العالم
رئيس المركز الدولي لحوار الحضارات الزيتوني لطفي الشندرلي لـ"الشروق":

اتحاد القرضاوي “جهاز سري”..والنهضة استعمرت المساجد في تونس!

عبد السلام سكية
  • 4276
  • 23
ح.م
لطفي الشندرلي وسط الصورة

يقدم رئيس المركز الدولي لحوار الحضارات في تونس الزيتوني لطفي الشندرلي، إحصائيات صادمة عن المستوى التعليمي للأئمة في بلاده، بالقول إن ثلثهم لا يتعدى مستواهم التعليمي الابتدائي، ويرمي الشندرلي في هذا الحوار مع الشروقالاتحاد العالمي للعلماء المسلمين لصاحبه يوسف القرضاوي بتهمة الإرهاب، وعن حركة النهضة فيقول إنها استعمرت المساجد وسخرتها للدعاية لها، وبالمقابل يثني على التحول الحاصل في السعودية.

يتم تداول بعض المعطيات عن المؤهلات العلمية للعاملين في المجال الديني والدعوي، هل من معطيات في هذا الخصوص، وما الأثر الذي يمكن أن يحدثه وجود أئمة ذوي مستوى تعليمي ضعيف؟

الحقيقة أن وضعية الشأن الديني متدنية، وتذكر إحصائيات حديثة تخص أئمة المساجد، أن66 بالمائة لهم مستوى تعليمي سنة سادسة ابتدائي وبكالوريا، و34 بالمائة جامعيون من اختصاصات عامة، منهم 6 بالمائة مختصون، والآخرون بعيدون كل البعد عن الشأن الديني.
وتفيد الإحصائيات الرسمية بأن 5470 بين جامع ومسجد بكافة الجمهورية التونسية بغض النظر عن الذين لم يتحصلوا على الترخيص القانوني وعددهم كثير، فهذه المنارات يؤمها أئمة لا يقدرون على مواجهة التطرف.
ففي عصر التكنولوجيا والعلم لا يزال الشأن الديني في تونس هزيلا أمام ظواهر عدة تنخر المجتمع من فكر متطرف تغلغل في عقول الشباب الحائر الذي لا يفقه من الدين شيئا فيقع فريسة سهلة في أيادي المتطرفين.
والغريب هو صمت وزارة الشؤون الدينية عن هذا المستوى المتدني والضعيف مع انتشار ظاهرة التطرّف المركبة المعقدة، وأسبابها كثيرة ومتنوعة، ومتداخلة، فمن هذه الأسباب ما هو ديني، ومنها ما هو سياسي، منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو فكري، ومنها ما هو خليط من هذا كله أو بعضه، إن العوامل التي تؤدي للتطرّف متداخلة منها، ضعف البصيرة بحقيقة الدين، حيث إن ادّعاء العلم وظهور أنصاف المتعلمين، الذي يظن صاحبه به أنه أعلم الخلق، وهو يجهل الكثير والكثير، فهو يعرف بما لا يعرف.

هل هذا المستوى الذي تصفه بالضعيف والمتدني قد ساهم في إفراز جيل من الشباب المتطرف، ونشير هنا إلى حالة الشابة التي فجَّرت نفسها في قلب العاصمة الأسبوع الماضي؟

إنّ غياب العلم الشرعي المعتدل، قاد إلى غياب الوعي الديني والفهم العميق للنصوص الشرعية، وتلقي العلم من غير المتخصصين، أدى إلى الخلط والفوضى في المفاهيم، وبالتالي انعدم الوسط الثقافي الديني السليم في المجتمع، كل ذلك أدى إلى خلق وسط بديل للشباب، يشبعون فيه أهواءهم ونزواتهم فضلا عن الإحباط والتهميش والفقر كل ذلك أدى بهم إلى الارتماء نحو الغلو والتشدد فاستقطبتهم الأيادي الخبيثة المجرمة.
فاستحوذوا على عقولهم بشتى أنواع الوسائل الحديثة، ولقد كشفت التقارير أن هؤلاء مرتبطون بشبكات تدعوا حسب زعمهم إلى الجهاد في سبيل الله والله منهم براء فالإسلام دين رحمة.
إن غسل الدماغ وعمليات الاستقطاب التي يقوم بها هؤلاء عبر خطبهم وكلامهم، العاطفي يقع فيها السذج وبسطاء التفكير بدعوى الجنة وحور العين ورضا الله كلام يؤثر فيهم طبعا لحماقتهم فالأصل هو يخادعهم بما يقول ومن وراء ذلك حثهم للذهاب للمحارق والموت المقيت باسم الجنة التي عرضها السماوات والأرض أعدت لهم وهو لا يدري أنه تجارة تلاعبت به سماسرة الموت.
لهذا يجب أن يتم تكوين الخطباء والوعاظ والمرشدين تكوينا دقيقا لإيصال خطابهم للشباب، ويجب إعادة النظر في أئمة المساجد لا بد من إعادة النظر فيهم.
لا بد من إعادة جامع الزيتونة ودوره الفعال في نشر العلم وروح الوسطية والاعتدال، وإعادة العلماء الذين تم إقصاؤهم لأنهم أحرار، وليست لهم توجهات سياسية معروفة.
إن الزيتونة تئن وتشكو ربها من الجهل والتهميش الذي أحيط بها، فقد أصبح منبر الخطابة بوقا يسوق لنا الوهن والاستكانة ويعلمنا الخوف ويزايد على وطنيتنا ويقلب لنا الأمور وكأننا أطفال بين يديه فالخطاب السياسي (النهضة) أخذ مكانة كبيرة، حتى تحول مرتعا للضعفاء نحن نضع نصب أعيننا كلام الله جل وعلا ففي سورة الجن يقول تعالى وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا.
إن الإصلاح لا يأتي بالدمغجة والخبث الفكري فشبابنا ولى مدبرا ولا يسمع لهذه الخطابات المحشوة التي وراءها مناصب سياسية ومآرب دنيوية، شبابنا اليوم شباب مثقف أمامه الأنترنت والتكنولوجيا ولا تنطلي عليه هذه الأساليب نريد إصلاحا جذريا يتماشى مع شبابنا نريده أن يسمعنا. نريده بين أيدينا. لا نريده ضحية قوارب الموت والمخدرات والتطرف والإرهاب.

ما الذي تحقق في الجانب الديني والخلقي في تونس، بتواجد حزب ذي مرجعية دينية، نقصد بذلك حركة النهضة؟

إن أول حجة بالغة نناهض بها الإسلام السياسي هي آية عظيمة من كتاب الله “وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا” أما الحجة الداحضة فهي الدستور، ففي الفصل السادس نجد أن الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينيّة، حامية للمقدّسات، ضامنة لحياد المساجد ودُور العبادة ـ عن التوظيف الحزبي، ويُحجّر التكفير والتحريض على العنف”.
بدأ الإسلام السياسي من حركة النهضة بتوظيفها لبيوت الله سنة 1969 وكانت تسمى بالجماعة الإسلامية، حيث استغلت بيوت الله لنشر دعوتها المزعومة واستمرت هكذا إلى سنة 1972 فغيرت اسمها بالاتجاه الإسلامي، حيث استقطبت العديد من الذين يسمون أنفسهم دعاة فاستغلوا المساجد. لتكون لهم مأوى للتأثير على الشباب والانفراد بهم في دعوتهم الجديدة وفي سنة 1981 إبان الثورة الإيرانية كثفت هذه الحركة من تواجدها في بيوت الله حيث الاجتماعات وخاصة إثر صلاة الصبح فحولوا المساجد إلى منابر سياسية حينها كانوا متأثرين بالثورة الخمينية.
وفي سنة 2011، اندلعت الثورة المزعومة ورحل الطاغية فخلا لها الجو فباضت وفرخت وأنبتت أدعياء الدين (أنصار الشريعة) فانتهكوا حرمات الله، وحولوا المساجد إلى ثكنات وافتكوا منابرها وعاثوا فيها. فسادا إلى أن دحروا دون رجعة فلا تأس عليهم، إنهم إرهابيون مجرمون، وفي شهر أكتوبر سنة 2011، جندت المنابر لدعوة المصلين لانتخاب حركتهم السياسية مستغلين منبر الجمعة لمآربهم السياسية مستخفين ببيوت الله، واليوم زحفوا على جامع الزيتونة المعمور وعينوا إمام خمس حكم عليه بعشرين سنة في حادثة باب سويقة.

أنت واحد ممن ركب موجة اتهام الاتحاد العالمي للمسلمين بالإرهاب، أولا الإرهاب تهمة مطاطية وكل جهة يمكن أن تستعمل هذه التهمة لتصفية حساباتها مع خصومها، ثانيا، تصنيف الاتحاد من قبل أنظمة خليجية مرده لخلاف سياسي، ونحن نذكر أن الشيخ يوسف القرضاوي قد تم استقباله بحفاوة من طرف السعودية ومفتي المملكة، على أي أساس استندت في توجيه الاتهام للاتحاد؟

إن فرع ما يسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تونس جهاز سري دعوي لحركة النهضة، ولهذا أضم صوتي إلى صوت الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب في اعتبار اتحاد القرضاوي منظمة إرهابية.
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين منظمة إرهابية، كما أعلنت عنه الدول الأربع، السعودية والإمارات ومصر والبحرين، وقد تأسس هذا الكيان سنة 2004 ولقي دعما من زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن وقطر، حسبما كشفت عنه وثائق الاستخبارات الأميركية، التي أكدت في حينه رسالة كتبها بن لادن بخط يده دعت إلى دعم إنشاء ما سمّاه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأعرب عن ثقته باستجابة قطر لتعليماته حول تبني المشروع وتمويله والإعداد لإنشائه. كما دعا بن لادن لتشكيل مجلس لتوحيد المسلمين وتطويره ليصبح حكومة على أن يكون فيما بعد نواة دولة القاعدة.

أنت تنكر على النهضة الانشغال بالسياسة، لكنك منخرط في النشاط السياسي، أليس حريا بكم، الدفاع عن قيم الإسلام، التي يتم قبرها من طرف الرئيس السبسي، ومواجهة الأفكار الشاذة التي بدأت تتصاعد في تونس كرفع التجريم عن المثلية، ونرى جمعية تدعو صراحة وعلنا لذلك “جمعية شمس”، إضافة إلى الجهر بانتهاك حرمة رمضان؟

نحن نقوم بعمل جبار لإرساء الفكر الإصلاحي والخطاب المستنير، إن من واجب العلماء العاملين احتضان الشباب ومد جسور المحبة بما يقضي على الفجوة القائمة بين كثير من الشباب وبعض العلماء، والتقارب سوف يؤدي دون شك لإفساح المجال أمام الشباب، لاستيعاب أحكام الدين على أسس صحيحة دون مزيد يدعو للغلو، ولا نقص يدعو للتهاون؛ حتى لا يكون الشباب فريسة سهلة لأدعياء العلم المزور، الذين يتربصون بهم فيتحولون في أيديهم إلى ما يشبه الأداة اللينة، التي يكيفونها كيف شاؤوا، ويضعون في أيديهم آلة مبرمجة حسب مخططاتهم الجهنمية.
ومن مقتضيات مسؤولية علمائنا الأفاضل تفنيد الادعاءات الزائفة، وكشف زيف أهل الباطل، وإرشاد الشباب الحائر والأخذ بأيديهم إلى المسلك الحسن والمنهج الوسط، منهج الاعتدال بعيدا عن التسلط والتشدد والغلو في الدين، وبعيدا كذلك عن الانحلال وعدم الاهتمام بالواجبات الدينية، مع صيانة عقول شبابنا من آثار الغزو الفكري المدمر.

كيف ترى التحول الحاصل في المملكة العربية السعودية، التي يعرف عنها أنها بلاد الحرمين، وأنها دولة جد محافظة؟

فتحت المملكة العربية السعودية أبواب الإصلاح على أكثر من واجهة وبشكل متسارع لتأكيد أنها ساعية للانفتاح على مقومات التطور في مجال الموسيقى والسينما والترفيه التي حرم منها السعوديون لعقود تحت وقع سيطرة جهات تطبّق قراءات متشدّدة للدين، على المؤسسات التعليمية والإعلامية.
وتعتزم المملكة تحويل رؤيتها الجديدة في الانفتاح والإصلاح إلى مشاريع ومنجزات على أرض الواقع سترصد لتنفيذها ميزانيات ضخمة، بالتوازي مع تهيئة الأرضية النظرية اللاّزمة لذلك من خلال تنقية ما علق ببعض المؤسسات من أفكار ومناهج عمل لم تعد تتناسب وتطوّرات العصر، وهذا التطور والانفتاح نباركه ونزكيه.

وماذا عن اعتقال الدعاة والمفكرين؟

إن الاعتقالات جاءت لإحباط “خطة متطرّفة” كان هؤلاء الأشخاص يعملون على تنفيذها، بعد تلقيهم تمويلات مالية من دول أجنبية، كما أن عددا منهم كانوا يعملون مع دول أجنبية، ويتلقّون تمويلا من أجل زعزعة استقرار السعودية”.

الغالب في تونس والجزائر أن المذهب المالكي هو الشائع، في السنوات الأخيرة تحذر الحومة الجزائية مما تسميه نحلا ومذاهب تترصد بعقلية الجزائريين، كالأحمدية مثلا، وميول بعض الشباب إلى التيار المدخلي، هل تملك نفس التخوف الذي تعبر عنه الحكومة الجزائرية؟

أدعو كافة علماء الأمة لكشف وفضح هؤلاء، والانتباه في ظاهرة الأحمدية لكن ما أراه جديرا بالملاحظة وحريا بالاهتمام هو البحث في جذور نشأة تلك الحركات، وكيف وجدت في البيئة الإسلامية تربة خصبة لنشر أفكارها، مع أنها حركة في لبِّها وحقيقتها وفي ظاهرها وعلانيتها مناقضة لثوابت الدين، مصادمة لحقيقته، فالأمة مجمعة إجماعا قطعيا يقينيا على أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وكل دعوى النبوة بعده فهي ضلال وهوى، هذا غير بدعهم الكفرية الأخرى.

مقالات ذات صلة