الرأي

 إضرابات لا تنقرض!                     

جمال لعلامي
  • 861
  • 5
ح.م

هل يُعقل أن يستمرّ إضراب أساتذة الابتدائي خلال 7 أشهر كاملة، دون أن يجد المتخاصمان مخرج نجدة يُنقذ التلاميذ “المساكين” من لعبة القط والفأر التي لا تريد أن تنتهي بين الوصاية والنقابات أو مستخدميها، وفي كلّ منعرج تستيقظ الفتنة النائمة، وتعود القلاقل والصراعات، ويُراد للمتمدرسين أن يدخلوا المصيدة، بعدما تحوّلوا للأسف إلى فئران تجارب!

المشكلة أن الإضرابات والاحتجاجات في قطاع “التغبية”، تحوّلت مع مرّ الأيام، إلى “شرّ لا بدّ منه”، ولذلك تعايش معه الأساتذة والنقابات والوصاية، وتكيّف معه كذلك المتمدرسون وأولياؤهم ومن والاهم، ولم يبتكر الوزراء المتعاقبون حلا جذريا يضع حدا نهائيا لفرملة الدراسة والتدريس والتقاذف بمنظومة تربوية حوّلتها التجاذبات الإيديولوجية والحسابات السياسوية إلى مظلومة تغبوية تدفع كلّ الفواتير بمبالغ باهظة!

ما يحدث في المدارس كلّ أسبوع، لا يُمكنه أن يطوّر المدرسة الجزائرية أو ينتشلها من الضياع والتفكك والعشوائية، ويداويها من كلّ الأمراض والأوبئة التي تنخرها منذ عدة سنوات، رغم الإصلاحات التي سلكت حسب أبناء القطاع في الكثير من الأحيان طريق “الاسلاخات” التي أغرقت الأستاذ والتلميذ معا في مستنقع التراجع والتقدّم نحو الوراء!

عندما يُضرب المعلم الذي كاد أن يكون رسولا، فهذا إن دلّ فإنما يدلّ على عمق الأزمة التي تضرب أعماق المجتمع، وتكشف مدى الاستهتار الذي عرفته المدرسة طوال السنوات الأخيرة، حيث أريد له أن يكون بؤرة تغيب عنها التربية وينتحر فيها التعليم، وتـُشنق قيمة الأستاذ ووقاره، ويتحوّل التلميذ إلى عدو له، لا يكنّ له الاحترام والتقدير، إلاّ إذا نال منه نقاطا ولو مزيفة!

من المؤاخذات التي تتساقط على المضربين في المدارس، أنهم يختارون منعرج الامتحانات واقتراب العطل، من أجل الضغط على الوزارة وليّ ذراعها بتحويل التلاميذ إلى “رهائن”، وهذه في الحقيقة، واقع مرّ لا ينبغي إخفاؤه أو تجاوزه، فقد أصبح ماثلا للعيان، وهو ما أفقد الأسرة التربوية “المتعوّدة دايما” على شلّ الدراسة، الكثير من التضامن والدفاع، لأن العملية أصبحت بالنسبة للكثير من المنتقدين، مجرّد واجهة مكشوفة لتحقيق مآرب مالية لا علاقة لها إطلاقا بمصلحة التلميذ وواقع المدرسة والبرامج التعليمية!

قد يكون من النادر، لجوء نقابة أو مجموعة أساتذة، إلى خيار الإضراب في سبيل التلميذ أو المنظومة أو الإصلاحات أو الكتب أو المناهج أو معاناة المتمدرسين، وكان في كلّ إضراب تعمّ مطالب اجتماعية ومهنية ومالية، سرعان ما تعود في احتجاج قادم، رغم تسويتها، أو تسوية جزء منها، وهذا لا يعني بأيّ حال من الأحوال، أنه ليس من حقّ المعلم المطالبة بحقه، لكن من يطالب بحقّ التلميذ في أستاذ “مثالي” وحق المدرسة بمنظومة تبني ولا تهدّم؟

مقالات ذات صلة