الرأي

إنجازاتنا وإنجازاتهم

سلطان بركاني
  • 2251
  • 17

كثيرة هي الأوضاع التي تبعث على الأسى وتدعو إلى الشفقة لحال بلد بحجم قارة، توفّر له من الإمكانات وأتيح له من الفرص ما كان كفيلا بجعله في مصافّ الدول الصّناعية الكبرى. وما كان كافيا لتحقيق نهضة اقتصادية وحضارية تخرج به من شرنقة دول العالم الثّالث.. ولكنّ أصحاب القرار فيه أمعنوا مع سبق الإصرار والترصّد في إهدار كلّ الفرص، وتمادوا في الاستنجاد بالريع النّفطي للتّغطية على الفشل الذّريع والمريع الذي يتخبّط فيه البلد على كافّة المستويات والأصعدة.

المتابع للنّشرات الرئيسية التي تبثّها اليتيمة المطلّقة، يشعر بمدى البؤس الذي آلت إليه أحوالنا، يوم أصبحت إنجازاتنا العملاقة التي نعدّها بشكل يوميّ على مدار العام، لا تتعدّى في كثير من الأحيان توزيع بضع مئات من السّكنات، وافتتاح مدرسة، وتسليم إقامة أو مطعم جامعيّ أو ملعب جواريّ. كما لا تخلو أغلب النّشرات من الحديث عن توقيف جماعة من صغار مروّجي المخدّرات أو مهرّبي الوقود، أمّا الحدث الأبرز الذي لا تستطيع يتيمة الدّهر أن تغضّ طرفها عنه فهو ربط البلديات النائية بشبكة غاز المدينة.

إنّه منتهى البؤس؛ أن يكون الرّبط بشبكة غاز المدينة بعد 52 سنة من الاستقلال حدثا يستحقّ التّنويه والإشادة، في بلد يعدّ سادس مصدّر للغاز في العالم، ويقدّم نفسه على أنّه قوة إقليمية جهنمية!

هذه هي إنجازاتنا التي نتباهى بها صباح مساء، ونقدّمها عبر كافّة قنواتنا الأرضية والفضائية، ليراها العالم من حولنا، في الوقت الذي تكتفي الدول التي تبني اقتصادها على الإنتاج الصناعيّ والزّراعيّ برصد إنجازاتها مرّة واحدة مع نهاية كلّ عام، لتقدّم للعالم حصيلة إنجازاتها في ميادين الصّناعات العملاقة والتكنولوجيا الدّقيقة، وتتكلّم بكلّ شفافية عن عائدات وأرباح صادراتها التي تغزو الأسواق العالمية.

فهذه مثلا كوريا الجنوبيّة التي كانت حتى بداية الستّينات واحدة من أكثر الدّول الزراعية الفقيرة، بدأت خطة التنمية الاقتصادية والصناعية منذ عام 1962م- وهو العام الذي نالت فيه الجزائر استقلالها-، وفي أقل من أربعة عقود، استطاعت تحقيق ما سمي “المعجزة الاقتصادية على نهر الهان-كانج”. وقفز إجمالي الدخل القومي الكوري من 2.3 مليار دولار سنة 1962م إلى931 مليار دولار عام 2005م، وأصبحت كوريا الجنوبية واحدة من أكبر 10 اقتصاديات في العالم، بعد أن كانت ثالث أفقر دولة في آسيا، كما ارتفع الدخل الفردي السنويّ من 87 دولارا عام 1962م إلى أكثر من 24 ألف دولار أمريكي هذا العام (2014م)، أي أكثر من 185 مليون سنتيم سنويا بالعملة الجزائرية.

هذه الإنجازات العملاقة، ليست عائدة إلى الريع النّفطي، فكوريا الجنوبية التي يفوق عدد سكانها 50 مليون نسمة، ولا تتعدّى مساحتها 05 ٪ من مساحة الجزائر، هي خامس مستورد للنّفط في العالم، بما يفوق 02 مليون برميل يوميا، وإنّما تعود إلى القوة الصّناعية التي بنتها هذه الدّولة، متمثّلة في آلاف الشّركات العملاقة التي بلغ صافي أرباحها العام الماضي (2013م) 81.6 مليار دولار، وهو ما يفوق عائدات الجزائر من النّفط.

وتكفي الإشارة إلى أنّ شركة سامسونج الكورية للإلكترونيات وحدها، فاقت عائداتها السنوية 200 مليار دولار العام الماضي، برقم أرباح فاق 40 مليار دولار. وأنّ شركات صناعة السيارات قد مكّنت كوريا من احتلال المرتبة السّادسة عالميا، برقم يفوق 03 ملايين سيارة سنويا.

أمّا الصّين التي يفوق عدد سكّانها 1300 مليون نسمة، ويرتقب أن تكون أوّل مستورد للنّفط في العالم هذا العام، بما يفوق 11 مليون برميل يوميا، فتتوقّع منظّمة التّعاون الاقتصادي والتّنمية أن تزيح الولاياتِ المتحدةَ عن المركز الأول كأكبر اقتصاد في العالم في عام 2016م مع استمرار نموّها الاقتصادي.

وأمّا تركيا التي تستورد أكثر من 630 ألف برميل من النفط يوميا، ولا تتعدّى مساحة أراضيها ثلث مساحة الجزائر، فقد استطاعت خلال 10 سنوات من حكم أردوغان (2003 – 2013م) أن تصبح القوة الاقتصادية الـ 16 عالميا، بعد أن كانت في المرتبة 111، وقفزت صادراتها من 23.5 إلى 153 مليار دولار، وارتفع متوسط دخل الفرد السّنوي من 3500 إلى 10500 دولار، واستطاعت أن تصنع أوّل دبابة وأول فرقاطة وأول طائرة من دون طيار وأول قمر صناعي عسكري، وأصبحت ميزانية وزارة التعليم أكبر ميزانية بين الوزرات، حتى إنها فاقت ميزانية الدفاع، وتعمل تركيا حاليا لتفريغ 300 ألف عالم للبحث العلمي قبل حلول عام 2023م.

كما قام أردوغان بوضع يد الدّولة على أملاك كبار اللّصوص من العسكريّين والسّياسيين ورجال الأعمال الذين نهبوا ما يزيد على 46 مليار دولار من البنوك الرّسميّة وهرّبوا معظمها إلى الخارج، وضع يده على أملاكهم وقدّمهم للمحاكمة، ولا تزال عمليات التّطهير والمحاسبة جارية إلى اليوم.

على النّقيض تماما ممّا يحصل عندنا، حيث ظهر للعيان ما يزكم الأنوف من فضائح الاختلاسات الكبرى، وعلى رأسها فضيحة سوناطراك، وفضائح المجمّعات الاقتصادية التي شُيّدت بأموال الشّعب وانهارت بين عشية وضحاها، كمجمع الخليفة، ومجمع “تونيك” و”بي سي آر”، وما خفي أعظم وأعظم.

أمّا في مجال الفلاحة، فقد حُوّلت القروض الممنوحة لأصحاب الحظوة باسم الدّعم الفلاحيّ، إلى شراء الفيلات والسيارات، وحوّلت مبالغ طائلة من أموال الدّعم الفلاحيّ عن وجهتها، وصبّت في جيوب سماسرة لا علاقة لهم بالفلاحة، ومُسح ما يزيد على 4900 مليار سنتيم من ديون الفلاّحين المزيّفين، وبقي الشّعب رهينة للتبعية الغذائية في قوته، حيث تستورد الدّولة ما يزيد على 10 ملايين طن من الحبوب سنويا!

وأصبحت الجزائر تعدّ من أهمّ بازارات العالم التي تسوّق إليها جميع المنتجات الأوروبية والصينية، بما فيها تلك المخالفة للمعايير المعمول بها عالميا، وبلغت فاتورة الاستيراد عتبة الـ55 مليار دولار سنويا، ولم تستثن الفاتورة المكانس وكاسات الحمام، وحتى أعواد تنظيف الأسنان تستورد من الصّين!!!

فإلى أين تسير الجزائر؟!

مقالات ذات صلة