-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اعتماد‭ ‬سوء‭ ‬التسيير‭ ‬نموذجا

عابد شارف
  • 4738
  • 2
اعتماد‭ ‬سوء‭ ‬التسيير‭ ‬نموذجا

لا كأس عالم، ولا كأس إفريقيا للأمم. لا انتخابات رئاسية، ولا قضايا وطنية كبرى يمكن التجنيد لها. لا عنتر يحيى ولا رابح سعدان: إن السنة الجديدة لا توفر قضايا يمكن أن تدفع الحماس في الشارع الجزائري، ولا مواضيع جدال مثل مكانة فوزي شاوشي في حراسة مرمى الفريق الوطني لكرة القدم. ويوحي غياب المواضيع الشائكة بحلول سنة دون ملح، اللهم إلا إذا أبدعت الجزائر مرة أخرى في ميدان الفضائح، وإذا أكد الانقلابيون في جبهة التحرير قدرتهم الهائلة في تحريك جثة العمل السياسي في البلاد.

  • وإذا فشل كل هؤلاء في اختلاق أحداث سياسية يلهو بها‭ ‬الشارع‭ ‬الجزائري،‭ ‬فإننا‭ ‬سنضطر‭ ‬يومها‭ ‬للجوء‭ ‬إلى‭ ‬أطراف‭ ‬خارجية‭ ‬مثل‭ ‬ويكيليكس‭ ‬لتصنع‭ ‬لنا‭ ‬حدثا‭ ‬سياسيا‭ ‬نقتات‭ ‬منه‭ ‬خبزا‭.‬
  • لكن قبل أن اللجوء إلى الأطراف الخارجية، يجب أن نؤمن بالقدرات الوطنية التي أكدت أنها بلغت مستوى عاليا جدا لما يتعلق الأمر بصنع الفضائح وتبديد المال العام. وإذا كانت الجزائر قد فشلت في رفع مستوى النمو، وعجزت عن تحقيق طموحاتها السياسية والاقتصادية، فأنها أثبتت خلال السنة المنتهية أنها قادرة على المنافسة في أعلى المستويات لما يتعلق الأمر بالفساد. ولنتأكد من ذلك، يكفي أن نذكر أن الفساد وصل إلى أعلى هرم شركة سوناطراك، وأنه تم ذكر أعلى المسؤولين وأهاليهم، وأن المبالغ المذكورة في قضايا الرشوة المتعلقة بالطريق السريع‭ ‬شرق‮ ‬‭-‬‮ ‬غرب‭ ‬بلغت‭ ‬أرقاما‭ ‬خيالية،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2010‭ ‬إحدى‭ ‬أغنى‭ ‬السنوات‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬الفضائح‭.‬
  • وعرفت الجزائر خلال السنة المنتهية تكريسا وتعزيزا لسوء التسيير، حسب عبارة مسؤول سابق. وأصبح سوء التسيير المرفوق باللامبالاة من أهم خصال المسؤول الجزائري، خاصة لما يتعلق الأمر بالأموال العمومية. واعتاد المواطن على هذه الظواهر التي أصبحت قاعدة أساسية في التسيير،‭ ‬فأصبح‭ ‬لا‭ ‬يحتار‭ ‬ولا‭ ‬ينزعج‭ ‬أمام‭ ‬انتشارها‭.‬
  • ومع مر السنين، تعودت البلاد على أشياء غريبة وأصبحت تعتبرها عادية. فهذا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان يحتل الإذاعة والتلفزيون يوميا، ويصول ويجول في بلدان العالم خلال عهدته الأولى، ها هو اليوم يظهر مرة في الشهر في التلفزيون، قبل أن يختفي لأسابيع طويلة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يثير‭ ‬ذلك‭ ‬قلقا،‭ ‬رغم‭ ‬تأثير‭ ‬الظاهرة‭ ‬على‭ ‬تسيير‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭.‬
  • وأصبحت الحياة السياسية هادئة إلى أقصى حد، ولعله من الأصح أن نقل أنها منعدمة أو ميتة. فالوزراء يثرثرون ويقومون بالزيارات التفقدية دون أن يؤثر ذلك في ما يحدث في البلاد، بينما أعلن البرلمان عن استقالته السياسية والأخلاقية. أما الإدارة، فإنها أعلنت منذ مدة عن عجزها،‭ ‬فأصبحت‭ ‬تعيش‭ ‬بالولاء‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭ ‬ولا‭ ‬أقل‭.‬
  • رغم كل ذلك، يمكن أن نسجل بعض الإيجابيات القليلة، منها أن الانهيار المؤسساتي الذي يمكن أن يرافق الانهيار السياسي والأخلاقي، لم يحدث. إضافة إلى ذلك، فقد تراجع مستوى العمل الإرهابي إلى نقطة أصبح لا يقلق المواطن ولا الدولة، فارتاح المواطن بصفة عامة، وأصبح يتحمل‭ ‬أعباء‭ ‬الحياة‭ ‬بطريقة‭ ‬أسهل‭. ‬ونلاحظ‭ ‬كذلك‭ ‬تحسنا‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬المادي‭ ‬للعائلات‭ ‬الجزائرية‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬غير‭ ‬متكافئ‭ ‬وغير‭ ‬عادل‭.‬
  • لكن ما يميز الجزائر هو أن نوعية الحياة لم تتحسن رغم العودة النسبية للأمن ورغم تحسين الوضع المادي للكثير من العائلات. ولم تؤد هذه العوامل الإيجابية إلى انتشار الفرحة والابتسامة عند الناس. عكس ذلك، فإن العلاقات بين الناس، سواء في الشارع أو في أوساط العمل، تتميز بتوتر حاد، وغالبا ما تسودها الخلافات والمواجهات. و يكفي أن نشاهد كيف يسير ويتصرف الناس في الشارع، مع الفوضى والتصرف غير اللائق لكل من السائقين والراجلين، لنتأكد أن البلاد تعودت على سلوك شاذ وجعلت منه سلوكا عاديا.
  • وليس هذا ميراث سنة 2010 لوحدها، إنما جاء نتيجة لتراكم دام سنوات طويلة. ويبقى أن نعرف ماذا ستكون السنة الجديدة، هل ستشاهد مواصلة هذا التراكم السلبي، أم أنها ستحمل المحاولات الجدية الأولى للخروج من هذه الدائرة المفرغة. ولعل أحسن ما يمكن أن نتمناه مع بداية العشرية‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الجديد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الفشل‭ ‬والتجارب‭ ‬السلبية،‭ ‬لتدخل‭ ‬عالم‭ ‬الفكر‭ ‬والعلم‭ ‬والنقاش‭ ‬الجاد‭ ‬لفتح‭ ‬آفاق‭ ‬جديدة‭.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • الثابتي

    الذي يحيرني انا الجزائري الغيور على وطنه كيف ان الفشل و الفساد مس كل قطاعات الحياة في الجزائر و الكل يتفرج ، حكاما و محكومين ، و كأن هذه الجزائر لغيرهم ! اين سيف الحجاج الذي قيل لنا عنه ؟ اين حب الوطن والغيرة عليه ؟ اين العهد الذي قدمناه للشهداء الذين قدموا ارواحهم من اجل ان تعيش الجزائر في جو القيم و العفاف والمحبة و التضامن ؟ كيف نواجه هؤلاء الشهداء يوم القيامة امام الله و نحن خنا العهد حاكمين و محكومين ؟؟
    و الله اني احب ديني و امجده و احب وطني حبا جما و لم يسبق لي ان اسأتُ اليه و كم اكره المنافقين الذي يقولون ما لا يفعلون !!!
    الله المستعان .
    {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }النساء173

  • SM

    ou est passé l'article sur wikileaks Algérie