزائرية؟مجرد رؤية تحليلية محايدة من مواطن عربي مسلم تخصص في كرة القدم والصحافة الرياضية لأكثر من أربعين عام
ما فات يعزز مساحة العمق في التحليل، لكن ما يزيد من مساحة الصدق والحرص في التنقيب هو الحب والتقدير الكبيرين اللذين نالهما كاتب تلك السطور من أغلبية الجماهير الجزائرية.. حتى أصبحت هموم الكرة الجزائرية جزءا من همومه، وصارت أفراحها ونجاحها ركنا من سعادته.
أفرطنا في الحديث عن العنصرين الرئيسيين في نشاط كرة القدم، وهما اللاعب والملعب ضمن زوايا النقص التي تعاني منها الكرة الجزائرية بشكل مزمن، واليوم نختتم موضوعنا بالتركيز في عنصرين أخرين وهما الادارة والتحكيم، والإدارة هنا تشمل كل جوانب الادارة الرياضية في مجلس إدارة الاتحاد، وكذلك اللجان التابعة للاتحاد مثل الفنية والمالية والتسويقية والاعلامية والتحكيمية والقانونية ومجالس إدارات المناطق ولجان المناطق وإدارات الأندية.
حديثي لا يقلل من شأن أي مسؤول موجود حاليا أو سبق له التواجد في تلك المناصب.. ولكننا نبحث دائما عن الرؤية النموذجية أو المثالية التي تضمن نجاحا كامل الأوصاف للشخص وللعمل وللعبة وللبلد.
أشهد شخصيا على النجاح الفائق الذي حققه محمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم في السنوات الستة الماضية، سواء على الصعيدين الافريقي والدولي.. وهو ما ترجم التأهل إلى المونديال لمرتين وزيادة الدخل السنوي للاتحاد وارتفاع شأن المنتخب في تصنيف الفيفا.
لكنني هنا أبحث عن المعايير التي يجب أن تسري على الجميع في المستقبل لنضمن أعلى درجات العلم والخبرة والتخصص والتقدم والاتقان في كل شخص يتولى منصبا إداريا في محيط كرة القدم.
وبادئ ذي بدء.. أعلنها صراحة أن ممارسة اللعبة على المستوى الدولي أو على مستوى الدرجة الثالثة لا يمثلان أي أهمية في المستوى الأول للادارة في الاتحاد أو المنطقة أو النادي.. ولكن التخصص في الإدارة سواء عن طريق المؤهل العلمي أو الخبرات الطويلة في العمل هو العنصر الواجب توافره عند أي شخص يعمل في مجلس إدارة الاتحاد أو المنطقة أو النادي.
وعلى العكس لا حاجة لنا لأي مؤهل إداري للشخص الذي يتولى مهمة فنية متخصصة في لجان الاتحاد والمناطق والأندية.. ويبرز هنا دور الممارسة الطويلة والناجحة مع اللعبة.. واللاعبون والحكام القدامى هم الأجدر بالمناصب في اللجان الفنية والتحكيمية والتدريبية.
بالطبع.. إذا كان لدينا لاعب سابق ويحمل مؤهلا أو شهادة متخصصة في الادارة في نفس الوقت، فهو الأجدر بالمنصب من قرينه المتخصص فقط في الادارة، إذا كان الاختيار بينهما.. ولكن لا مجال أبدا للتفريط في الجانب العلمي الخاص بالادارة عند العاملين في إدارات الاتحاد والمناطق والأندية.
كفانا مجاملات وتنازلات ومهاترات ومصالح في اختيارات وترشيحات وتعيينات المسؤولين في مجالس إدارات الاتحاد والمناطق والأندية.. حتى صار بعض المسؤولين في كرة القدم بالعالم العربي (والجزائر في قلب الصورة) مفروضين على اللعبة وعبءا على تقدمها.. وهؤلاء الدخلاء لا يهمهم إلا الشهرة والظهور الاعلامي ودعم مصالحهم وثرواتهم وأعمالهم الخاصة على حساب فرقهم وأنديتهم.. ولا يهم المسؤولون إلا إرضاء المسؤولين الكبار في الحكومة أو في الوزارة.
وضع ضرورة الحصول على مؤهل علمي معترف به في الادارة كشرط لتواجد أي شخص في مجالس إدارات الاتحاد والمناطق والأندية سيعيد للعلم مكانته أولا.. ويقلل من التدخلات المؤسفة من غير الفاهمين أو من تعيينات ومجاملات أفسدت اللعبة على مدار عصور متتالية.
الإدارة هي عقل أي مؤسسة.. وهي سر نجاحها وتقدمها وازدهارها.. وعلى العكس تعوق الادارة الفاشلة أو المنحرفة أي فرص للنجاح أو التقدم.
ونختتم بالكلام عن التحكيم.. وهي مصيبة وليست مشكلة.
والحكام هم الطرف الأضعف أو الأفقر أو الأكثر تعرضا للضغوط والأقل حصولا على المال والحقوق.
ولا يخفى على أحد أن نسبة كبيرة من الحكام الكبار في كل البلاد العربية (وأقصد تماما كلمة كبيرة وكلمة كل البلاد) يمكن السيطرة عليها وتوجيهها لتثبيت نتائج المباريات.. وما شهدته عديد المباريات في المواسم الأخيرة من أخطاء تحكيمية بشعة ومؤثرة كان دليلا دامغا لا يمكن تجاهله.
علاج هبوط مستوى التحكيم ورضوخ عدد منهم للضغوط للتلاعب بالقانون لن يكون بتغيير اللجان ولا بعقاب الحكام.
العلاج بالاختيار السليم للحكام عند الانضمام بالتركيز على أصحاب الشخصيات القوية ثم التأهيل المناسب.. ومربط الفرس في زيادة حقوقهم المالية إلى عشرة أضعاف الوضع الحالي ليكونوا قادرين على مواجهة الضغوط.
وأخيرا حمايتهم من الاتهامات التي تنهال عليهم من كل حدب وصوب.
وإصلاح الشأن التحكيمي سيكون له معنا وقفة أخرى مستقبلا.