الرأي

إهانة مزدوجة للسلطة التشريعية

حبيب راشدين
  • 1474
  • 5
ح.م
السعيد بوحجة

لحظة كاشفة لعيوب نظام الحكم في الجزائر جاءت في الوقت بدل الضائع، في صيغة غضبة مركّبة لنواب الموالاة، فُجِّرت في وجه رئيس المجلس الشعبي الوطني السعيد بوحجة تطالبه بالاستقالة الفورية، و”تهدد” السلطة بتعطيل أشغال دورة ستنظر في بحر أسابيع في آخر مشروع قانون ميزانية في العهدة الرابعة.

قد يحسن بنا ابتداء ألا نخوض مع الخائضين في الأسباب التي دفعت حزبي الموالاة المالكة للأغلبية وبعض الحزيبات الموالية للموالاة، لأنها تبدو واهية حتى مع التسليم بحقيقة ما نُسب للسيد بوحجة من سوء إدارة للغرفة السفلية، وقد شاب على ما شبَّ عليه سلفُه من الرؤساء الثمانية المعيَّنين بنفس الطريقة من رأس السلطة التنفيذية، قبل تزكيتهم بتصويت صوري يمنحهم الولاية ولا يملك حق سحبها.

ويحسن بنا أيضا ألا نماحك كثيرا مع من يدافع عن موقف السيد بوحجة، بحجة أن طلب النواب مخالفٌ للدستور الذي صرف النظر عن افتراض حصول حالة صراع غير قابل للتسوية بين رئيس المجلس وأغلبية واسعة من النواب، لأن سكوته يمنح الفرصة للطرفين: من جهة الدفع بحق من انتخب في سحب الثقة أو الدفع بحق المعني في التمسك بالمنصب حتى نهاية مدة الولاية.

الحاصل أن الحادث كشف عن عورة مؤسسة تشريعية لا تملك قرارها، وقد زعم السيد بوحجة أن الرئيس وحده يملك حق دعوته للاستقالة، ليحكم بذلك على أن المجلس هو محض ملحقة وتابع لرئيس الجهاز التنفيذي، حتى وإن كان أركانُ جبهة التحرير يزعمون أن التعيين تمَّ تحت قبعة الرئيس الشرفي للجبهة وليس قبعة رئاسة الدولة، ليكون العذر هنا أقبح من الذنب، لأن ذلك يوحي أن رئيس الحزب المالك للأغلبية يمتلك سلطة فوق سلطة أغلبية ساحقة من النواب.

وقبل أن نساق مثل “نعاج بانورج” حقّ علينا أن نذكِّر النواب الغاضبين أن الفرصة كانت بين أيديهم لحظة تمريرهم لآخر تعديل للدستور، باقتراح تصحيح للخطأ، والمطالبة بإزالة اللبس والغموض الدستوري المتعمَّد، الذي عزز هيمنة الجهاز التنفيذي على مؤسسة تشريعية يحكمها رئيسٌ يعينه رئيس الجمهورية أو رئيس حزب، والقاعدة تقول إن من يعين يملك سلطة العزل.

الحادث يملي علينا حتما استشراف ما وراء الأكمة، لأن حزبي الموالاة ما كانا ليتحركا على قلب رجل واحد لترحيل رئيس مجلس عينه الرئيس المدعوِّ له من الطرفين بعهدة خامسة، لو لم تأتهم إشارة خضراء من جهة آمرة، كان بوسعها أن تدبر الإقالة بعيدا عن الأضواء الكاشفة، وليس من مصلحتها على كل حال تعطيل أشغال الغرفة السفلية أسابيع قبل موعد مناقشة آخر مشروع قانون للمالية في العهدة الرابعة.

ولأن الجهة الآمرة هي بالضرورة الجهة التي يزعم السيد بوحجة أنها تمتلك حصرا حق الإقالة أو الدعوة إلى الاستقالة، ولأنه يصعب تصور حصول حالة من الانتفاضة لحزبي الموالاة والمجازفة بمشاغبة الرئيس، فإن ما بقي لنا لا يكفي حتى لتعضيد فرضية مناورة صرفة تريد منها السلطة إشغال المشهد السياسي وتلهية الرأي العام بزوبعةٍ في فنجان، حصيلتها في النهاية سوف تكون: إما بإهانة رئيس المجلس بصدور دعوة للاستقالة من الجهة المخولة، أو بإهانة أغلبية النواب من أحزاب الموالاة برفض طلب النواب، وكلاهما فيه إهانة لهذه المؤسسة الساقطةِ في عين السلطة حتى قبل أن تسقط في أعين المواطنين.

مقالات ذات صلة