الرأي

إقالة بالتقسيط لـ “جيل طاب جنانو”

حبيب راشدين
  • 2192
  • 3
ح.م
جمال ولد عباس

إقالة الأمين العام لجبهة التحرير قد تفاجئ فقط من كان يراهن رغبة أو رهبة على عهدة خامسة، كان السيد ولد عباس أحد أبرز دعاتها، لتكون إقالته قرينة إضافية ومؤشرا على تراجع فرص الذهاب لعهدة خامسة، دون الحاجة إلى التصريح بذلك رسميا حتى حلول الموعد الدستوري لفتح أبوب الترشح.

فكيفما كانت الأخطاء التي أحصاها بعضهم للسيد ولد عباس ـ وهي كثيرة بلا شك ـ فقد كان بوسع النظام أن يتجاوز عنها، لو كان قد أبقى على فرضية العهدة الخامسة، من جهة أن الأمين العام لأكبر أحزاب المولاة كان من السباقين للدعوة لها، وقد اجتهد في الأسابيع الأخيرة في إعادة تشكيل ما يشبه التحالف الرئاسي مع شركاء التحقوا به في تأييد العهدة الخامسة عن قناعة أم بدافع حسابات تكتيكية.

بعض التحليلات حاولت تفسير الإقالة بالخطيئة التي يكون قد ارتكبها السيد ولد عباس بتأييده لرئيس الحكومة على حساب زميله في الحزب ووزير العدل السيد الطيب لوح فيما شجر بينه وبين قيادة التجمع الوطني، وإصراره على عدم الاعتذار بشأن ما صدر عنه من انتقادات مبطنة لرئيس الحكومة.

غير أن الإقالة ربما يكون لها تفسير آخر بربطها بسياق بدأ منذ بداية حملة التطهير التي طالت مؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية، فُهم كإجراء وقائي لتجفيف منابع المشاغبة على خيار بديل يكون قد اتخذ، ليس من ضمنه المغامرة بعهدة خامسة لها أكثر من معوق، مسار لن تتوقف حتما عند تغيير رأس الغرفة السفلى، ولا عند ترحيل الأمين العام لجبهة التحرير، الذي رُحل لأنه لن يصلح للعب دور في جوقة تأييد وتسويق الخيار الآخر، بعد أن استهلك ذخيرته في التسويق للعهدة الخامسة.

وبنفس المنطق يفترض أن نستشرف بسهولة الجهات التي سوف تطالها بعد حين الجرافة التي نراها تعبد الطريق وتمهد الأرضية قبل الإفراج عن مرشح الدولة العميقة، وقد يأتي الدور بسرعة على قيادة التجمع  الوطني الديمقراطي لأن أمينه العام والوزير الاول، كان قد اشترط من قبل لعدم دخوله المنافسة حالة واحدة يترشح فيها الرئيس لخلافة نفسه، وما لم يصدر عنه أو عن قيادة التجمع ما يطمئن الدولة العميقة حول اصطفاف التجمع وأمينه العام خلف الخيار الذي تكون قد تبنته، فإن التجمع قد يساق إلى تغيير قيادته، لأن التجنيد لتأييد الخيار القادم يحتاج إلى التحشيد الكامل لماكنتي الجبهة والتجمع متضامنتين متناغمتين، لا مجال فيها لاستنساخ مقامرة 2004 مع السيد بن فليس.

التغيير قد يطال أيضا قيادات ما يسمى بـ “المنظمات الجماهرية” وتحديدا قيادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وتقديم رؤوس جديدة شابة تصلح لمرافقة الخيار البديل بخطاب غير مستهلك أو معوق بعقدين من الاصطفاف خلف شعارات تأييد العهدات، كما سوف تسمح الانتخابات القادمة لتجديد الغرفة العليا للبرلمان في الحد الأدنى بتغيير رأسها، وقبل ذلك قد توفر ساحة لاسترضاء كثير من الرؤوس التي تستبعد اليوم من رأس أدوات النظام.

 وأخيرا، فإن الجهة المالكة لمفاتيح الرئاسيات القادمة لا تكتفي بتمهيد الأرضية لتسويق الخيار البديل بسلاسة ومن غير مشاغبة، بل تريد أن تحكم السيطرة مسبقا على أغلب وأهم أدوات الحكم بما يكفل تجاوبها مع الخيار البديل من جهة، ويحد من هامش المناورة لمن سوف يقع عليه الاختيار.

مقالات ذات صلة