-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأمازيغية بالحرف العربي إسمنتُ الأمة

الأمازيغية بالحرف العربي إسمنتُ الأمة
ح.م

من طبيعة الإنسان أنه لا يستطيع أن يحب شيئا مفقودا؛ لأن المحبة عرض مثل اللون لا يظهر إلا على الجرم والجوهر؛ فلا نحب شيئا نراه إلا بوجود ما يُرى، أو شيئا نسمعه إلا بوجود ما يُسمع، أو شيئا نشمه إلا بوجود ما يشم، أو طعما لذيذا نتذوقه إلا بوجود ما يذاق.. وعلى هذا المنوال فإننا لا نستطيع أن نحب إنسانا لم نره. بل إن الإنسان ليميل إلى معاداة ما يجهله، وقديما قيل: “من جهل شيئا عاداه”.
بناءً على هذه المسلَّمات نطرح السؤال التالي: هل في الإمكان دعوة الجزائريين إلى محبة الأمازيغية التي تُقدَّم لهم بحروف يجهلونها ولا يتيسر لهم تعلُّمها؟

تصوّروا معي يا سادة يا كرام، لو نقدم لشخص يجهل الأمازيغية نصين للأمازيغية أحدهما مكتوب بالحرف اللاتيني ونقول له: اقرأ هذا النص بتمعُّن وستعجبك اللغة التي كُتب بها النص. لا شك أنه يعجز عن ذلك بسبب جهله لحروف النص. بل ربما يعتبر ذلك استخفافا به، مما يعرضه لموجة من النفور مما عرض عليه. ثم لنقدِّم له النص الثاني المكتوب بالحرف العربي. لا ريب أنه يتعلل بأنه يجهل قراءة الأمازيغية. وهنا نلفت انتباهه إلى أن ما لديه من الحروف العربية كافٍ للقيام بالفعل. قد نراه مستغربا بعض الشيء في أول الأمر، ولكن بمجرد أن يشرع في المحاولة وينجح، تزول الغرابة ويتلاشى التردد، فيندفع في قراءة النص في نشوة ظاهرة. وربما صارحنا بأنه ما كان يتصور قراءة الأمازيغية التي يجهلها، بالحرف العربي بهذه السهولة. أسمح لنفسي بالإفراط في التفاؤل؛ لأتصوره يتعهد بتعليمها لأبنائه متى عاد إليهم.

بقليل من التفكير في هذه الحالة المفترضة، نتبين كيف يمكن للمشاعر والأحاسيس أن تتجه نحو النفور المدمر للعلاقات بين الأفراد، ونحو التآلف والوئام الذي يقوِّي تلك العلاقات بينهم، فيجعل الأمة وحدة متماسكة… إذًا كتابة الأمازيغية بالحرف العربي بمثابة الإسمنت الذي يشدّ أفراد الأمة بعضهم إلى بعض، والمغناطيس الذي يجذب ما حوله من أشتات؛ لأن اليسر في التعاطي يجعل الإنسان يميل إلى الأداة الميسِّرة وبالتالي يميل إلى تلك اللغة، ويستأنس بأهلها ولا شك أنه سيحبهم، أليست هذه هي الوحدة الوطنية المنشودة؟. أليس هذا هو الهدف الشريف لكل جزائري شريف؟

يقول خبراء الأمازيغية إن ما يزيد على سبعين في المائة من ألفاظ الأمازيغية أصلها من اللغة العربية. وهذا يدل على أن كلا من العربية والأمازيغية عاشتا في ودٍّ ووئام وتآلف وانسجام؛ إذ لم تكن العربية بحكم موقعها تضطهد الأمازيغية، والأمازيغية لم تكن تضمر العداء للعربية السائدة غيرةً وحسدا. لذا لم يسجل لنا التاريخ ولو حادثة واحدة أحدثت فتنة بسبب اللغة. ولولا ذلك التآلف والانسجام، وذاك الود والوئام لما كانت الأمازيغية ستستعين بالعربية فيما ينقصها من ألفاظ، وتدمجه فيما لديها، حتى أصبح اليوم من صلب كيانها. وعليه أليس من الواجب الأكيد علينا الحفاظ على هذه الصفحة المشرقة الناصعة، وإحياؤها إن عبث بها الاندثار بسبب الإهمال؟

وما دام الأمر هكذا، أليس من الأيسر والمنطق أن تُكتب كل هذه الكلمات العربية التي تزخر بها الأمازيغية بحروفها العربية الأصلية، لا بالأبجدية اللاتينية المفتعلة التي تشكل فسيفساء غريبة؟.

وبما أن الإنسان بطبيعته يميل بل يحب اللغة التي يُحسن قراءتها إلى حد التقديس أحيانا، فإنه من الطبيعي أن تهوي أفئدة كل الجزائريين إلى الأمازيغية إذا وجدوا في أنفسهم قدرة على قراءتها بالحروف العربية التي يمتلكونها، دون أن يتكلفوا البحث عن معلّم أو بذل جهد أو قضاء وقت ثمين هم في أشد الحاجة إليه. في تعلّم أبجدية غريبة عنهم وعن تراثهم، وقد لا يتاح لهم ذلك أبدا. أليس كل هذا التوفير للوقت والجهد معا، مما ينشر التقارب والتآلف والمحبة بيننا؟ أليس هذا ما يقوي وحدتنا الوطنية التي يجب أن نوفر لها كل عوامل الدعم والحماية؟.

إذاً الحرف العربي يوفر للجزائريين ولغيرهم سهولة كبيرة في قراءة الأمازيغية، زيادة على نشر التقارب والتآلف بينهم؛ لأن الحروف العربية، بما فيها المعدَّلة حتى تصلح لقراءة الأمازيغية، موجودة لديهم وحتى في هواتفهم. ثم لا ننسى أن اللغة الأمازيغية أصبحت الآن لغة وطنية ورسمية. ومعنى هذا فهي ملكٌ لجميع الجزائريين لا لبعضهم، وعليه فمن حق الجميع أن يختاروا الحرف الذي يرونه مناسبا لكتابة لغتهم الوطنية الثانية، وأن يوفَّر لهم الجو المناسب وأن يُيسَّر لهم الأمر لتعلمها. وأي جو أنسب وأي وسيلة أكثر تيسيرا من كتابتها بالحرف العربي الذي يعرفه الجميع. ولو طرح الأمر للاستفتاء، وهذا أمر مشروع، فأيُّ نتيجةٍ بالله عليكم يمكن أن يسفر عنها الاستفتاء؟ إن الأمر لجلي ولا ينكره سوى الأعمى الذي ينكر وجود الشمس لأنه لا يراها.. ثم أليس من المنطق المعكوس أن نطلب من كل جزائري أن يعطل الأداة الصالحة المتوفرة لديه، وهي الحرف العربي، ونطلب منه أن يبذل جهدا مضنيا ويقضي وقتا ثمينا ويبحث عن معلّم يعلمه حرفا يقرأ به الأمازيغية، قد يجد وقد لا يجد؟ إنه والله لمنطق معكوس تأباه طبيعة الأشياء، وإنه كذلك من أهم عوامل التنفير من الأمازيغية.

نعم. هناك من يقول: إن كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني يجعلها عالمية.. لكن دعونا نسألهم: أي حرفٍ لاتيني يقصدون.؟ أهو الحرف الفرنسي أو الحرف الإنجليزي أو الألماني أو.. أو.. مع العلم أن استعمال الحرف اللاتيني في كل دولة يختلف عنه لدى الأخرى. بينما الحرف العربي ينطَق بصيغة واحدة عبر العالم. ومعنى هذا أن الحرف اللاتيني المقحم لكتابة الأمازيغية يجعلها منزوية في بعض المدارس الجزائرية ولدى بعض تلاميذها فقط.. لا ندري والله، هل هذا الاستنتاج: (عالمية الأمازيغية بحروف لاتينية) يدل على الطيبة إلى حد السذاجة، أو يدل على دهاء خفي لا نعلم مداه. (حتى لا نقول أكثر)…؟

ولهؤلاء نقول: أرونا بالله عليكم ولو بقعة ضيّقة في العالم انتشرت فيها هذه الأبجدية الفسيفساء المقحمة حتى على الأمازيغية ذاتها، حتى نتذلل لها ونخطب ودها، لعلنا نحظى منها بنظرة عطف وشفقة عابرة..؟ ومع ذلك لا أخالهم يفعلون. أما نحن فنقول لهم: “إن 22 دولة يمكن أن تقرأ الأمازيغية بالحروف العربية كما نقرأها.. وتقرأ كذلك حيث ينتشر الحرف العربي في العالم.. لله ما أشد سذاجتنا (كدت أقول: غباوتنا) إن انتظرنا تبني أمازيغيتنا من العالم الغربي؛ بحكم أننا كتبنا أمازيغيتنا بخليط من حروف لغاتهم. يا ناس كفانا غفلة وسذاجة. إن الغربيين منشغلون بلغاتهم وتطويرها.. إنهم لا يفكرون أصلا في أمازيغيتنا، بل لم تخطر لهم على بال قط. وإلا فماذا قدمت فرنسا للأمازيغية حين كان الأمر بيدها مدة 132 سنة بالتمام والكمال.؟ الجواب نعرفه جميعا.

إذا كان يخجلهم أن يقال: إن العربية والأمازيغية متقاربتان يمكن كتابتهما بحرف واحد، ونحن نعتز بهذا ونفتخر، ونسعى لإبرازه في الواقع؛ لأنه من عوامل الوحدة الوطنية.

هنا مربط الفرس…أبناؤنا المساكين الصغار في المدارس. أليس من حقهم علينا ــــ ما دام ذلك ممكنا ــــ أن نرأف بهم ونعفيهم من تعدد الأبجديات التي تشكل في هذه المرحلة خطرا حقيقيا على صحة عقولهم الغضة ونفوسهم الهشة؟. أليس من الأفضل لهم أن يستعملوا أبجدية واحدة لتعلم لغتين اثنتين: عربية وأمازيغية..؟ من الخطر الأكيد عند علماء النفس والتربية إرهاق عقول الصغار بوابل من الأبجديات في هذه السن المبكرة. ولقد سبق لي أن تناولت المسألة مع مفتش أكاديمية “نيم” حين كنت منتدبا بفرنسا سنة 1985، ونشرتُ ذلك في مقال سابق في “الشروق اليومي”، إذ سألت هذا المفتّش عن عدم تعليم لغة ثانية في الابتدائي عندهم، مع حاجتهم الملحّة إليها عند انطلاق الاتحاد الأوربي.؟ فقال: «إن أذهان الصغار لا تتحمل ذلك». فسألته: «وماذا نقول نحن الجزائريين الذين نعلّم حاليا لغتين عربية وفرنسية ونحن بصدد تعليم لغة ثالثة وهي الأمازيغية؟ مع العلم أن إمكاناتنا لا تكاد تُذكر بجانب إمكاناتكم الهائلة؟»..فأجاب قائلا: «بصراحة إنها مغامرة خطيرة ليست مأمونة العواقب، وتهدد الصغار تهديدا جديا».

إنه رأي في قمة الصواب والسداد لخلوه من الخلفيات.

إن إصلاح المنظومة التربوية ينطلق من هنا: وهو تعليم العربية والأمازيغية بأبجديةٍ واحدة، وهذا يوفر الجهد والوقت والمال، ويساعد على تطوير الأمازيغية نفسها وانتشارها دون تكاليف مادية أو بشرية كبيرة؛ لأن الحروف العربية متوفرة في الميدان عند كل أحد فلا حاجة لمعلم أو معدات خاصة لطبع كتاب خاص بالأمازيغية. دعونا نسأل هؤلاء المتفلسفين، ونقول لهم: إذا بقيت الأمازيغية هكذا تُدرَّس بالحرف اللاتيني فمتى يمكن للدولة توفير المعلمين لها على مستوى الوطن؟ إنه أمرٌ مشكوك في تنفيذه، وقد يكون ذلك سببا في تعثر الأمازيغية نفسها؛ إما بانحسارها في بعض نواحي الوطن، أو بالتخلي عنها تماما، وهكذا يضيع الجهد والوقت والمال من دون نتيجة تذكر؛ وعندئذ لم يبق لنا إلا أن نردد ونقول مع القائل: «فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا».

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • Sokayna

    لو قلت تيفيناغ يعيق توحد الامازيغية سنصدقك لكن كلامك مع جريمة التعريب... الامازيغية المعيارية تعتمد على غربلة الكلمات العربية خارجا اذن ودمج اللهجات ..تتبقى لغة امازيغية صرفة توحد لهجاتتا المختلفة بالنطق..كذلك فانت تصدق خرافةلمجرة الكوكب العالم العربي الوهمي..ونحن نريد انهاء هذا الاعتداء سواء التعريب او الفرنسنة ونهب الثروات وتقسيمنا وايضا طرد مصالح وعملا فرنسا فهما توأما لا تعيش العربية بشمال إفريقيا دون الفرنسية والعكس صحيح....

    وشيء لم تنتبهو البه باوروبا ملايين الامازيغ لا يعرفون لا عربي ولا تيفيناغ

  • حمزة الجزائري

    احي الاستاذ الفاضل سي محند الطيب على حبه للغة العربية لكن المشكل في بني قومك هم من يكرهون العربية ويرونها لغة عدو مع انها لغة دينهم لهذا لا يجب علينا ان نرهق انفسنا بتعلم هذه اللهجة التي لا تنفع لا تضر بل هي ارهاق لعقول الكبار قبل الصغار بن جلدتك للأسف يحبون الفرنسية ويعبودنها ولو اتيحت لهم الفرصة لجعلوها لغتهم الرسمية بما ان الزواوية لا تملك حروفا لكتابتها

  • يوبا الاول

    لن تكتب لغتنا الامازيغية باللغة العربية ابدا لان الشيعة الفرس سكان ايران يكتبون لغتهم الفارسية بالحرف العربي .
    ستكتب لغتنا بالحرف اللاتيني وهذا افضل نظرا لان بلادنا جزائر بني مزغن اقرب ما تكون من اوروبا منها الي بلاد العربان والاعراب ولاننا مرتبطون تاريخيا بالحضارة الاوروبية -البيزنطيين الرومان الوندال الفرنسيين -.