-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأبعاد القيمية لـ”وسام العالم الجزائري”

محمد بوالروايح
  • 1214
  • 0
الأبعاد القيمية لـ”وسام العالم الجزائري”

“وسام العالم الجزائري” مؤسسة علمية ثقافية خيرية، وددت لو أن لها منها في الجزائر مثنى وثلاث ورباع، مؤسسة لا يوفيها القلمُ حقها لعِظم الرسالة التي تضطلع بها خدمة للعلم الشرعي وللبحث العلمي، وهي فضلا عن رسالتها العلمية، تضطلع برسالة ثقافية تنظر إلى الثقافة على أنها منتوج إنساني لا يكون له قيمة إلا إذا جعل الإنسانَ محورَ كل فعل ثقافي، كما تضطلع برسالة خيرية، يصل أثرُها إلى عموم الجزائر والعالم كافة، ففعل الخير ثمرة تخترق الآفاق وتمتد في آباد الزمن. مؤسسة “وسام العالم الجزائري” مؤسسة رائدة، تشهد لها بالريادة أعمالُها الممتازة والمتميزة التي تنطوي على أبعاد قيمية كثيرة، سأجلي بعضها لعلها تعرِّف الجاهلين برسالة هذه المؤسسة التي تضاهي في علميتها وعالميتها المؤسسات العالمية الكبرى.

لقد دأبت مؤسسة “وسام العالم الجزائري” على تنظيم حفل سنوي، تكرم فيه عالما جزائريا، شرَّف الجزائر في المحافل العلمية الدولية ونشر أبحاثا متميزة تخدم الوطن وتسهم في نهضته العلمية، تكريمٌ لا يفرّق بين عالم الأديان وعالم الأبدان وبين علم المادة وفقه العبادة، ولهذه النظرة الشاملة، حظيت مؤسسة العالم الجزائري باحترام الكل لأنها ببساطة تتعامل مع المجهود العلمي بفكرة الكل العلمي الذي يتجلى فيه التنوع العلمي الذي يجتمع في بوتقة واحدة يلتقي فيها جهد المفكر مع جهد المبتكر وجهد المشرع مع جهد المخترع.

البعد العلمي للتظاهرة
تكرس تظاهرة “وسام العالم الجزائري” المفهوم الواسع للعلوم الإسلامية الذي حاول بعض قصّار النظر حصره –كما قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله- في دورة المياه مع أنه يتجاوز ذلك إلى دورة الفلك وإلى كل ما لا تستقيم حياة الإنسان المسلم إلا به. إن تظاهرة “وسام العالم الجزائري” تقدّم قراءة واعية لمفهوم العلوم الإسلامية بعيدا عن شطحات وتفسيرات بعض الجاهلين الذين لا حظّ لهم من علم. وتستفيد هذه القراءة الواعية من النصوص القرآنية التي تحتفي بالعلم على أنه نورٌ يقذفه الله سبحانه وتعالى في قلب عالم القضاء وعالم الفضاء وعالم الأحكام وعالم الأجرام طالما أن الغاية واحدة وهي تحقيق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى والإقرار بأنه “خالق كل شيء ومليكه”. هناك آية قرآنية جامعة تلخص ما ذهبت إليه وهي قوله تعالى: “ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ إن الله عزيز غفور”.
لقد فقهت مؤسسة “وسام العالم الجزائري” المفهوم الواسع للعلوم الإسلامية فكرمت أحمد جبار عالم الرياضيات والأسطرلاب، الذي أعاد إحياء التراث الأندلسي ليُصلح ما أفسدته بعض العقول الكليلة التي جارت الغربيين في طمس معالم الحضارة الإسلامية الأندلسية ونسبت علم “ابن النفيس” إلى “سيرفيتوس” وسطت على علم فقهاء الأندلس ونسبته إلى “الإكليروس”، وكرمت مؤسسة “وسام العالم الجزائري” عالم الروبوتات يوسف كمال تومي الذي استطاع تطوير نمط جديد من مجاهر القوى الذرية وابتكار روبوتات قادرة على السباحة والعمل داخل المياه، كما كرمت المؤسسة عبد الرزاق قسوم الذي طوّع الفلسفة لخدمة العقيدة وفكّ عقدة المسلمين في التعامل مع النص الفلسفي باستعماله في سياق تقرير الحقائق الإنسانية والكونية التي جاء بها الإسلام، كما كرمت سعيد بويزري الذي جمع بين فقه الشريعة وفقه القانون وأبدع في فقه المصالحة والمصارحة وأسهم في جمع شتات الأزواج بعد أن نزغ الشيطان بينهم، كما كرمت مؤسسة “وسام العالم الجزائري” المؤرخ الألمعي والمنافح عن لغة الضاد “محمد الهادي الحسني” الذي يحاكي فصاحة الإبراهيمي وأدبيات العربي التبسي، وكرمت عالم الإلكترونيات “بلقاسم حبة” صاحب الاختراعات الكثيرة التي نالت اعتراف كبرى المخابر العلمية الدولية، وقد وقع اختيار اللجنة العلمية في مؤسسة “وسام العالم الجزائري” على ناصر الدين سعيدوني وابنه معاوية سعيدوني ليكونا المتوَّجيْن بوسام العالم الجزائري في طبعته الثانية عشر مقابل إسهاماتهما العلمية؛ الوالد في مجال البحث التاريخي الذي لا يُشق له فيه غبار والولد في مجال الهندسة المعمارية.

البعد الوطني
يحرص القائمون على مؤسسة “وسام العالم الجزائري” على إبراز البعد الوطني لعمل المؤسسة، فهي مؤسسة تحتفي بالمتميزين من أبناء الجزائر لا تفرّق بين أحد منهم، وأبوابها مشرعة لكل المجتهدين من جميع أرجاء الوطن المفدى، فهي مؤسسة تحتفي بالنخبة الوطنية في المجالات العلمية المختلفة وشعارها في ذلك “نحن مع النخبة الوطنية الخادمة للثقافة الوطنية”. لا تلمح في عمل المؤسسة تحيُّزا للشيخ أطفيش ضد الشيخ العقبي؛ فهي تنظر إليهما بعين واحدة وتزنهما بميزان واحد وهو ميزان الثقافة الوطنية فليس من منهجها التفريق بين ثقافة “وادي ميزاب” وثقافة “الزيبان”، فكلامهما رافد لثقافة وطنية جزائرية تتفاعل فيها كل المكونات الاجتماعية الإباضية والأمازيغية.

البعد التربوي
يمثل البعد التربوي دعامة من الدعامات الأساسية التي أسست عليها مؤسسة “وسام العالم الجزائري”، وهذا البعد التربوي هو امتدادٌ للعمل الإصلاحي الذي قامت به جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في ترسيخ أصول التربية في النفوس بالتوازي مع تلقين أصول العلوم، إذ لا قيمة لتدريس العلوم إذا لم يصاحبها تكريسٌ للتربية، فالتربية للعلوم كالإسمنت للبنيان، وقد عملت المؤسسة في هذا الاتجاه ولها إسهاماتٌ كبيرة لترقية البعد التربوي، وتمتلك في هذا الميدان خيرة الباحثين في علوم التربية.
لقد ركز محمد بن يوسف اطفيش -على سبيل المثال- على دور العامل التربوي في نجاح العمل الإصلاحي، إذ عمل –كما كتب عنه الشيخ أبو اليقظان- على إيجاد العنصر الإسلامي الذي يغترف من ينبوع الحكمة كما يغترف من ينبوع الفضيلة والذي يقدّم تربية النفس على تلقين الدرس، ففي نجاح الأولى نجاحٌ للأخرى ولا يحتاج هذا الأمر إلى كثير بيان، فالإجماع منعقد على أن التربية هي زينة العلم، وقيمة العلم تقاس بقيمة القيم التربوية التي تصاحبه، وكل شذوذ ونكوص عن هذه الثنائية هو ارتماءٌ في أحضان المجهول.

البعد الثقافي
إن الثقافة المقصودة في عمل مؤسسة “وسام العالم الجزائري” هي الثقافة الجزائرية الجامعة التي تمتزج فيها المكونات الأمازيغية والإباضية ولا قيمة في هذا السياق لثقافة مناطقية مبتوتة وغير موصولة بالثقافة الوطنية، هذه الأخيرة التي صوَّر أبو القاسم سعد الله رحمه الله معالمها في كتابه: “تاريخ الجزائر الثقافي” فأحسن تصويرها بأنها ثقافة تصطحب الماضي وتستوعب الحاضر وتستشرف المستقبل، وروّادُها هم من نذروا أقلامهم للتخصص في التاريخ الثقافي وإخراج الدُّرر الكامنة فيه والتي لم تسعف الظروف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على تحقيقها لأنها كانت –كما يقول أبو القاسم سعد الله- منهمكة في إصلاح الفرد الجزائري الذي استنفد منها وقتا طويلا. يقول أبو القاسم في تلخيص هذا كله: “إن حركة ابن باديس التي ركزت على الجانب الثقافي من النهضة الوطنية لم تعتن في مدارسها بتاريخ الجزائر الثقافي بقدر ما اعتنت بتاريخ العرب والإسلام عموما، ويعود ذلك من دون شك إلى ندرة المصادر وقلة الباحثين المتخصصين في هذا الموضوع.. ولم يكد خريجو هذه الحركة يصلون إلى مرحلة الدراسات العليا حتى قامت الثورة فطغت الأحداث على التفكير وتقدّمت السياسة على الثقافة” أعتقد أن ما لم تدركه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الجانب الثقافي قد أدركته وريثتها الحالية مؤسسة “وسام العالم الجزائري”؛ ففي ميثاق هذه الجمعية وهذه المؤسسة حيِّزٌ كبير للثقافة الوطنية.

البعد الخيري
يتجلى هذا البعد في العمل التطوعي الذي تدعو إليه مؤسسة “وسام العالم الجزائري” لتغطية النفقات التي تقتضيها هذه التظاهرة الكبيرة التي تستقطب جمهورا عريضا متعطشا للثقافة، ولا أشك قيد أنملة في أن ما تحصله المؤسسة من عملية التبرُّع يوجه لخدمة أهل العلم. لقد أحسنت المؤسسة في الجمع بين أعمال الفكر وأعمال الخير، فالمفكر الذي لا يجد مساندة من أهل الخير لا يمكنه أن يذهب بعيدا في مسعاه، لأن الأفكار تحتاج إلى أياد داعمة ونفوس متحررة من الشح تضع نصب أعينها خدمة الفكرة بكل ما أوتيت من قوة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!