-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

احشمو.. راكم تاكلو في الرّهج !

جمال لعلامي
  • 2369
  • 0
احشمو.. راكم تاكلو في الرّهج !

من أطرف ما سمع المستمعون، ما قاله والي العاصمة الجديد، مخاطبا الأميار: “احشمو راكم تاكلو في الرهج”، ومن نوادر التصريحات ان وزير الصحة قال أيضا مخاطبا مسؤولي القطاع: مارانيش حاب نسمع: ماكانش والله غالب.

هي تصريحات وتلميحات صادرة عن وال ووزير، وهي نموذج لبعض الضربات التي يوجهها بعض كبار المسؤولين لصغار المسؤولين، لكن، ماذا لو تمرّد “الأميار” مثلا على الوالي واتهموه باهانتهم والإساءة إلى منتخبي الشعب، بعدما قال لهم بالفمّ المليان وبـ “المفتشي”: راكم تاكلو في الرّهج؟

المشكلة، أن الرهج الذي يعني بالعربي الفصيح السمّ، لم يسمّم منذ عدّة سنوات إلا كمشة قليلة من الأميار وغيرهم من المسؤولين، فالمتابعات القضائية والأحكام بالسجن، لم تلاحق سوى قليل القليل من المتورطين والمتهمين، وهذا بطبيعة الحال، راجع إلى غياب الأدلة وتردّد الشهود، وأحيانا لأن الاتهامات هي مجرّد تصفية حسابات وبلاغات كاذبة  !

لم يختلف اثنان بالأمس، ولن تتناطح عنزتان، لا اليوم ولا غدا، حول تورط مسؤولين وأميارا في أكل “الرهج”، وهذا “الرهج” أشكال وألوان، ومن المتورطين من عملوا بالمثل القائل: الأشكال والألوان لا تناقش، ورغم التخمة التي أصابتهم من كثرة “الرهج” إلاّ أنهم واصلوا التهام الرهج من باب الأقربون إلى المناصب أولى بالمعروف !

المصيبة أن الفخاخ المنصوبة لـ “الفئران” لم تنصب، والأخطر من ذلك، أن الرهج لم يعد “يقتل” المولعين بأكل هذه السموم المنهوبة من خزائن الدولة والتي يتمّ جمعها بإبرام الصفقات العمومية والرشاوى و”التشيبا” والغشّ والتدليس والتزوير وتضخيم الفواتير.

عندما يحترف البعض من المسؤولين سواء كانوا أميار أو غيرهم، أكل “الرّهج” فهذا أمر مثير وخطير، لكن عندما يصبح “الرّهج” مشابها للجبن والكافيار والشوارمة، ويتسابق هؤلاء وأولئك على أكله بكلّ شهية دون خوف، فهذا هو الأخطر الذي يستدعي دقّ النواقيس !

تصريحات والي العاصمة ووزير الصحة، تلتقيان في المضمون حتى وإن اختلفتا في الشكل، فأكل “الرهج” تـُقابله لغة “ماكانش والله غالب”، لأن من يأكل الرهج سيبرّر فعلته بـ “ماكانش” أو “الله غالب” !

بحجة “ماكانش” تورط أميار ورؤساء مندوبيات تنفيذية وولاة ومسؤولين في مختلف القطاعات والأزمنة، في فضائح فساد ونهب، والكثير منهم لاحقته المحاكمات والمتابعات القضائية، ومنهم من دفع الثمن غاليا، حتى وإن اقتصرت الفاتورة على “التشهير به” في الصحافة.

عندما يتعايش ويتكيّف “المتذوّقون” مع أطباق “الرّهج”، فلا بدّ أن تستيقظ الضمائر ويصحو أصحاب النوايا الحسنة، قبل أن يظهر نوع من التجار والسماسرة والمستثمرين يسوّقون “الرهج” في رفوف المراكز التجارية، وفي نفس الأمكنة التي تـُعرض فيها المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك والمدعّمة أيضا من طرف الدولة، مثلها مثل الخبز والحليب !

المشكل أن تناول الرهج والإدمان عليه، تحوّل مع من لا يضرّهم الرّهج، إلى هواية وإبداع ورياضة، يُمارسونها بالجملة والتجزئة ويعملون على توسيع زبائنها، من باب إذا “عمّت خفـّت”.

لكن، الخوف، كلّ الخوف، أن يلجأ الطماعون إلى تعليب “الرّهج” في كارتونات والشروع في تصديره كسلعة “ماد إين ألجيريا”، أو يجنح الذين لا يقنعون فلا يشبعون، إلى تعبئة قفف رمضان بأكياس من الرّهج لـ “ترهيج” أكبر قدر ممكن من الضحايا وتمييع القضية بتحويل “الرّهج” إلى مادة لا تختلف عن الملح يعتقد البعض أنه سـ “ينوّر” في يوم من الأيام !

الأكل المستمر لـ “الرّهج” وإنشاد أغاني “ماكانش” و”الله غالب”، هي إحدى الأسباب العميقة التي جعلت الناقة “تبرك” على القطاعات والمشاريع التنموية، وتحوّلها إلى جثث هامدة لا حياة فيها ولا هم يحزنون، ولذلك يُصدر المنتفعون والمستفيدون “فتاوى” على المقاس تجيز وتحلّل أكل “الرّهج” من باب أن لحم “الحلوف” حرام ومرقه حلال !

نعم، الإدمان على “الرهج” لا يختلف عن الإدمان على الزطلة، ولذلك يصبح “المرهوج” رهينة للرهج حيثما رحل وارتحل، يبحث عنه ويخسر من أجله ويشتريه بأيّ ثمن، نظير شهوة عابرة أو اعتقاد خاطئ بأنه الضامن على استمرار الحياة !

سيصبح “الرهج” مميتا وقاتلا، وليس تجارة رائجة ومغرية، عندما تنته عقليه “ماكانش” و”الله غالب”، ويشمّر الناعس والتاعس بالعدل على سواعدهم، ويتيقن “المرهوجون” بأن لا فرق بين الرهج والسمّ إلا التسمية !     

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!