الرأي

إنه منطق القوة!

محمد سليم قلالة
  • 1049
  • 4

خروج الولايات المتحدة الأمريكية الانفرادي عن الاتفاق النووي الإيراني يعكس بوضوح سيادة منطق القوة في النظام العالمي الحالي. القوي يستطيع أن يَشُنَّ حربًا عسكرية على الضعيف وإن كان في ذلك خروجٌ عن القانون الدولي وعن الأعراف الدولية. والقوي يستطيع ألا يفي بعهوده وألا يحترم ما تم الاتفاق عليه بعد سنوات من المفاوضات والبحث عن الحلول الوسطى. والقوي هو الذي لا يتفاوض مع الآخرين إنما يُملي شروطه عليهم وليس أمامهم سوى الإذعان.
منطق واضح ولا لُبس عليه، ورسائله واضحه لا غُبار عليها: على الجميع الاحتكام إلى القوة، وعلى رأسها القوة العسكرية. البلدان التي لديها ما تُدافع به عن نفسها تستحق البقاء، والأخرى الضعيفة والمُشتَّتة والتابعة، عليها الرضوخ للأوامر وتنفيذ قرارات الأسياد. ليس هناك أوضح من هذا المنطق الذي تريد أن تفرضه الدولة الأقوى في العالم على الأقل عسكريا، الولايات المتحدة الأمريكية، مُلغية في وضح النهار تلك الشعارات التي لم تتوقف عن التبشير بها، كالديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون والقيم الكونية وأحيانا حتى الأخلاق.
كل هذه العناوين ينبغي أن يُدرِك العالم أنه لا معنى لها اليوم، وعليه أن يتسلَّح بمنطق القوة إذا أراد أن يبقى ويحاور ويُسمَع ويُدافع عن حقوقه. ولقد أدركتها كوريا الشمالية قبل سنوات وأعلنت وحدها تحدِّيها لمنطق القوة الأمريكي وقامت بتفجيراتها النووية غير مُكتَرِثة بأحد. وها هو الرئيس الأمريكي الرافع للواء البقاء للأقوى يُلاطف هذه الدولة التي كانت قبل أشهر فقط زعيمة “محور الشر”، ويتحادث مع زعيمها محادثات الند للند، لأنه سبق أن أعلن هو الآخر انتسابه إلى منطق القوة وأصر على ذلك.
أما الإيرانيون الذين أخذوا بعين الاعتبار رأي المجتمع الدولي، وابتعدوا عن التصعيد، وأكدوا مرارا وتكرارا سلمية برنامجهم النووي، بل والتزموا بالشروط الدولية التي تم الاتفاق عليها، ولكن ها هم يجدون أنفسهم يعيدون طرح السؤال على أنفسهم: لِمَ لَم نفعلها مثل كوريا الشمالية؟
إنها بحق مخاطر مُحدِقة بالمجتمع الدولي جراء رعاية الرئيس الأمريكي الحالي في هذه المرحلة بالذات لمنطق القوة على حساب منطق السلم والحرية وحقوق الإنسان كما كان ذلك عند النشأة الأولى لهذا البلد القاري. أليست أمريكا هي التي تكرست فيها الديمقراطية ونادى رئيسها ولسن بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وارتبط كل وجودها بمبدأي الحرية وسيادة القانون؟
أين نحن من كل هذا اليوم وقد أصبح الجهر بالقوة مُباحا، وطلب الجزية من الضعفاء قانونا، والإطاحة بالمخالفين في الموقف مبدأً؟ إلى أين نحن سائرون وقد أصبحت أكبر دولة في العالم تتصرف بمنطق أنه عليك أن تدفع “المال” مقابل سلامتك وإلا فإنك ستموت؟ إنها أسئلة مخيفة بحق وتمنعنا من التمسك بما بقي لدينا من فسحة أمل أن نكون ذات يوم في مستوى هذا البلد الحر إن استمر حرا.

مقالات ذات صلة