-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إقصاء المنتخب الوطني.. خيبة قاسية يصعب هضمها

بقلم: مسعود قادري
  • 571
  • 0
إقصاء المنتخب الوطني.. خيبة قاسية يصعب هضمها

النتيجة التي خرج بها المنتخب الجزائري من مشاركته في كأس الأمم الإفريقية الـ34 بكوت ديفوار خيّبت كل الآمال وفتحت الأبواب على مصراعيها لطرح الكثير من الأسئلة عن الوضع الذي آلت إليه الكرة الجزائرية، بعد تتويجها قاريا سنة 2019 بمصر، وهو التتويج الذي جعل التشكيلة هدفا لكل المنتخبات رياضيا ـ وهذا أمر طبيعي ـ وكان وراء إقصائه المر والقاسي من نهائيات كأس العالم 2022 في مرحلة كانت كل أبواب المشاركة في قطر مفتوحة له.

لكن تجري الرياح بما لاتشتهي السفن.. فقد ابتلعنا ذلكم الإقصاء العلقمي وقلنا وقتها “خيرها في غيرها” ولكل جواد كبوة و.. وعدنا للعيش على الأمل من جديد وهو ما أدخل الجميع في متاهة الافتخار والتباهي باللقب القاري الثاني والسمعة التي اكتسبتها المجموعة الوطنية ومدربها والتي كانت وراء الغرور الذي وقعنا فيه جميعا اعتقادا خاطئا ممن ينقلون أخبار وتحركات المنتخب ولاعبيه في أنديتهم المحترفة، رغم تواضعها مقارنة بالأندية التي يلعب لها غيرنا..

الوقوع في الغرور أنسانا أن المنتخبات والشعوب الأخرى ليست نائمة تنتظر لقاءنا بها واستسلامها لنا لنفوز عليها لأننا نحن كذا وكذا… الناس يعملون في صمت لتظهر نتائج عملهم في الحياة عامة وفي الميدان الرياضي والكروي خاصة. أما نحن، فكما يقال، مهمتنا المبالغة في استهلاك كل أسماء التفضيل التي تحول أبسط أعمالنا وإنجازاتنا إلى أشياء خيالية في الكبر والفخامة والضخامة.. مع أننا نردّد دائما مبدأ “من تواضع لله رفعه”.

وكما عشنا ما يقرب من 30 سنة على ما حققه جيل الثمانينيات في دورتي كأس العالم 1982 و1986، بقيت حياتنا كلها معلقة على إنجازات السابقين حتى صار من خصوصيتنا الارتكاز على الماضي ونسيان المستقبل مع أننا نقرأ جميعا الحديث النبوي القائل: “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”.

ورغم العبقرية التي قاد بها سلفنا الصالح ثورة من أكبر ثورات التحرير في التاريخ الحديث، إلا أنها لم تفدنا في شيء ولم نستخلص العبر من تضحياتهم وتفانيهم في الجهاد عبر السنين لتحقيق النصر المبين.. بقيت أجيال الاستقلال تجترّ مكتسبات ثورتنا المجيدة بدل الانطلاق في الثورة الكبرى، ثورة البناء والتشييد.. “ربّعنا” أيدينا وبقينا ننتظر التطور يأتي بلا عمل ظنا منا أن التظاهر بحب الوطن كلاميا دون حركة وعمل ميداني سيفيد البلد ويبقيه صامدا في وجه كل التحدّيات، بينما شمرت الشعوب التي استقلت بعدنا ـوالتي تحررت بفضل الله ثم تأثير ثورتنا أو التي ساعدناها على الاستقلال ـ عن سواعدها وقدست العمل الذي لا مجال للتطور دونه وانطلقت في بناء أوطانها في مختلف الميادين ومنها الميدان الرياضي الذي فاجأتنا فيه دول مجهرية في إفريقيا وآسيا بحجز مكان متقدم لنفسها بين المتطورين !

ماضي أنسانا المستقبل

من السهل أن نصب جام غضبنا على المدرِّب ونجعله المشجب الذي نعلق عليه كل فشل يصيب الكرة في عمقها، لكن المسؤولية الوطنية تدعونا إلى الاهتمام أكثر بالأمور التنظيمية العميقة التي تعاني منها كرتنا المحترفة قولا والهاوية عملا وميدانيا.. من الطبيعي، كما يقول المثل الشعبي، أن تُستلّ الخناجر ويفتح باب التجريح والنقد القاسي الذي لم يتعرض له أي مدرب أجنبي من قبل رغم نتائجه السلبية جدا والذي لا يقبله الإنسان على أعدى أعدائه خاصة عندما يأتي من لاعبين سابقين لم يقدموا للألوان الوطنية أي شيء.. ما وقع للمنتخب الجزائري الذي خرج من الباب الضيق لمنافسة كان مرشحا لأدوار أساسية فيها على الأقل لم يكن مفاجئا فقط، بل كان كارثيا، ولكنه في إطار كروي يذكّرنا بوقائع مثيلة في الماضي كانت أمرّ لكن لم يتعدَّ نقد الصحافة فيها حدود اللياقة خاصة أن أي مجرب أو لاعب لا يعرّض سمعته ومصيره ليكون محل سوء تقدير وقلة احترام ممن سبق له أن أدخل عليهم السرور.. إنّ نكران الجميل وإدارة الظهر لمكاسب الرجال من أسوء صفات البشر… لا يعني هذا أننا لا ننتقد ولا نبرز النقائص الفنية والتكتيكية للمدرب واللاعبين… لكن المعروف عندنا في واقع الكرة خصوصا والرياضة عموما، أن التتويج يشارك فيه الجميع ويعتبر انتصارا وطنيا يتبناه كل من له علاقة بالموضوع من قريب أو بعيد، لكن الهزيمة لا يتحملها إلا المدرب فقط، لأنه القادر على حمل كل الأثقال..

بلماضي لم يكن سوى مدرب كغيره حقق نتائج لكن طريقته في العمل لم تعد صالحة لا مع اللاعبين ولا مع المنافسين الذين لم يعط الكثير من الاهتمام لتحسُّنهم وارتفاع مستوى مدربيهم وتدريبهم ورقي لاعبيهم الناشطين في أندية أقوى بكثير من الأندية التي يجمع منها بلماضي لاعبيه المغتربين…

عيش على الماضي

فعلا، للمرة الثانية على التوالي يقصى المنتخب الجزائري لكرة القدم.

لقد انطلقنا في تقديم منتخبنا خلال الدورة الحالية وسابقتها على أساس أنه من المرشحين لنيل نجمة ثالثة، مع أن كل الدلائل والقرائن لا توحي بذلك إلا من خلال الإعلام المبالغ في تكبير الأمور ومغالطة الجمهور الذي يتأثر بما يقال ويسمع بالدرجة الأولى وليس بما يكتبه الصحفيون المحللون الذين لا يتعجلون الأحكام ولا ينطلقون من علاقتهم بأصحاب الشأن سواء كانوا لاعبين أو مسيّرين.. بل بالواقع وإمكانات المنتخب ومكوناته البشرية، ففي مقال سابق لي ـقبل المنافسةـ حذّرت من الوقوع في السهولة واستصغار الآخرين انطلاقا من تجربة ومن واقع كروي هش يمارس فيه الاحتراف بالأموال العمومية التي تصرف بمئات الملايير على لاعبين لا قيمة لهم في بورصة المحترفين الدوليين.

لقد علمني الميدان أن لا أتسرع في الحكم على المباراة قبل نهايتها والمنافسة قبل انطلاقها وعلى المدربين خاصة قبل التأكّد من شخصياتهم وإمكاناتهم حتى لا أظلم أحدا، فالعبرة بالنتيجة، ولا ألوم هنا زملائي في القنوات التلفزيونية والإذاعية والمحللين الذين يتعاملون مع الحدث بالانفعال الآني والعاطفة الوطنية الجياشة من خلال ما يتابعون مباشرة، فقد نتأثر زمن المباراة بنفس التأثير، لكن الفارق بيننا أن الوقت يكون عادة في صالح صحفي الجريدة لأنه يسجل ما يلاحظ ثم يكتب عندما تهدأ العاصفة وينتهي اللقاء وتجتمع عنده كل العوامل الميدانية والخارجية أولا، ثم يترك العاطفة جانبا ويعالج الموضوع بقليل من الموضوعية خاصة بعد معرفة آراء المختصين قبل الكتابة، وقد يقف على العديد من الآراء التي تعيد له سكونه وهدوءه ليعالج الموضوع بتأن وروية وكثير من المهنية بعيدا عن التشنج والحكم على الآخرين بالضعف والفشل ونسيان تاريخهم القريب والبعيد كما يفعل البعض من الذين يتنكرون لإنجازات غيرهم لمجرد أيّ عثرة.. وقد يتعلم الإنسان من الحياة أن العاطفة والتسرع في الحكم على الغير لا يقدِّمان ولا يؤخران.. فما بالكم بمباراة في كرة القدم نعرف جيّدا وندرك أنها ليست علما تجريبيا ولا دقيقا، بل قد ينسفها في لحظة من اللحظات قرار متعجل لحكم غير نزيه أو تصرف طائش من لاعب أو انفعال غير مبرر..

تكرارُ الفشل

ورغم أن أغلب مكونات المنتخب سبق لها المشاركة في الدورة الأخيرة بالكاميرون في 2022، بل إن عددا منها كان من المتوجين في دورة 2019 بمصر، ويعرفون أن الظروف الطبيعية والتنظيمية والتحكيمية التي جرت فيها الدورتان الأخيرتان متشابهتين من حيث المناخ بحرارته ورطوبته والتحكيم بعُقده المتميزة وتحيز “الكاف” ووقوف الجميع ضد المنتخب الجزائري الذي كان عليه أن لا ينسى كل هذه المعطيات، إلا أن الحقيقة تقول “هذا ما حلبت..” والاعتراف بمحدودة مستوانا يحثنا على العمل والجدية لنكون في مستوى الألوان التي نحملها.. فما الذي حدث إذن؟

أرى أن هناك عدة اعتبارات لابد من أخذها في الحسبان منها ما يخص المدرب بلماضي نفسه ومنها ما يتعلق بالمحيط الوطني والقاري.

1ـ ما يخص بلماضي، اعتقد أن سِجلّه مع المنتخب ثري من ناحية عدد المباريات الدولية التي نشطها ونجح في الفوز بها ليتوج باللقب القاري سنة 2019 ثم الاستمرار في النتائج الطيبة، ليبلغ رقما قياسيا غير مسبوق من الانتصارات، لكن بعد نكسة كأس الأمم الإفريقية 2022 بالكامرون والإقصاء من نهائيات كأس العالم 22 بطريقة خيالية وغير متوقعة في الثواني الأخيرة من المباراة الفاصلة، كان عليه أن يسلم المهمة لغيره وينسحب ليخرج مرفوع الرأس أولا ويترك المجال لغيره، خاصة أن المحيط القريب والبعيد منه بدأ يبحث له عن الأسباب التي تُبعده سواء من بعض الصحفيين الذين لم تعجبهم طريقة عمله ولم يقتنعوا بنتائجه، أو من خارج المحيط من الذين يفضلون أن يكون لنا مدربٌ أجنبي يستحسن أن يكون من أبناء فافا.

رغم أن أغلب مكونات المنتخب سبق لها المشاركة في الدورة الأخيرة بالكاميرون في 2022، بل إن عددا منها كان من المتوجين في دورة 2019 بمصر، ويعرفون أن الظروف الطبيعية والتنظيمية والتحكيمية التي جرت فيها الدورتان الأخيرتان متشابهتين من حيث المناخ بحرارته ورطوبته والتحكيم بعُقده المتميزة وتحيز “الكاف” ووقوف الجميع ضد المنتخب الجزائري الذي كان عليه أن لا ينسى كل هذه المعطيات.. إلا أن الحقيقة تقول “هذا ما حلبت..”

2ـ إن الاعتماد على نتائج التصفيات والمباريات الودية للوقوف على التحضير التقني والبدني غير كاف لتقييم حقيقي للمنتخب ودوره في المنافسة التي لم تكن لديه معلومات كافية ووافية عن المنافسين القادمين في المجموعة وإمكاناتهم البدينة والفنية وقدرات مدربيهم وطرق لعبهم…

3ـ عملية انتقاء اللاعبين من الأندية الأجنبية لم يكن موفقا، خاصة من الذين سبق لهم الانتماء للتشكيلة وتم التخلي عنهم في فترة ما ثم عاود استدعاءهم على حساب آخرين ربما اقل تجربة منهم لكن ربما يكونون أنفع ميدانيا، وبالنسبة للخلف فقد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر أي عندما نمنح الثقة لشاب ليفرض نفسه خير من تبجيل لاعب في نهاية المسار وصار محدود الطاقة والإمكانات.

4ـ هل مستوى بطولتنا متدني إلى الدرجة التي لا تسمح حتى بإعطاء الفرصة لبعض العناصر الشابة خاصة أن الوجوه البارزة لم تقدم الكثير في الدورة، بل كان بعضها متفرجا على غيره؟ لماذا تحضر بعض النجوم القديمة دون إشراكها في المنافسة؟

4ـ المدرِّب هنا ربما يتحمل مسؤولية اختيار اللاعبين المغتربين لأن الدوري المحلي في نظره لم يقدم له ما يمكن الاعتماد عليه، ظاهريا طبعا، والعناصر المغتربة لم يجد أحسن مما وجد.. ومع ذلك، فالقول بأنه معفي تماما من المسؤولية لا يقبله العقل، فمن الناحية التكتيكية لم يكن أداء المنتخب في المباريات الثلاث مقنعا من ناحية تنسيق اللعب وطريقته التي تخلت عن الأسلوب البيني القصير المقلِق للمنافسين وبناء الهجمات الفعالة انطلاقا من وسط كان هشا مع دفاع متذبذب في تدخلاته وثقيلا أحيانا في رد فعله ومبالغا في العودة إلى الحارس واعتماد أسلوب التمريرات الطويلة العالية التي كانت كلها في صالح المنافسين الأطول قامة والأكثر خبرة واستعدادا وتركيزا وتطبيقا لخطة مدروسة، أما الهجوم فنسيت عناصره ما يسمى القذفات القوية طيلة المباريات الثلاث مع أن المنافسين يلجأون إليها في الكثير من أوقات المباراة على الأقل لجس النبض واختبار قدرات الحارس وضعفه.

بعد نكسة كأس الأمم الإفريقية 2022 بالكامرون والإقصاء من نهائيات كأس العالم 22 بطريقة خيالية وغير متوقعة في الثواني الأخيرة من المباراة الفاصلة، كان عليه أن يسلم المهمة لغيره وينسحب ليخرج مرفوع الرأس أولا ويترك المجال لغيره، خاصة أن المحيط القريب والبعيد منه بدأ يبحث له عن الأسباب التي تُبعده سواء من بعض الصحفيين الذين لم تعجبهم طريقة عمله ولم يقتنعوا بنتائجه، أو من خارج المحيط من الذين يفضلون أن يكون لنا مدربٌ أجنبي يستحسن أن يكون من أبناء فافا.

5ـ الملاحظ على هجوم منتخبنا أن الفعالية كانت تنقصه، وكل محاولاته كانت بالسعي للوصول إلى الشباك من قريب، بينما كانت له فرص عديدة لمحاولة القذف والتصويب نحو الإطار من بعيد ولم تُستغل، مع العلم أن بعض العناصر كبّلتها الخطة المطبَّقة في المباراة الثالثة، إذ كان اللعب مركزا على الجهة اليمنى مع وجود أخطر مهاجم في الجهة اليسرى ـربما كان وضعه في الوسط أفضل وأنفع ـ كما كان توزيع اللاعبين فوق الميدان غير مقنع وافتقد إلى الفعالية وحسن التنسيق بين الدفاع والهجوم وهو ما سهّل مهمة المنافسين وأعطاهم الحرية في التنقل والتمرير بأريحية.

البحث عن حلول كروية جذرية

بالمختصر المفيد “ضربتان في الرأس تؤلمان كثيرا”، وليس أمامنا غير الحذر من تكرار مثلها وعدم التأخر في تعيين ناخب، لمباشرة تصفيات كأس العالم 26 بالقارة الأمريكية (الولايات المتحدة وكندا والمكسيك) وكأس الأمم الإفريقية المقبلة بالمغرب 2025، وهذا يتطلب البحث عن مدرب كفء أولا لقيادة التشكيلة وفي نفس الوقت إعادة النظر في قانون الاحتراف ووضع دفاتر أعباء واضحة ومضبوطة لقبول الأندية التي تريد الاحتراف. أما أن يبقى الطريق مفتوحا لكل من يستعمل مختلف الوسائل للصعود إلى الدرجة الأولى ثم تُمنح له مبالغ مالية من الخزينة العمومية ليبدأ الاحتراف دون إمكانات تنظيمية وهيكلية وموارد مالية واضحة ودون مدارس للتكوين والبحث عن المواهب التي تزخر بها شوارعنا وأنديتنا المغمورة، فهذا لا يؤدي إلى أي نوع من الاحتراف.

والملاحظة التي يجب عدم نسيانها هنا هي أن يبقى باب مشاركة المغتربين في حمل راية وطنهم بكل فخر واعتزاز مفتوحا، ولكن مع تحديد ضوابط الانتساب والالتحاق طبقا لما هو متعارف عليه، وليس كل رائحة من أم جزائرية ننسبه لنا حتى ولو كان!؟.. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!