-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إلى أين يا غزة، وهذي إسرائيل محصنة؟

التهامي مجوري
  • 2551
  • 4
إلى أين يا غزة، وهذي إسرائيل محصنة؟

إي والله يا غزة، إلى أين؟ إلى الفناء والإفناء، وهذه الأطنان من القنابل والمتفجرات تسقط على رؤوس أبنائك البررة؟ أم إلى العَمار والإعمار وأنت صامدة بصدور أبطالك العارية، لمواجهة هذه القوى العاتية الغاشمة، بإصرار وعناد على استرجاع سيادتك على أرضك؟

إلى أين يا غزة بكل هذه التضحيات؟ أهي لإقناع المترددين والمتخاذلين والمنبطحين من مسؤولي العرب والفلسطينيين؟ أم هي لإقناع نظم العالم التي كفرت بوجودك، ولا تؤمن إلا بإسرائيل التي لا شريك لها في المنطقة؟ بديلا للإيمان بالله الذي لا إله إلا هو  .

إلى أين يا غزة بهذا الاستنزاف الذي طال كل شيء، المال والسلاح والبشر والأرض والشجر والحجر؟

أنت لا تملكين ما تسدين به رمق الأطفال الجياع حقا وصدقا، ولا حاجة الأسر المعوزة، بعد السنين العجاف التي مرت عليك من الحصار الظالم، ولا ما تسدين به حاجة المرضى من الشيوخ والأطفال والنساء، من الدواء والحد الأدنى من الغذاء، في ثلاث اعتداءات همجية متتاليه: 2008، 2012، 2014، أقل حصيلة فيها عشرات الآلاف من الشهداء والمعوقين والجرحى والمبتورين .


إلى أين يا غزة، إلى الفناء أم العزة؟

وأنا أراك صامدة لم أذكر من تاريخنا، إلا صورا عابرة معبّرة، صورة نبوية ناصعة، يوم الطائف ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يتضرع إلى ربه ويستنصره، على سفهاء قومه وجيرانه، قائلا عليه الصلاة والسلام “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟…” [سيرة ابن هشام]، وصورة أخرى بائسة باهتة يائسة، عندما استسلم المسلم لقاتله؛ بل وانتظره حتى يحضر سيفه ليقضي به عليه، كما روى ذلك أهل التاريخ في غزو التتار لدمشق، وصورة باسمة ضاحكة مستبشرة، وهي من واقع الجهاد الجزائري، يحكي محمد بوضياف رحمه الله، أنهم لما التقوا -فريق الـ22- للبحث في اندلاع الثورة، تحول النقاش إلى هل الوقت مناسب أم لا؟ يقول بوضياف –ونحن كذلك- تذكرت أنا وبن مهيدي قصة وقعت لنا سنة 1945، أيام مجزرة ماي 1945، حيث التقينا بشيخ في سطيف، فقال لنا هذه الجولة لهم، أما الجولة القادمة فهي لنا.. فشعرنا وكان هذه الجولة هي هذه [عن محمد عباس، كتاب الرواد، بتصرف]، ورغم أنهم كانوا يعتقدون أنها مغامرة، ولكنهم أصروا على إنجاحها برهانهم على الشعب، وصدق التوجه وعدالة القضية، أكثر من أي شيء آخر، وذلك هو معنى قول بن مهيدي القوا بالثورة إلى الشعب.

يا غزة إن أرضك طيبة ومقدسة؛ لأنها تحمل في تربتها، رائحة الأنبياء والرسالات السماوية.. واهلك أناس طيبون ومؤهلون لحمل الخير؛ لأن الله اصطفاهم وقودا لمعركة شريفة، لمواصلة الجهاد في وجه استعمار غاصب، كما اصطفى الله ذات يوم الشعب الجزائري ليكون شوكة في حلق فرنسا، وكما رشح الله الشعب العراقي ليكون شوكة في حلق الأنجليز والأمريكان، وكما يقدر الله ويقضي دائما على حركات الشعوب المستضعفة سيرا على نهج سنن التدافع.

إنه القدر يا غزة.. وإنه الدور الشريف لحماية العزة.. فلا بديل عن الاستماتة، في الدفاع عنها لمن أسندت إليه، ولا خيار لمن ابتلاه الله بالظلم والظالمين، إلا الركون إلى الغزة والكرامة ولو كان ذلك مع قسوة العيش، وإلا كانت الذلة والهوان والصغار والعياذ بالله.

إن الزمن غير الزمن يا غزة.. والواقع غير الواقع.. حقا وصدقا، والخيانات أصناف وأشكال حقا وصدقا، ولكن جوهر القضية واحد، وأشكال ومضامين استعمارية تتشابه وتتقاطع، مردها إلى شيء واحد، هو سلب الشعوب حقها في كل شيء، بسلبها أرضها وحرمانها من ثرواتها، وإذلالها إلى حد التسليم بالأمر الواقع.

الكل مستعمر يا غزة؛ بل إن أبناءك يشعرون بعزة، لا يحلم بها غيركم من شعوب العالم الإسلامي، وإذا كنتم مستعمرون أرضا وسياسة واقتصادا، فإن أرواحكم حرة، تعبرون بها كما تريدون، لا رقابة لكم عليها، أرواح تعرفرف في الهواء مجاهدة مجتهدة وضاحكة مستبشرة، أو مستشهدة صاعدة إلى باريها.

أما غيركم من أبناء العرب والمسلمين، فمستعبدون لأن أرواحهم مستعمرة، ولا يملكون من الاستقلال ما تملكون، فهم يخافون على ممتلكاتهم، وعلى عروشهم وعلى مكاسبهم وعلى مغانمهم، أما أنتم يا أهل غزة فقد تجاوزتم كل ذلك.. إلى مقارعة العالم بأسره بالقليل الذي تملكون من السلاح والرجال، وعلى مساحة من الأرض لا تتعدى مساحة مدينة سنمائية.

إن غيركم من العرب والمسلمين، لا يملكون من الفضاء الحر للتعبير عن ضعفهم وجبنهم وسوء حالهم.. ثرواتهم مستنزفة؛ بل ومستعملة في ضربهم وإهانتهم وإذلالهم، ولا يقدرون على تنظيم مظاهرة يقولون فيها شيئا…، حتى أن الأخ أحمد الشقيري صاحب برنامج [خواطر]، قال كلما تذكرت أن بترول الطائرات التي تقصف غزة عربي، أستحييت من عروبتي .

يا اهل غزة شاءت الأقدار، أن تكونوا على هذه الأرض الطيبة، شوكة في حلق هذا العالم المتغطرس المُتَصَامِم عن أصوات أطفالك ونسائك وشيوخك، والجاثم على صدور هذه الخشب المسندة، من النظم والحكام العرب، رؤساء وملوكا وأمراء، إمعانا في إذلالهم على حسابك وعلى حساب قيم الأمة الأساسية.


صبرا آل غزة.. هذا قدركم.

إسرائيل محصنة ومحمية من كل الجهات، إلا من الجهة التي أنتم عليها، ومن ثم فإن ما تفعله إسرائيل معكم، بالقصف والتدمير، باستعمال جميع أنواع الأسلحة الفتاكة، لا تخشى انتقاما من احد إلا منكم، ولا تقيم وزنا لأية جهة غيركم، فهي مطمئنة كل الاطمئنان، من الجهات الأربع، إلا من الفتحة التي بينكم وبينها؛ لأن جميع المحيطين بها يبيعون ويشترون.

فمصر السيسي لا يمكن أن تكون إلا متصهينة، وما يأتيكم منها ومن عرّابيها المتخاذلين من الإعلاميين والفنانين الساقطين، الذين لا عهد لهم ولا دين ولا خلق، وسيكونون أكثر إضرارا بكم من اليهود أنفسهم؛ لأنهم يريدون تحقيق مكاسب سياسية في المنطقة، ترضي الأمريكان وأوروبا والمتخاذلين من السلطة الفلسطينية، على حسابكم وعلى حساب اليهود، بينما اليهود يريدون تأمين نفوسهم وتثبيت كيانهم.

وقد وقع في ما مضى في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، أن مطالب اليهود كانت أكثر تواضعا من المطلب المصري. وما يقال في الموقف “المصري السيسي” وهو الأسوأ على الإطلاق، يقال أيضا عن جميع الأنظمة المحيطة بالكيان الصهيوني، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، المقيدة باوسلو المشؤومة.

رحم الله عقودا من الزمن، كانت القضية الفلسطينية فيها، ضميرا للأمة شعوبا وحكاما، ولم يكن يومها من يجرؤ، على التلفظ بمصطلح “دولة إسرائيل”، فضلا عن الاتصال بها، فقد كان المستبدون والخونة للقضية، وقد باعوا واشتروا، ولكن الثقافة العامة التي تحكم المجتمع العربي والإسلامي، في الموقف من اليهود ووجودهم في فلسطين، لم تكن محل جدل أو شك أو تردد؛ لأن الشعوب كلها أو جلها، قد ذاقت مرارة الاستعمار، وتعرف ما معنى أن تسلب منك أرضك؟ .

لقد كان عبد الناصر مثالا للطغيان وسحق المخالف، ولكنه لم يتردد في مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية، حتى في عز خلافاته مع الإخوان، فقد قتلهم وشردهم وأعدم منهم، ومع ذلك كان في القضية الفلسطينية صاحب موقف ثابت، وكذلك كان الإخوان، وإلى جانب عبد الناصر،كان الرئيس بومدين طاغية مستبدا في بلاده وعلى أهله وصحبه، ومع ذلك، ترك مقولة تذكرنا بأقحاح العرب وكِرَامِهم وهي قوله “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، وكذلك ملوك ورؤساء الخليج والأردن وسوريا والعراق والمغرب، فهم يتمتعون بما يتمتع به، ذينك الرجلين الذين برزا كعظيمين في موضوع فلسطين، من استبداد بشعوبهم ومعارضيهم من السياسيين، من أبناء وطنهم، ومع كل ما صدر منهم أو من بعضهم من خيانات تحت الطاولة وفوقها، لم يعرف عن أحد منهم أنه جاهر بإمكانية الاتفاق مع اليهود أو الاعتراف بدولتهم، إلا ما كان من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الذي كان أول من بادر بالاعتراف، وقد اخذ جزاءه وما يستحق من التهميش والتحقير فيما بين العرب والمسلمين.

في هذا الجو العالمي المتآمر على البشرية وعلى المستضعفين منهم، تقاوم غزة، البلد الذي لم يبلغ عدد سكانه حجم قبيلة من قبائل العرب المتماسكة في الخليج والعراق؟ هذا البلد يتآمر عليه كل نظم العالم، وتتعاطف معه جميع شعوب العالم، إلا من كان يهوديا غير شريف.. أيعقل ان تدك البلاد بالمدفعية والصواريخ والأسلحة المحرمة دوليا، والعالم ساكت؟ أيعقل أن يقتل الأجنة بعد خروجها من بطون أمهاتها، والأطفال وهم يلعبون بالأراجيح في العيد، ويتسلون فيما بينهم، والنساء القابعات في البيوت والشيوخ العاجزون عن الحركة؟ وفي كل ذلك العالم يتفرج وفي أحسن الأحوال يفتش عن هدنة يبادر بها المستضعف؛ لأن إسرائيل دولة ذات سيادة ولا يحق لأحد أن يرد عليها إلا بإذنها.

 

ملاحظة: للمقال بقية فضلت تأجل نشرها إلى وقت لاحق؛ لأنها غير مناسبة لواقع الأحداث التي تمر بها القضية اليوم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • ابو عبد الاله

    انا مندهش وكيف لا وهذا السكوت الرهيب على مجازر حقيقيه بالصوت والصورة لا احد مكترث من العالم العربي والغربي لا حدث !!! لا تحتاج ان تكون عربيا او أجنبيا لتقف مع غزه والشعب الفلسطيني تحتاج فقط ان تكون إنسانا !!!على فكرة أين علماء الأمة أين من خرج إلينا بالأمس القريب بفتوى الجهاد في سوريا وليبيا وكل بلاد الربيع العربي ؟هل نحن في عصر التيه أين المثقفون أسف لان الثقافة هي مهرجانا حفلات هنا وهناك أين نحن باله عليكم أجيبوني هل نجلس كالحريم نشتكي ونلسق كل شئ في الحكام العرب ووورحم الله مالك بن نبي وبن ب

  • توفيق الجزائر

    نعم استاذ ،، لكن الا تعتقد ان الانظمة العربية الحالية ، وجدت نفسها في ورطة بعد ان وجدت نفسها في مواجهة حركات اسلامية جهادية ، هذه الحركات كانت وليدة الانظمة الطاغية التي أشرت اليها... مثل جمال عبد الناصر وغيره ،... كانت مناصرة للقضية الفلسطينية قولا لا فعلا ،، فكممت الافواه واضطهدت العباد ،، فأنفجر الوضع العربي ببروز حركات تقول انها جهادية ،، لكن حقيقة الامر هي انتقامية أتت على الاخضر واليابس ... لتجد الانظمة الحالية نفسها في مواجهة جزء من أبنائها ،،، كان الاسلام وحماس اولى ضحاياه

  • بدون اسم

    موضوع رائع ، لكن أفسدته عندما نعت الرئيس الراحل هواري بومدين

    بالطاغية .

    أم تريده أن يترك أعداءه يفسدون في الأرض! ؟

  • بدون اسم

    الى الله...و الى جنة النعيم ان شاء الله