الرأي

“إيبوسي”.. نحن قتلناك

هل ينفع الندم.. هل ينفع الاعتذار.. هل ينفع الشجب والتنديد.. بل هل ينفع العقاب؟

أسئلة طرحها الجزائريون مباشرة بعد أن بلغهم خبر مقتل لاعب كرة من الكامرون، سافر إلى بلاد كرة القدم الجزائر، لينشط مع أكبر ناد في البلاد حصد الألقاب المحلية والقارية وكان مفخرة رياضية على مدار عقود؟ 

وقبل أن يجيب الجزائريون عن هذا السؤال المعقد، يصدمهم سؤال آخر، يدحرجهم نحو متاهات وطلاسم، وهو من الجاني في قضية مقتل لاعب الكرة الكاميروني؟

فقد تهاطلت الحجارة دائما على ميادين الكرة، وبلغت الأخلاق الحضيض، وأصبحت الملاعب مناطق خطيرة، من دخلها فهو بالتأكيد غير آمن، وصار الموت أقرب من الألقاب بالنسبة إلى المناصرين، وحتى اللاعبين في بلد لا يفرح إلا بمقابلات كرة القدم، وصار لا يبكي إلا في مقابلات كرة القدم، وسيكون من العبث أو الضحك على الذقون لو اكتفينا بمعاقبة الجاني المتسبب في مقتل اللاعب الكامروني، من دون أن يكون له شركاء بل شعب من المتهمين في كل مكان، مارسوا إجرامهم مع سبق الإصرار والترصد.

بعيدا عن الإساءة التي طالت الجزائر بعد مقتل لاعب كرة إفريقي على ميدان مخصص للعب وليس للنزال، وبعيدا عن كون الحادثة فريدة من نوعها في العالم، وقد تنسف ما بني لعدة سنوات، فإن المسؤولية مشتركة، لأن الذين افتخروا دائما بالقول بأن الجزائر تمتلك أحسن جمهور كرة في العالم، عليهم أن يغيروا رأيهم، لأن الملاعب المحرّمة على أفراد العائلة الواحدة، والتي يموت فيها المتفرجون واللاعبون، لا يمكن إلا أن نخرجها من عالم لعبة، وُجدت لتسلي الناس، وتروّح عنهم، وليس لتفقدهم أرواحهم.

عندما حقق المنتخب الجزائري إنجازاته المعروفة في كأس العالم بالبرازيل، أصرّ غالبية الجزائريين على أن أسبابا كثيرة، اجتمعت لأجل تحقيق هذا الإنجاز، من لاعبين غالبيتهم من المهاجرين أدركوا بأن الشعب الجزائري لا يتنفس سوى الكرة، وجمهور ضحى دائما بدنياه وحتى بدينه من أجل انتصارات الكرة، وأموال صبّتها الدولة كما لم تفعل مع قطاعات أخرى، واهتمام شعبي ورسمي، جعل من أفراح الفوز كأفراح الاستقلال، والآن عندما انقلب المشهد إلى أحزان بعد مقتل اللاعب الكامروني، على الجميع تحمل مسؤولياتهم، لأن الحجر المقذوف من كف شاب أو مراهق، إنما كان محمولا بأكف متفرجين ورؤساء أندية ومدربين ولاعبين ومنظومة رياضية واجتماعية حوّلت العنف إلى أسلوب حياة بالنسبة إلى الجزائريين، الذين ما صاروا يعملون إلا بالاحتجاج، ولا يسكنون إلا بالاحتجاج، ليكتشفوا بعد الحادثة، أن حرب الحجارة التي يمارسونها في ملاعب الكرة، إنما هي حرب على الذات، لا منتصر فيها، وجميعنا فيها خاسرون، واكتشفوا بأن شعوب العالم قد سبقتهم بمسافات ضوئية عندما حوّلت ملاعب الكرة إلى مسارح، يشدون إليها الرحال كما يشدونها إلى المسارح التي تقدم الموسيقى الكلاسيكية، ومعرض اللوحات الزيتية، بينما كانت عندنا ومازالت.. أشبه بالمقابر.. بل إنها مقابر؟

مقالات ذات صلة