-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اعطني‭ ‬حريتي‭ ‬أطلق‭ ‬يدي‭…‬

أمين الزاوي
  • 4743
  • 18
اعطني‭ ‬حريتي‭ ‬أطلق‭ ‬يدي‭…‬

لقد أصبح العالم عاريا، مكشوف التفاصيل تحت عيون الرقباء التي لا تنام والمدججة بالتكنولوجيا الرقمية والافتراضية وما قد لا يخطر على خيال، لا شيء أضحى خافيا أو مستورا أو مستترا، عين الكبير تراقب كل شيء، ما يتحرك وما لا يتحرك.

  • ومن جراء هذا الحال أصبحت حياة الفرد الخاصة عرضة لجميع الاختراقات، أينما اتجه وفي أي وقت وفي أي مكان إلا وتلاحقه كاميرات الرقابة المنصوبة بهمجية معاصرة في الشوارع والمطارات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وفي الأسواق وملاعب كرة القدم والسلة واليد وفي محل الحلاقة للنساء والرجال أيضا وعند باب المساكن ومواقف السيارات والقطارات والحافلات العامة وفي غرف الفنادق وردهاته وفي المراحيض العمومية، كل شيء مسجل بالصورة الملونة وموثقة بالدقيقة والثانية وبالمكان بلدا ومدينة وحيّا وشارعا وزاوية.
     كل شيء أصبح عاريا، معرضا للانتهاك، حديثك مسجل وهاتفك مراقب على مدار الساعة ساكتا أو متكلما، مستقبلا أو باثا، والمكالمات الهاتفية مسجلة بالثانية وبمكانها وبنوع ورقم الجهاز الذي به تتحدث ومع من تتحدث.
    الحياة الشخصية اندثرت، اغتيلت، الحميميات التي كان عسلها في وشوشتها وفي ثنائية الأذن المقصودة واللسان الدافئ المتكلم، ما عادت هذه الحميميات حميميات وأنت تعرف أن هناك أذن غريب رقيب تتنصت على جملة غزل رقيق دافئ تقولها لمن تحب، ما عادت مواعيد الغزل مواعيد ولا مواعيد‭ ‬المناضلين‭ ‬السياسيين‭ ‬مواعيد،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مكشوف‮ ‬ومعروض‭ ‬للعامة‮ ‬ولرجال‭ ‬مخابر‭ ‬التحليل‮ ‬وشرطة‭ ‬الملاحقات‭.‬
    كل شيء خاص وفردي أصبح عرضة للهتك والتشريح والتبريح والتفرج والفرجة، يمشي الفرد في الشارع ملاحقا كالمجرم، يتكلم عن السماء الغائمة أو الشجرة الذابلة أو الطفلة المريضة أو الحافلة المعطلة أو المتأخرة وكأنما يتحدث عن الدعوة لإسقاط النظام أو تكوين حزب أشرار خطير‭ ‬أو‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬شن‭ ‬حرب‭ ‬نووية‭ ‬أو‭ ‬كيماوية،‭ ‬كل‭ ‬لغتنا‮ ‬ولغونا‭ ‬مشكوك‭ ‬فيه‮ ‬ومعرض‭ ‬للتهمة‮ ‬والتأويل‭. ‬
    من جراء هذه العيون والآذان التكنولوجية المنصوبة في كل مكان أصبح المواطن البسيط مجرما اسمه على جميع لوائح المطلوبين، من لوائح المخافر الصغيرة إلى محكمة أمن الدولة إلى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي في الأراضي المنخفضة.
    تمشي في الشارع فتشعر أن جيشا من الكاميرات المعقدة التكنولوجيا تحاصر خطوك وتتبعك عيونها في كل اتجاه، فتشعر بالعري وأنت في لباسك، تشعرك كأنك مقبل على ارتكاب جريمة شنعاء وأنت الذاهب إلى عملك كأي مواطن مهذب و”ولد فاميليا”، تتساءل عن أي ذنب ترتكبه أو ارتكبته وأنت‭ ‬الذي‭ ‬تختار‭ ‬ممشاك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تطأ‭ ‬قدماك‭ ‬نملة‭ ‬أو‭ ‬نبتة‭.‬
    لقد أضحى هذا العالم عاريا وصودرت فيه جميع الحريات الشخصية، وحاصروا حتى هواء التنفس وفتشوه قبل أن يدخل الرئتين، ما عاد هناك سر يحمله الإنسان إلى فراشه ليخفيه تحت وسادته، حتى الوسادة ما عادت وسادة قد يطلع من تحتها أو من حشوها رقيب يسجل الأحلام الخطيرة على أمن‭ ‬الدولة‮ ‬وعلى‭ ‬الدين،‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬في‭ ‬السلة‭ ‬أسرار،‭ ‬لقد‭ ‬أضحت‭ ‬متفشية‮ ‬ومتداولة‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬الرقابة،‭ ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬المواطن‭ ‬يعيش‭ ‬تحت‭ ‬أضواء‭ ‬كاشفة‭ ‬دائمة‭ ‬كما‭ ‬فئران‭ ‬المخابر‭.‬
    ‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المنتهكة‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬حرية‭ ‬فردية،‭ ‬أتساءل‭: ‬هل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬عالية‭ ‬الدقة‭ ‬جاءت‭ ‬لتحقق‭ ‬الحرية‭ ‬الفردية‭ ‬أم‭ ‬لتصادرها؟‭ ‬هل‭ ‬جاءت‭ ‬لتحقيق‭ ‬السعادة‭ ‬أم‭ ‬لتعميم‭ ‬التعاسة‮ ‬والخوف‮ ‬واللاثقة؟
     ‭  ‬aminzaoui@yahoo‭.‬fr‭ ‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
18
  • كوكو

    ...أنت بارع و ذكي سيد زاوي،فالعنوان في واد وخاطرتك في واد آخر،ذكرتنا بملحمة الشاعر الرومانسي"إبراهيم ناجي"وقصيدته"الأطلال"التي كتبها قبل أكثر من نصف قرن،
    تغنى فيها بالحب والغرام بين الكؤوس المترعة،ظمنها كل ما جادت به قريحته من
    عشق وعاطفة ووجدان،مما جاء فيها:
    يا فؤادي رحم الله الهوى**كان صرحا من خيال فهوى
    اسقني واشرب على أطلاله**واروِ عني طالما الدمع روى
    ومن الشوق رسول بيننا**ونديم قدم الكأس لنا
    هل رأى الحب سُكارى مثلنا
    وانتبهنا بعدما زال الرحيق**وأفقنا ليت أنا لا نفيق...
    خمر وليالي حُمر وعشق

  • حسام

    السلام عليكم كلام الزاوى كلام مبالغ فيه جدا فلا يستطيع البشر مهما تطور ان يراقب كل شيء مهما يفعل ومهما يحاول فانه يصل الى قليل من كثير ويفته كثير من قليل الله وحده اللذى يعلم كل شىء

  • كوكو

    النهاية..التخفي و العمل في الظلام مثل الخفافيش ديدنهم،والجوسسة ومتابعة كل صغيرة وكبيرة تحدث في العالم(خاصة الإسلامي)عقيدتهم،فنصف تكنولوجيا الأقمار الصناعية التجسسية الأمريكية هي في خدمة الكيان الصهيوني(تذكروا الإغتيالات منذ
    القرن الماضي بدءا بالمهندس"يحي المشد" و"زهير البوشيخي"إلى"خليل الوزير"و"أبو نضال" و"عماد مغنية"إلى"المبحوح"والقائمة طويلة..موضوعك عام يا سيد زاوي لم تحدد فيه مفهومك للحرية وإطلاق اليد،والجهة المتهمة بمصادرتهما،ربما اعتمدت التورية لتخفي حقيقة ما تبغيه وراء موضوعك،أنت ذكي وبارع

  • علي

    شكرا لك على كل ما تكتبه و انا واحد من ألاف الأشخاص الذين يقرؤن لك .

  • كوكو

    تابع..ولاأراهم إلا اليهود الذين تنطبق عليهم أطوار الفلم تماما،بفضل التكنولوجيا التي وظفهاالمخرج carpenterوفاقت الحدود،فاختياره شكل القردة لهؤلاء الغزاة الدليل الأول(مسخ الله اليهودقِردة حين خرجوا عن إرادته)،واستعمال تكنولوجيا الإعلام
    والإتصال الدليل الثاني(جل القنوات الفضائية و الشركات السينمائية والمواقع ووسائل
    الإتصال المختلفة بأيديهمFOX,COLUMBIA,MGMوغيرها)،جمع المال والإستحواذ السلاح الدليل الثالث مذ وجدوا(3/4الفلم معارك وتراشق بسلاح متطور)،التخفي والعمل في الظلام مثل الخفافيش ديدنهم والجوسسة

  • سارة

    كنت و لازلت أسعد دائما بقراءة كتاباتك أنت حقا مميز بتفكيرك و نظرتك إلى الأمور لكن ألا ترى أنه رغم كل ما ذكرتك لا نزال نرى تفشي الجرائم و الإعتداءات دون وجود أي أثر ظاهر لهذه الكاميرات و أجهزة المراقبة

  • bone

    يا سي الزاوي هذا موجود في اوروبا و امريكا تلك الدول التي من حقها حماية المستوى الذي وصلت اليه بجهد جهيد، والدليل على ما اقول بأن هذه الاجراءات قلصت من عدد الاعتداءات والسرقات على المواطنين لذلك لا تنظر الى الجانب السلبي
    مشكلتكم انتم ناس الأدب انكم ترو الامور بنمظور ذاتي عاطفي لا اكثر .روح جرب بات البرة في اوروبا راه واحد مايدور بيك واذا صراتلك حاجة في أقل وقت ممكن يرجعلك حقك. عكس ما يعيشه الشعب الجزائري في دارو قافل على روحو وخايف .
    .

  • نجيب

    الان ومنذ ثلاثة او اربعة مقالات بدات تتحرك لا ادري سيدي مالذي ايقض فيك
    هذه الروح و اخرج ما تحتويه من دسم انت رائع
    نريدك سيدي ان تعطينا ماذا يجري في الساحة العربية و الدولية بما توصلة اليه من
    إستنتاج و انا واثق انك سوف تصل وتوصلنا معك الى الصواب بما لديك من ذكاء و فطنة ومعلومات لا تخيب املنا نحن في إنتظارك وشكرا

  • كوكو

    تابع..صحن ضخم barabole géante منصوب فوق البناية يصدر موجات شديدة
    وغريبة(كأنها قناة بث فضائية) تخفي ماهية تلك المخلوقات التي تسيطر على المدينة،أمطره برشاش كان قد استولى عليه من أحدهم حتى فجره و جعله جُذاذا،عند ذلك ظهرت حقيقتهم واختفت الأقنعة التي كانوا يتسترون وراءها،وأخذ
    الفزع والخوف بالخلق الذين لم يصدقوا مارأووا،قردة تعيش بينهم،يتعاملون معهم
    كأنهم بشر وفي النهاية يكشف الستار عن حقيقتهم..الفلم ومن منظار الإسقاط على الواقع يكشف عن جهة تسيطر إعلاميا على عقول البشر دون علمهم،ولا أراهم إلا
    اليهود..

  • كوكو

    تابع..حين استعملها رأى عالم آخرمن المخلوقات الفضائية تعيش بين الناس تشبه القردة
    تُحكم سيطرتها،فقرر المضي لمعرفة حقيقة ما يجري،وبعد بحث وتحري وعراك شرس
    بينه وبين بعضها(أي المخلوقات من شرطة وعسكر ومخابرات،يراهم قردة مُقرفة إذا استعمل النظارة،لكنها تتحول إلى بشرإذا نزعها)،وصل إلى البناية التي
    تحوي مقر قيادتهمleur cartier général،وبعدأن تغلب على حراسها(كان قوي البنية مفتول العضلات يجيد رياضة الكاتش)استطاع الوصول إلى السطح الأعلى للبناية أين عرف مصدرهذا العالم الموازي،صحن ضخم منصوب يبث موجات غريبة..

  • محمد

    كل هذا بسبب الخوف الذي سكن النفوس
    ملاحظة نقول جراء وليس من جراء ونقول الكاميرات معقدة التكنولوجيا وليس الكاميرات المعقدة التكنوجيا
    تحياتي

  • ميسوم كمال

    إننا اليوم حقيقة نعيش في ظل متغيرات أسميها بحرب المبادئ فاين هو الشخص الدي يستطيع ان يتمسك بمبادئه هناك مقولة كنت أسمعها دائما منك كنت ترددها "شعب يقرأ شعب لايجوع ولايستعبد" واسمح لي ان أضيف شعب يتمسك بمبادئه شعب لايستعمر.شكرا

  • souaad

    الله يخليك يا استاذ .انا متابعة جيدة لمدوناتك واقر لك بروعة ما تكتبه فكل مرة اقرأ فيها مقالاتك تزيدني ادرك حقائق غفلت عنهااو جهلتها وافكار لا تقل روعة واسلوب بلاغي لا يمكنني وصفه وبصراحة انا يعجبني النظر الى الواقع بمنظارك واتمنى ان لك دوام النجاح ودوام الصحة

  • bonbina

    تحياتي الحارة الى الروائي القدير أمين الزاوي، فأنا استمتع دائما بما أقرأه و أسمعه من جواهر.رزقك الله الصحة و العافية مع سلامي الى السيدة ربيعة و الأولاد .

  • كوكو

    حين قرأت خاطرتك سيد زاوي تذكرت فِلما كنت قد شاهدته قبل 20عاما،الفلم أمريكي من الخيال العلمي بعنوان:"غزو لوس انجلوس"إخراج جون كاربونتير،وبطولة نجم الكاتش:رودي بايبر،يتحدث عن تأثير الإعلام والتكنولوجيا على العالم وتحكمها في رقاب الناس..اقتحمت قوات الجيش والشرطة مكان تواجد الثوارفي أحد أحياء مدينة لوس وصادرت نظارات سوداء عجيبة كانوا يستخدمونها لرؤية عالم آخر مواز،أحد الأشخاص(رودي)كان مارا من هنا باحثا عن عمل شاهد كل شيئ،وقعت عيناه على نظارة سقطت أثناء الإقتحام،حين استعملها رأى عالم آخر من المخلوقات

  • عليلو

    هادي البداية ومازال مازال

  • بدون اسم

    فكرتني في ام كلتوم ورياض السمباطي

  • ابو قاسم

    العالم اصبح مقرفا...واسلوب الحياة اصبح مرعبا ...انتقلنا من الاساليب المخابرتية التقليدية -وهي ارحم-لان امكانية الالتفاف عليها مضمونة...اما وقد دخلت الالة -الهربة لمولانا-انه عالم فضيع بلا رحمة تفقد فيه حريتك -انت لست بعيدا عن الرقمنة -حتى في اشد المواقف سرية -اقول يا استاد...سياتي اليوم الدي نترحم فيه على مخابراتنا واساليبها القدرة