الشروق العربي
بعد وقف الاستيراد والزيادات في الأسعار

الأزمة المالية تغير العادات الشرائية للجزائريين

نسيبة علال
  • 3208
  • 9

يكفي أن تتجول بأحد المراكز التجارية بالعاصمة، وما جاورها حتى تلحظ التحول الرهيب في العادات الشرائية للجزائريين، يبدو أنها الأزمة الاقتصادية التي صرحت بها الحكومة نهاية السنة الفارطة، ها هي تبلغ المواطنين على اختلافهم منذ أول أيام العام الجديد.
اعتاد المواطن الجزائري على سماع أخبار الزيادات الطفيفة في المواد الغذائية، والتي إن جمعتها في قفة مقتنيات واحدة لوجدت نفسك، تضيف حوالي ألف دينار لميزانية التسوق، كل شهر تقريبا، ولكن ما لم نعتد عليه، هو ذاك التحول الذي مس السلوك الشرائي، والذي بات جليا واضحا للعيان، إذ أصبحنا نلحظ تجسيد الشعارات على مشارف المراكز التجارية التي تراجع الإقبال عليها بشكل رهيب، بشهادة وإحصائيات أصحابها والقائمين عليها، فعلى عكس ما كان سابقا، وما هو عادي ومحتمل، فإن التوجه إلى أماكن التسلية التابعة للمراكز التجارية تضاعف موازاة مع تراجع الإقبال على المراكز التجارية ذاتها وعلى سلعها، فالمواطن اليوم لم ينقطع عن عادته في زيارة مركز أرديس، أو فاميلي شوب نهاية الأسبوع، ما انقطع عن القيام به فعلا هو ملء عربات التسوق بالمقتنيات، والوقوف لفترات طويلة في طوابير الانتظار أمام شبابيك الدفع، فحتى العاملين بهذه الأخيرة يعربون عن ارتياحهم من تخفيف ضغط العمل، والأخطاء والعقوبات النابعة عنه، فبمجرد إقبال 2018، حتى تقلص عدد المتهافتين على ما تعرضه هذه الفضاءات التجارية من سلع مغرية، إلى حوالي النصف، وقلت المعاملات، إذ يرجح أنهم أدركوا أخيرا ضرورة الخضوع للمناخ الاقتصادي.

وعي.. أم أنها الأزمة؟

لماذا توقف الجزائريون عن شراء قطع الديكور، والأواني وعبوات حفظ الطعام الكثيرة التي لا طائل منها؟ هل توقف الشعب عن استهلاك كل تلك الكميات من الحلويات، والشكولا، والجبن.. طواعية، أم أنه قرر -هو أيضا- تركها، لأن أسعارها لم تعد تناسب ميزانيته المحدودة؟.. نعم، ربما نحن الشعب الوحيد على هذه الأرض، من كان يقبل على شراء أغراض لا يستهلكها ولن يستهلكها يوما، فقط لأنها تخضع مؤخرا لتخفيض أو امتياز، بل ربما لأن غلافها الخارجي ملفت، يجعل البعض يعتقد أنه قد يستعملها يوما ما.
أجبرت الأزمة الاقتصادية التي وقعت فيها البلاد مؤخرا، مواطنيها على الاكتفاء بما هم في حاجة إليه فعلا، فلم يكن من عادات المتسوقين ما أصبح ملاحظا عليهم اليوم، من تدقيق في الأسعار، وضبط للكميات، ومعاينة لوصل الشراء قبل مغادرة الفضاء التجاري، لقد تعلم الجزائريون أخيرا، كيف ينظرون إلى وزن العبوة أو مقدارها بدل الاطلاع على المصدر ومكان الصنع، فقد ترسخ في الأذهان، أن الحكومة قد منعت تسعمائة صنف من الاستيراد، ودون معرفة ما هي هذه الأصناف بالضبط، كان لزاما تعويد النفس على المنتوج الجزائري منذ البداية، ومقارنة الجودة المحلية بدل المقارنة مع الجودة الأوروبية.
حتى تلك السلع الجديدة التي كانت تنفد بمجرد دخولها السوق، حبا في الاطلاع والتجربة، لم يشفع لها سعرها، ولا شكلها ولا حتى الإشهار الكثير للترويج لها لكي يقبل عليها المواطن، فقد أصبحنا نشهد سلعا مكدسة لا يقربها المشتري الذي نفدت لديه روح المغامرة بخصوص المنتجات الجديدة، وتحول فجأة من الاهتمام بالشكليات إلى التركيز على الأساسيات، فيجد نفسه يعيش كل ظروف الأزمة المالية، في الوقت الذي يسعى بكل السبل للفرار منها.

مقالات ذات صلة