-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأسد والجزائر والنعام

الأسد والجزائر والنعام

صدق من قال إن الأيام وحدها كفيلة بأن تعطينا الإجابات عن أسئلتنا، فعندما تشاهد هذه الأيام تسارع الخطوات العربية لرفع التجميد عن عضوية سوريا بالجامعة، ستعود بك الذاكرة حتما إلى نقاش حول هذه القضية صاحبَ التحضيرات لقمة الجزائر الأخيرة.

مضت القمة العربية بالجزائر في نوفمبر 2022، وبدأت التحضيرات لأخرى بالمملكة العربية السعودية، لكن مسألة عودة دمشق إلى مقعدها الذي طُردت منه عام 2011 مازالت في قلب ملفات العمل العربي المشترك.

وأعلنت الرياض أنها تنوي توجيه دعوة للرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمة، في وقتٍ تجري تحضيراتٌ على مستوى الجامعة العربية، لتهيئة الظروف من أجل جلوسه لأول مرة منذ سنوات على مقعد دمشق.

وجاءت هذه الخطوة من المملكة السعودية، تتويجا لمراجعات في سياستها الخارجية، بدأتها خلال الأشهر الأخيرة، تجاه عدة ملفات في المنطقة والعالم كان أبرزها اتفاق تطبيع العلاقات مع إيران بوساطة صينية.

كما تتزامن هذه الخطوة مع تسريع وتيرة تطبيع العلاقات بين عدة دول عربية ودمشق، بعد قطيعةٍ لأكثر من عقد من الزمن، قدَّمت خلالها عدة عواصم عربية دعما مختلف الأشكال للمعارضة السورية، والتي يبدو أن حليفها التركي أيضا بدأ رحلة التصالح مع دمشق على حسابها، بعد انخراطه في الأزمة أكثر من أي دولة أخرى.

وتبدو هذه التحركات العربية رجوعا إلى منطق البراغماتية في التعامل مع قضية سوريا، بعد أن حسم نظام بشار الأسد الصراع لصالحه، بدعم إيراني وروسي فعّال.

لكن الغريب في هذه التطورات، أنَّ أطرافا أخرى ممن نصبوا أنفسهم قبل أشهر أوصياء على الشعب السوري وعلى مكانة الأخلاق في السياسة، يلتزمون صمتا مطبقا إزاء التحركات العربية للتطبيع مع نظام الأسد وعودته الوشيكة إلى الجامعة العربية.

وكانت هذه الأطراف هي نفسها التي شحذت سكاكينها تجاه التحركات الجزائرية قبل قمة نوفمبر 2022، بحثا عن توافق عربي لرفع التجميد عن مقعد سوريا، إذ روَّجت لتهم جاهزة مثل محاولة منح الشرعية لنظام الأسد والمساهمة في رفع الحصار عنه وتبييض صورته.

واليوم، على هذه الأطراف الإجابة فقط عن سؤال مفاده: ماذا تغيَّر في سوريا وفي مسألة الشرعية بها منذ قمة الجزائر وإلى اليوم، لتصبح دعوة الأسد مباحة بعد أن كانت بمثابة خيانة للشعب السوري وللأعراف الدولية وللأخلاق؟

لكن تكرار هذه الحملة ضد الجزائر، خلال الزلزال الأخير، عندما أعلنت عن نقل مساعدات إلى تركيا وسوريا، بدعوى تقديم الدعم لبشار الأسد، أظهر أن المسألة بالنسبة لأصحابها أكبر من التفكير في مصلحة الشعب السوري والدفاع عنه.

وبغضِّ النظر عن صحة الموقف الجزائري من الأزمة السورية من عدمها بالنسبة لهم، إلا أنّ الأيام أكدت أيضا أنها الدولة الوحيدة التي حافظت على موقفها الثابت منذ اندلاع الأزمة عام 2011، وما كانت تقوله مع بداية الحرب قام الجميعُ برحلة عمرها 12 سنة ثم عادوا لتنفيذه في 2023.

وكانت الجزائر من الدول القلائل التي عارضت تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية عام 2011، والسبب بسيط وأكدت السنوات صحَّته، وهو أن العرب وقعوا بذلك القرار شهادة وفاة أي دور لهم في حل الأزمة وفسحوا المجال لقوى أخرى لحسم مصيرها مثل إيران وروسيا وتركيا ودول غربية أخرى، وهو ما حدث أيضا.

وبعد عقد من الزمن، الأكيد أن الأسد ونظامه لم يتغيّرا لا هما ولا سياستهما، وما تغيّر هو مواقف هذه الدول تجاه بلد عربي أضحى ممزقا ومستباحا جوا وبرا وشعبه مشرد، كما أنه منذ قمة نوفمبر إلى اليوم بقي النظام السوري نفسه، لكن الذي تغير هو أن أصحاب حملات تجريم الموقف الجزائري عبر الشبكات والإعلام دسُّوا رؤوسهم في الرمال كالنعام.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!