-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مساعي حثيثة للرئيس تبون أعادت دمشق للبيت العربي

الأزمة السورية وقوة الدبلوماسية الجزائرية

طاهر فطاني
  • 6756
  • 0
الأزمة السورية وقوة الدبلوماسية الجزائرية
أرشيف

عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بمناسبة انعقاد القمة الـ32 شهر ماي المقبل بالمملكة العربية السعودية، خبرٌ تناولته وأكدته عدة صحف عربية ودولية، وهو الخبر الذي أسعد الشعب السوري وحتى الشعوب العربية التي انتظرت طويلا عودة سوريا إلى الحضن العربي بعد 11 سنة من التغييب.
العودة المنتظرة في ماي المقبل تعبّر لدى الكثير من المتابعين عن خيبة أمل كبيرة بسبب تكرار الأخطاء السياسية التي أنتجت أزمات معقدة داخل المحيط العربي، وكذا عدم الاستفادة من الأخطاء السابقة في تسيير الأزمات العربية كما تثبته طريقة التعاطي مع الملف السوري الذي تحوّل من مشكل داخلي إلى قضية إقليمية ثم دولية.

القرار العربي والعقوبات الغربية
منذ نوفمبر 2011، الذي صادف قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية من قبل مجلس وزراء الخارجية الذي عُقد بالقاهرة، توالت العقوبات الغربية على سوريا، إذ قرّر الاتحاد الأوروبي تنفيذ عقوباته الاقتصادية بعد سنة على قرار الجامعة العربية، وتبعتها عقوباتٌ أمريكية تتمثل في تجميد الأصول وحظر التعاملات التجارية بين أمريكا وسوريا وصولا إلى ما يسمى عقوبات “قانون قيصر” الصادر عن الإدارة الأمريكية سنة 2019، لكن المتضرر الوحيد من هذه العقوبات هو الشعب السوري الذي عاش أوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة وقاسية لم يعرفها في تاريخه الحديث.
الجزائر الوفية لعقيدتها الدبلوماسية المتمثلة في عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، لم تؤيِّد قرار إبعاد سوريا عن محيطها العربي، خاصة وأن سوريا تُعدّ من بين الدول الست المؤسِّسة للجامعة العربية فيما يسمى “بروتوكول الإسكندرية” سنة 1944، وحذرت على لسان وزير الخارجية الراحل مراد مدلسي من التداعيات الخطيرة لهذا القرار الذي من شأنه أن يعقّد ويطيل عمرَ الأزمة ولا يخدم الشعب السوري، لأنه ببساطة سيُفقد الجامعة ومعها العرب القدرة على لعب دور الوسيط الموثوق والحيادي في حل الأزمة السورية، ويسمح بدخول أطراف دولية وإقليمية أخرى على الخط لتعقيد المشهد وتمرير أجندات ومصالح تتضارب مع مصالح العرب كلهم وليس مصالح سوريا وحدها.
بالإضافة إلى عدم تصويتها على إبعاد سوريا من الجامعة العربية، تعدُّ الجزائر الدولة الوحيدة مع فلسطين التي أبقت على سفارتها مفتوحة وبتمثيل دبلوماسي بمستوى سفير، وكان الهدف من هذا الموقف رفض قرارات مجلس وزراء العرب ورعاية مصالح الجالية الجزائرية التي قررت البقاء في سوريا.
وهكذا استمرّ التواصل الجزائري السوري على المستوى الرسمي والحكومي والشعبي، وأكثر من ذلك تخللت هذه العلاقة عدة زيارات رسمية بين دمشق والجزائر على غرار تلك التي قام بها وزير الخارجية عبد القادر مساهل سنة 2016 والزيارة التي أداها وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى الجزائر في السنة ذاتها لتليها زيارة جهاد اللحام رئيس مجلس الشعب السوري آنذاك إلى الجزائر.

ما الذي تغير؟
عودة الحديث اليوم حول استعادة دمشق مقعدها العربي يستلزم الوقوف عند المساعي الحثيثة للدبلوماسية الجزائرية التي دخلت، بتوجيهات من الرئيس عبد المجيد تبون، في مشاورات واسعة مع الدول الأعضاء من أجل عودة سوريا إلى الجامعة العربية بمناسبة قمة الجزائر التي عُقدت في نوفمبر 2022، إذ دعمت عدة دول المقترح الجزائري، في الوقت كانت بعض الأطراف على قلتها تتحجَّج بغياب التوافق العربي حول هذا الملف، وذهب البعض الآخر إلى مطالبة سوريا بالقيام بخطوات حتى ينضج الموضوع.
الأطراف القليلة التي وقفت ضد عودة سوريا عبر بوابة الجزائر اتضح الآن أن موقفها فرضته حساباتٌ ضيقة تتعلق بالزعامة لا أكثر لأن الأطراف نفسها لم تعارض، ولا حتى في كواليس مبنى القاهرة، عودة سوريا بمناسبة قمة الرياض، علما أن الملف السوري لم يسجل أي تطور ولا أي تغيير في الموضوع من نوفمبر 2022 إلى غاية اليوم !
أكثر من ذلك، بعض الدوائر التي حاولت منح مقعد سوريا للمعارضة، وهو المقترح الذي رفضته الجزائر جملة وتفصيلا، أضحت اليوم بلا موقف بخصوص حضور سوريا في قمة الرياض بعد نحو شهر.
بالرغم من خيبة الأمل الناتجة عن تضييع فرصة احتواء الأزمة السورية في بدايتها سياسيا وداخليا، تشكل عودة سوريا إلى الحضن العربي جرعة أمل بأن تخضع السياسات العربية اتجاه الأزمات الداخلية إلى مراجعة والعمل على إيجاد حلول سلمية للازمات العربية لا عسكرتها، وهذا ما عملت من أجله الجزائر منذ بداية الأزمة.
في السياق ذاته، يجدر التذكير أن الجزائر استقبلت وفدا برلمانيا سوريا ممثلا لكل التشكيلات السياسية من أجل بحث إمكانية الاستفادة من التجربة الجزائرية في مجال المصالحة الوطنية، أما دوليا لم تتوقف الجزائر في مسعاها لدى الدول العربية والغربية لإقناعها بضرورة العودة إلى حوار شامل وترك الخيار للشعب السوري في حل مشاكله الداخلية بعيدا عن الاملاءات الأجنبية وخاصة التخلي عن دعم فكرة الحل العسكري.

رفض عسْكَرة الأزمة
تدرك الجزائر أن دخول السلاح وانتشار جماعات مسلحة سيفتح على الشعب السوري أبواب الجحيم ويُدخل البلد في نفق يصعب الخروج منه، وهو الأمر الذي حدث؛ إذ تشكلت العشرات من الجماعات المسلحة بعشرات الآلاف من المسلحين من 80 جنسية.
بفضل مواقفها من بداية الأزمة وبفضل استمرار التواصل الجزائري- السوري تمكنت الجزائر من تفادي تسلل والتحاق الجزائريين بالجماعات الإرهابية في بلاد الشام، وهذا ما يفسر غياب العنصر الجزائري ضمن الجماعات الإرهابية الموجودة في سوريا.
قرارات الجزائر ووقفة الجالية الجزائرية بجانب الشعبي السوري كلها مواقف ثمّنتها دمشق في احتفالية رسمية حيث تم استقبال العشرات من أفراد الجالية الجزائرية بمقر وزارة الشؤون الخارجية بحضور السفير الجزائري السابق صالح بوشة إذ أشاد نائب وزير الشؤون الخارجية السابق بوقفة الجالية الجزائرية.
لقد أثبتت تجارب الأزمات العربية المختلفة، خاصة منها تلك التي جاءت في سياق التقلبات التي عرفتها الساحة العربية سنة 2011، بأن حلحلة الأزمة العربية لا يمكن أن تكون إلا عن طريق حوار سياسي وحل سلمي، وهي المقاربة التي تبنتها الجزائر وتدافع عنها عربيا ودوليا.
الجزائر استقبلت وفدا برلمانيا سوريا ممثلا لكل التشكيلات السياسية من أجل بحث إمكانية الاستفادة من التجربة الجزائرية في مجال المصالحة الوطنية، أما دوليا لم تتوقف الجزائر في مسعاها لدى الدول العربية والغربية لإقناعها بضرورة العودة إلى حوار شامل وترك الخيار للشعب السوري في حل مشاكله الداخلية بعيدا عن الاملاءات الأجنبية وخاصة التخلي عن دعم فكرة الحل العسكري.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!