الرأي

إنهم يقتلون الحاضر والمستقبل!

قادة بن عمار
  • 2000
  • 6
أرشيف

أليس من المفارقة السخيفة أن تتحدث وزيرة التضامن الوطني غنية الدالية عن تمكّن مصالحها من إعادة 280 مسنّا إلى بيوتهم بفضل الوساطة الاجتماعية في الوقت الذي تعاني فيه مئات بل آلاف العائلات من هروب أبنائها الشباب عن طريق الهجرة غير الشرعية؟!
أين كانت تلك الوساطة الاجتماعية التي تتغنى بها وزيرة التضامن حين قرر الآلاف ممن تقلُّ أعمارهم عن 18 سنة الانتقالَ إلى الضفة الأخرى ولو بتعريض حياتهم إلى الموت بدلا من بقائهم في بلدٍ بات يُشعِرهم بالإحباط والملل والاكتئاب؟!
أين كان حرص الوزيرة، بل والحكومة برمتها وعالم الانحراف يستقبل 12 ألف قاصر ضمن شبكات الإجرام و”الحراقة”، مثلما أعلنت الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث؟ بل أين كانت سياسات الحكومة ونحن نحصي 20 ألف مشرد ونصف مليون طفل يتعرض للعنف سنويا، حسب المصدر السابق؟
إننا نتحدث هنا عن أطفال صغار باتوا يصوّرون لحظات انتقالهم إلى أوروبا وأحيانا إلى العالم الآخر عبر اليوتيوب، فلماذا فشلت كل المساعي الرسمية في إقناعهم بالعدول عن تلك الفكرة الانتحارية؟ ثم أين هي المفوضية السامية لحماية الطفولة؟ وما فائدة رقمها الأخضر ولجانها الرسمية، وأيامها الدراسية التي تستنزف المال العام دون فائدة ولا تغيير؟!
يبدو أن السلطة لم تعد تعبأ بحاضر الشباب ولا بمستقبله، كما أنها لا تكترث لمصير الأجيال الجديدة، بدليل أن التعليم بات فاشلا بامتياز، ولم تنفع محاولات تسييس نتائج البكالوريا في إخفاء معدلات التلاميذ خلال الدراسة، إذ وصلت نسبة القابعين تحت المعدل في التعليم المتوسط، إلى 63 بالمائة مع منتصف السنة الدراسية، و43 بالمائة في التعليم الثانوي، دون الحديث عن الراسبين بالآلاف والمطرودين من المدارس وحتى الجامعات نهاية العام!
حتى المفوضة الخاصة بحماية الطفولة اعترفت قبل يومين أن جميع النصوص التطبيقية التي تم وضعُها لحماية الطفولة قابعة في الأمانة العامة للحكومة منذ 2015، أي منذ ثلاث سنوات كاملة، ثم يتحدث المسؤولون عن ضرورة التعجيل بحماية الطفولة من المخاطر وعدم الانزلاق نحو المزيد من الكوارث الاجتماعية!
إننا نتحدَّث هنا عن انهيار حقيقي، أخطر من انهيار احتياطي الصرف من العملة الصعبة وعن تدهور كبير في سعر الإنسان، يا من تهتمون فقط بانخفاض سعر البترول، وعن ضياع غير مسبوق لثروة البلاد الحقيقية والمتمثلة في رصيده من الشباب والأجيال الصاعدة، وكأن الشيوخ الذين تسلموا الوطن شبابا عقب الاستقلال لا يريدون مغادرته، إلا وقد تركوه جثة هامدة، بلا مستقبل، ثم ما فائدة التغني ببناء الجدران إن ضاع منّا الإنسان؟!

مقالات ذات صلة