الرأي

احشموا..!

جمال لعلامي
  • 766
  • 1

دعوة وزير الداخلية، أعوان الإدارة إلى التخلي عن البيروقراطية وتغيير ذهنياتهم البالية في التعامل مع المواطنين، هي في الواقع تشخيص لا يختلف حوله اثنان ولا تتناطح بسببه عنزتان ولا “عتروسان”، فيكفي لأيّ كان أن يقصد أقرب مصلحة إدارية ليقف على البيروقراطية تزحف على بطنها، والاستفزاز يمشي على كعبتي رجليه!
في البلديات ومصالح الدوائر والولايات، وبمكاتب البريد، والضرائب والبنوك، وفي المستشفيات وشبابيك التأمينات وفي كلّ مكان، تقريبا، لا صوت يعلو فوق صوت البيروقراطية، لعنها الله، وأخزى معها الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الإداريين ويوعز لهم بمرمدة المواطنين وبهدلتهم!
هل يُعقل أن تتحوّل شبابيك إدارية، من المفروض أن أعوانها جالسون لخدمة المواطنين وتسوية مشاكلهم ودراسة ملفاتهم، إلاّ أن بعضهم ينشغل لأوقات طويلة في الكلام الزائد، في عملية احتيالية مفضوحة ومقصودة لسرقة الوقت وتعطيل الناس، وصناعة اليأس والغموض في نفوسهم، وأحيانا دفعهم إلى الاحتجاج و”كره” كلّ شيء بسبب تصرفات حمقاء!
المصيبة أن هذه الحماقة، انتقلت من أفراد إلى جماعات، وبعدما كانت أفعالا مخلة ومعزولة وشاذة، أصبحت أو تكاد تصبح فعلا عاما و”عموميا” يقتدي به المتعلم والكفء والمسؤول، وهذه واحدة من “الجرائم” التي سمّنت البيروقراطية وجعلت منها أكبر “جاموسة” الجميع فيها يحلب والجميع “شاد المحلب”!
إن ما يحصل في الإدارات من استقبال مشين وإهانات وإساءات للمواطنين، من طرف أعوان ومسؤولي مصالح، يستدعي تحركا عاجلا، لأن ذلك تحوّل إلى “خطر على النظام العام”، فالعون الذي تمّ توظيفه ليقول للناس كلاما جميلا، حتى وإن لم يقض لهم مصالحهم، تحوّل إلى “عود كبريت” لإشعال النار، والتحريض على “خلاها”، عوض أن يكون رجل مطافئ!
هؤلاء المستفزون والمسيئون، هم في الأصل موظفون من الشرائح المتوسطة للمجتمع، لكن تغيّر مفاهيم الحياة، جعل منهم “أباطرة” يستغلون نفوذ المنصب والوظيفة، لابتزاز إخوانهم والضغط عليهم، حتى بلغ الأمر بهذا وذاك، أن يشتري ودّ و”معريفة” عون في البلدية أو البريد أو الولاية أو أيّ مصلحة إدارية أخرى، ليس من أجل مصاهرته، ولكن لقضاء حقّ تحوّل للأسف إلى “مزيّة”!
عندما يتحوّل الواجب المهني والوظيفي إلى “مزيّة”، من الطبيعي أن “يتعنتر” العون والمسؤول على المواطن المغلوب على أمره، ويعتقد في لحظة جنون وغرور، أنه لا يتقاضى أجره نظير هذه الخدمة الإلزامية المطالب بها، لكن هذه هي نتيجة البيروقراطية التي غوّلت البعض وجعلت منهم آلات بشرية لا تستحق، بل لا تفهم حتى معنى كلمة “صباح الخير”!
نـُشر في 22 أكتوبر 2018

مقالات ذات صلة