-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد أشهر عجاف بسبب جائحة كورونا

الأعراس تعود بقوة والبارود والأطباق الفاخرة تصنع الحدث

ع. س
  • 571
  • 0
الأعراس تعود بقوة والبارود والأطباق الفاخرة تصنع الحدث

يتهم الكثير من المواطنين الأعراس والولائم، التي اندلعت في شهر أوت الحالي، بالمتسبب الرئيسي في ارتفاع أسعار اللحوم البيضاء التي جعلت الكيلوغرام منها يقارب 500 دج في بعض المناطق محطما رقما قياسيا غير مسبوق في الغلاء، كما حافظت اللحوم الحمراء على أرقامها الإعجازية، وصار شراء البرقوق والزبيب والمكسرات وكلها من ضروريات الأفراح، معقدا بسبب أسعارها النارية في هذا الصيف، ومع ذلك يتمتع المواطنون منذ افتتاح قاعات الحفلات بعد أشهر عجاف من دون ولائم فاخرة وعلنية عاد فيها الناس إلى التقاليد مع لمسات عصرية جديدة.

فبالرغم من أن الكثير من سكان مناطق الأوراس على سبيل المثال لم يخفوا استياءهم للطريقة التي تميز احتفالات الأعراس في السنوات الأخيرة، والتي طغت عليها حسبهم المزاجية ومظاهر الإسراف في المأكولات والبارود والسيارات، ناهيك عن أجواء الصخب والفوضى في السهرات الاحتفالية المبرمجة، أو في الكورتاجات، التي كثيرا ما تخلف حوادث مميتة كما حدث في صائفة 2022.

وإذا كانت الأعراس قد فرضت في الوقت الراهن نمطا معينا طغت عليه الماديات والشكليات، من خلال كراء قاعات لهذا الغرض، وطغيان الاستعراض في السيارات والأكل والملبس والبارود، إلا أن الكثير لا يزال يشده الحنين إلى زمن البساطة والنية ولم الشمل، حين كانت تقام الأعراس في أجواء هادئة بمختلف مناطق وقرى الأوراس، وكانت تنظم برزانة، تحت إشراف رجال ونساء من أهل الحكمة والخبرة، ما يجعل الجلسات المقامة تضفي الكثير من الراحة والأخوة والاشتياق إلى اللقاء بين الأقارب والأحبة، يحدث ذلك رغم البساطة في الأكل ونوعية السيارات. وقبل ذلك كانت تنقل العروس  على متن فرس أو حصان من منزل أهلها إلى بيت زوجها، عبر قافلة تجمع بين النسوة والرجال الذين يواكبون المسيرة في هدوء واحترام، مع امتزاج الزغاريد بطلقات البارود من حين إلى آخر، لإعطاء البعد الاحتفالي البسيط والراقي في نفس الوقت للعرس.

أعراس ما بعد كورونا مختلفة

ويرى العديد ممن تحدثوا للشروق اليومي، بأن هناك فروقا جوهرية في أعراس الأوراس بين الماضي والحاضر وخاصة ما بعد كورونا، معتبرين بأن توفر الإمكانات المادية لم يضمن الارتياح النفسي، بسبب التبذير والبهرجة والمبالغة في الشكليات، ما جعل الكثير يحضر الأعراس بغية القيام بالواجب، وليس من باب الاستمتاع بالجلسات الحميمية التي أصبحت حسبهم في حكم الماضي. ولم يتوان آخرون في القول: ليتها تعود أعراس أيام زمان لاستعادة ذكريات الفرحة الحقيقية والطمأنينة النفسية، لكن ذلك يبقى مجرد أمنية، فيما أوضح أحدهم: الآن أصبح عهد قاعات الحفلات والدعوة بالبطاقات والرسائل الهاتفية، عيش تشوف، بصراحة اشتقت للحياة البسيطة وأهواها كثيرا، أما زميله فأكد بأن الإمكانات موجودة لكن الإشكال في غياب المودة والرحمة، ويرى آخر بأن الذين ربحوا فعلا هم الذين نجحت أعراسهم وحياتهم بطرق بسيطة، فيما تساءلت سيدة أين تلك الأيام حين كانت تقام الأعراس فوق السطوح، كما وصل أحد محبي الزمن الجميل إلى قناعة بأن الزمن السابق، أجمل وأفضل بكثير من زمن الفوخوالزوخ. وصاح: ليت ذلك الزمن الجميل يعود، حين كنا نعرف الشيخ من الشاب والرجل من المرأة والفرح من المأتم. وعبر  عن مشاعره للشروق اليومي، بكلمات تجمع بين التأثر والحسرة، حيث قال في هذا الجانب: نحن بعيدون عن تلك التقاليد الجميلة التي ورثناها وعايشنا البعض من لحظاتها الرائعة، مضيفا بأنه في ذلك الزمن الجميل كانت للغة التكافل الاجتماعي معاني عدة، ولروح وحدة صف العائلة الكبيرة في مثل هذه المناسبات أجمل صورة، ليختم قوله بعبارة: في هذا الزمان راح الخير وراح الشان، والبركة دارت جنحان وعيش تشوف.

في غياب السيارات الجديدة .. الفنادق الفخمة

ميزة أعراس 2022 هو غياب السيارات الجديدة الفاخرة، باستثناء بعض القادمة مع المغتربين، فلا تكاد ترى سوى سيارات ما قبل سنة 2019، فمباشرة بعد انحصار أرقام جائحة كورونا،ن أو بعد افتتاح قاعات الحفلات، عاد الجزائريون إلى الأعراس بقوة، حتى أن كل قاعات الحفلات، أعلنت أنها محجوزة إلى غاية منتصف شهر أكتوبر، وبين أسعار القاعات التي بلغ سعر بعضها السبعين مليون سنتيم لليوم الواحد، وبين القلة من الذين مازالوا يحتفلون بأعراسهم في المساكن العائلية، هناك طبقة المفتخرون، الذين يحجزون فنادق الأربعة والخمسة نجوم الفخمة، وقد تصل أرقام مصاريف الوليمة فقط، مئات الملايين وأحيانا الملايير وهو ما يُبهج أصحاب وعمال وموظفي هذه الفنادق، الذين يقضون ليلة سمر وتصبح فضلات العرس في حد ذاتها وليمة أخرى للمتسوّلين والمتشردين، وإذا كان بعض المحتفلين بالأعراس بطرق التبذير، هم من الذين يريدون التميز فإن الغالبية جرّتهم بعض العادات الهجينة، وقد بلغ البذخ بأحد أغنياء شرق البلاد في سنوات ماضية قبل كورونا وقبل الحراك أيضا، أن استأجر جناحا من مركّب سياحي في مدينة الحمامات في تونس، ونقل إليه ضيوفه عبر خمس حافلات، قضوا خلالها يومين من السياحة والأفراح أيضا، وأحيى الحفل المغني الشاب خلاص الذي تم استقدامه خصيصا من فرنسا، فبلغت تكاليف المغني وفرقته قرابة المئة مليون سنتيم، كما أن أحدهم صرف مئة مليون سنتيم في اقتناء الشماريخ التي ألهب بها ليلة عرسه، حيث أحرق في السماء في ظرف ربع ساعة مئة مليون سنتيم، فم يعش الفرح أهله وأصدقاءه وإنما كل أهل المدينة.

هاته الأعراس الخاصة جدا، ليست للجميع، والقاعات التي تقام فيها أشبه بالثكنات، وصاحب العرس يوفّر لبعض المدعوين حراس خصوصيين وأحيانا تحاط هاته الإقامات بكلاب ضخمة من النوع الصعب مثل البيت بول، ولأن غالبية هاته الأعراس هي لقاءات رجالات المال والأعمال حيث تدار فيها الصفقات والبيع والشراء، فإنه من النادر حضور الأطفال فيها وأحيانا صاحب العرس يضع عدد وأسماء المدعوين على بطاقة الدعوة، التي هي في حد ذاتها تحفة كأن يكتب: نتشرف بحضورك رفقة زوجتك، من دون ذكر الأطفال،  ولو أخطأ أحد الحضور في اصطحاب أبنائه فسيكون معرّض للتهميش وليس للطرد لأن غالبية الحاضرين في هاته الولائم من الذين لا يُطردون، حتى ولو حضروا سكارى لمثل هاته الأعراس الفخمة ..

ولأن صاحب العرس من أصحاب الملايير، فإن الحضور في عمومهم من المليارديرات ومن الأوزان الثقيلة في المجتمع، حيث يُصبح حضور بعض المدعوين من الكبار مثل الولاة والمدراء التنفيذيين والمسؤولين بسبب مواقعهم النافذة في الدولة وليس المادية، صيد ثمين، لصاحب العرس وضيوفه، الذين ينزوون بهم، ويعقدون رفقتهم الصفقات المهمة، التي لا يمكن أن يعقدها في المؤسسات والمكاتب، وتتحوّل بعض موائد العشاء الفاخرة جدا، والتي هي في الغالب تفاخر، وفيها الكثير من التبذير من أرقى المشروبات بما فيها الخمور وكل أنواع الأسماك الفاخرة والكافيار يتم استيرادها من الخارج، إضافة إلى أنواع الحلويات التي تسافر من المشرق العربي ومن تركيا وأفخر الفواكه، ولا أحد يلتفت إلى الأكل رغم فخامته ولا أحد يهمه لباس العروس والعريس ولا جمالهما حيث ترتفع أدخنة السجائر والسيجار، وترتفع الأرقام إلى ما فوق الملايير ويتحوّل العرس إلى بنوك ومراكز البورصات، ويُصبح الأكل مستقره القمامة، والغناء فيه من دون مستمع ولا راقص، رغم الاستعانة براقصات قادمات من لبنان والعازفين القادمين من أوربا، ويتم تطويق الفيلات الفخمة التي تحتضن هذه الأعراس بالكلاب المدربة، التي يرافقها رجال أشداء لا يسمحون بالدخول إلا للمدعوين، وعموما حفلات الأثرياء الجدد، وليس القدامى المحافظين تجري في أجواء مختلطة، وبعضها يكون ذو طابع غربي محض مزيج بالإباحية.

ما بين الكرم والتبذير .. شعرة

الأثرياء الجدد صاروا يطلبون ما يأتيهم من الخارج، من فساتين العروس والبدلات من أكبر الماركات والعطور الغالية، والأطباق الفرنسية والسورية والتركية كما حدث في عرس أحد الأثرياء الذي كفر بالشخشوخة ومختلف الطواجن والقطائف والبقلاوة وحتى حلوى الجوزية المطلوبة في كل دول العالم.

أما عن السيارات فلا يمنحها هؤلاء الأثرياء أهمية كبرى، لأنها ستجوب الشوارع ويلاحظها عامة الناس لأجل ذلك تبقى الأبهة شأن داخلي لا يعيشه إلا المدعوين المحسوبين على أصابع اليد والمختارين بدقة، وإذا كان حلم العروس الجزائرية هو أن تركب سيارة فاخرة من نوع هامر أو ليموزين الطويلة التي يتم كراءها لمدة يوم واحد بمبلغ قد يفوق 5 ملايين سنتيم، إذا كانت ستنقل العروس مِن وإلى داخل نفس المدينة و8 ملايين إذا كان تنقلها من مدينة أخرى مجاورة، إذا كان هذا أقصى ما يحلم به بعض العرسان الأغنياء أو حتى من عامة الناس ما دام الحلم مجانا، فإن أعراس بعض المليارديرات لا تظهر فيها السيارات الفاخرة خلال أحياء العرس إلا كاتالوغ، وصورة كهدية عرس للعريس أو العروس على أن يتسلمها في رحلة شهر العسل التي لا تقام إلا مع أمراء موناكو أو حتى في جزر هاواي حيث يُحسب عدد الجزائريين الذين زاروا منتجعاتها في التاريخ على أصابع اليد الواحدة بالرغم من أن سعر السيارات الفاخرة في ظل أزمة السيارات حاليا لا يقل عن الملايير، والوجهة المفضلة الآن في شهر العسل، هي ماليزيا ودبي، أما عن الفنانين الذين يحيون حفلات القران فهم دائما الأكثر لمعانا في الجزائر في كل الطبوع خاصة الشعبي والمالوف والراي والسطايفي، ويصر الأثرياء على إحضار كبار الفنانين بما فيهم المعتزلين ولا يهم أن يغنوا، والشباب من الذين يغنون باللغتين الفرنسية والإنجليزية أيضا.ويبقى الأمر المؤسف سواء في أعراس ما بعد أو قبل كورونا هو التبذير في الأكل وفي مشتقات العرس وما شابه من تفاخر مبالغ فيه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!