الشروق العربي
في غياب الرقابة..

الأغنية الرياضية في الجزائر تدعو إلى العنف وتفكيك المجتمع!

الشروق أونلاين
  • 6324
  • 11

كانت الأغاني الرياضية متنفسا للتعبير عن البهجة والفرح والافتخار بالانتماء، يتخذها الكثير من المطربين للحماسة، ورفع الروح المعنوية في الجمهور واللاعبين، ليست حديثة الوجود، بل عمرت مند عشريات عديدة، كان مضمونها في الغالب رياضيا وللتشجيع فحسب ولإبراز السرور والفرحة، لكن بظهور جيل متشبع بلغة العنف اتخذت منحنى أخر، وأصبحت للقذف والسب والشتم، وساهمت في الكثير من الأحيان في شحن الجمهور على العنف، فرقت بين الأفراد والجماعات، وزرعت الشحناء والتلاسن بين حتى ساكني تحت سقف واحد وصارت للتنابز بالألقاب والدعوة إلى التفرقة من أجل الجلد المنفوح.

“شباب يتنافسون على أرذل الكلام من أجل زرع الضغينة”

     في الوقت الذي تسجل فيه الكثير من الأشرطة والأقراص المضغوطة الدعوة إلى التسامح بين الأفراد، وإلقاء المحاضرات التي توصي بالمكارم ونبذ كل أسباب التفرقة، ظهرت بالتوازي معها أشكال أخرى من هذه الوسائل التي تدعو الى التفرقة والشتم والسب بكل الكلمات الجارحة من دون مراعاة لمقومات المجتمع الجزائري، تسجل في أكبر الأستديوهات حتى بهذه المعايير، الغرض منها التشهير للكره وإحلال الشقاق بين الأشخاص من أجل التحيز إلى فرقة من الفرق، ومن أجل ماذا؟ من أجل لعبة كرة القدم التي جعلتها كل الأوطان للترفيه والمنافسة الشريفة في إظهار القدرات الفكرية والعضلية وكذا التعارف، في المقابل جعلناها نحن للعداوة والبغضاء وإشعال نار الفتنة والتي زادت لهيبها هذه الأبواق عبر الأغاني الرياضية، التي انتشرت بشكل ملفت للانتباه، فكلما تدحرج مستوى الرياضة عندنا الى الأسفل، زادت هذه الأغاني لهيبا في المدرجات من صناع شباب لم يجدوا من الصنائع كلها إلا هذا الصنيع المشتت للأخوة والداعي للتفرقة من دون مراعاة لقيمنا ولا لمبادئنا، في غياب الضمير.

“أغان تدعو إلى الشغب وأخرى للتمييز”

عندما يكون الحال فيما عدا ملاعبنا فالأمر هين، لكن عندما تتعدى التسجيل والنشر والتداول بين الأشخاص فالأمر أعظم، لقد رسخت هذه الأغاني لأفكار عدائية، يدعو فيها الكثير من الشباب إلى الشغب ونبد الهزيمة وحتى ولو بتهديم أسس الملاعب، وكل ما يحيط بها من أملاك بمختلف أنواعها، زرعت الشحناء والبغضاء، أخذت من نصوص قاموس العنف، ورسخت لثقافة الربح حتى على حساب دماء بعضنا، نحضر في الكثير من الأحيان الى أغاني شتم وسب للعباد وحتى رب العباد، من دون حياء ولا ضمير، وفيها ما يدعو إلى التفرقة بين أبناء البلد الواحد وبين الولايات وجعل البعض منها في مصاف الأحياء الراقية والأخرى ضمن مجال المناطق غير المتحضرة، بل اكثر من هذا يصفونها بأوصاف مشينة، يجعلها مؤدوها مستنقعا لصيد ضعاف النفوس، للوقوع في الملاسنات والشجارات، التي لا تنتهي حتى بنهاية الموسم الرياضي، وتبقى الضغائن بين الأفراد تنتظر حلول الموسم المقبل من أجل الانتقام، هي إذا بعض الرسائل التي تحملها هذه الأغاني التي أصبحت في يومنا هذا وسيلة للدعوة إلى  العنف والتفرقة وليس للتشجيع والروح الرياضية.

“نعيمة… اللحم لحلو… ألقاب للسخرية تجر إلى العنف”

    هي تعابير جارحة وألفاظ شارع، صفت إلى كلمات توافقها في التشجيع فأصبحت أبياتا لأغان تغنى في كل المناسبات الرياضية، من أجل التحريض والسخرية، سهر عليها البعض من الشباب في ليالي طويلة من أجل وضعها في إطار غنائي، استغلت المناسبات الرياضية للتشهير بها وتسجيلها في أسطوانات مضغوطة والدفع بها إلى السوق، ووزعت وحفظها العديد من الشباب والمشجعين المتعصبين لفرقهم وأصبحت الملاعب مسرحا لها في معزوفات جماعية، بل يحضر الكثير منهم من أجلها وليس لأمر آخر لمتابعة أحداث المقابلات.

ألقاب تطلق على الكثير من الأشخاص والأندية من أجل الاستفزاز، تحمل العديد منها آثارا سلبية على نفسية اللاعبين أو المشجعين تؤتي آثارها بالسلب على العلاقات بين الأندية، تترجم فيما بعد في العنف الذي يكون سببا في مخلفات وخيمة تصل إلى حد عاهات دائمة يحملها الكثير من الأفراد بذكريات سيئة على أجسادهم.

إن انتشار مثل هذه الألقاب كان في الماضي ينحصر داخل الملعب ويسمعها ماعدا من يحضر المقابلات في الملاعب، وكانت هذه الأخيرة مسرحا لها، لكن لما أصبحت تسجل وتوزع من طرف شباب يروجون لها عبر الأقراص المضغوطة، وغيرها من الوسائل السمعية والبصرية، فقد مست شريحة كبيرة من المجتمع، بل أصبح الكثير من الشباب يكون فرقة مضادة للفرقة الأخرى دفاعا عن ألوان الفريق المحبوب عندهم، لكن بترجيع عنيف يساويه في الشدة أو يفوقه، وتحول الكثير من الشباب إلى ناطق رسمي للفريق لا للتشجيع فحسب، بل للرد على كل من يصف فريقه بصفات سيئة، تتصاعد بذلك اللهجة بينهم بألفاظ عنيفة، وغير موزونة، المهم فيها هو رد الكيل بمكيالين، ومن هنا تنتشر البغضاء والفرقة بين حتى أقرب الناس إلى بعضهم.

“ضغينة معلنة… في غياب الرقابة”

   إن هذه الأغاني التي تسوق في الكثير من الأماكن بعد تسجيلها في استوديوهات معروفة، لا تخضع لمعيار الرقابة، كيف لا، وهي تسوق بالرغم من كل النوايا السيئة، وما تحمله من العنف اللفظي، الذي أصبح لدى العديد من الشباب الطريق الأسهل في الوصول إلى الأعراض وشرف الغير من لاعبين ومشجعين وغيرهم من دون استثناء، يختفون وراء اسم المناصرين الأوفياء، وفي طيات أغانيهم يحملون الكره والحقد للغير، بل لا تقوم هذه الأغاني إن صح هذا الاسم عليها إلا على كل لفظ يدعو إلى الانتقام وكل ما هو شر.

 “فرق بأسماء مستعارة… وبأفواه عفنة”

  لعل الملاحظ في الكثير من هؤلاء الشباب هو اتخاذهم لأسماء مستعارة سواء لأندية أوربية أو لفرق مشهورة في العالم، لا ندري لماذا، هل تبركا او تأثرا بالرغم من الاختلاف في المبادئ والعقيدة، غير أنها تضم الكثير من الشباب بأفواه نتنة، لا تنطق إلا بالفتنة والسخرية والدعوة إلى الخصام، مستعملة في ذلك كل ألفاظ التجريح والطعن في شرف الغير من دون سبب مقنع، بل منهم من يحرض على سفك الدماء باستعمال كل ما هو ضار ولو لأهداف غير معروفة، المهم في رأيهم هو إثبات الرجولة والشجاعة من وراء أبواق خاوية، لا تنطق بالحق، تراهم يتفننون في السب والشتم من دون رادع ولا حياء. 

مقالات ذات صلة