-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإبانة عما يحدث في مصر الكنانة

عبد الرزاق قسوم
  • 6014
  • 11
الإبانة عما يحدث في مصر الكنانة

حَبسَت مصر- فينا- كلّ الأنفاس، وعَطلَت- لدينا- كلَ مكامن الشعور والإحساس، لقد أصابتنا مصر الكنانة، بكل ألوان الذلّ والإهانة، وجعلتنا- بما أقدمت عليه- كالبُلهاء عاجزين عن التعبير والإبانة.

أقدمت مصر العساكر، على توقيف العمل بالدستور، وخلع الرئيس الشرعي المنتخب المغدور، والزّج به في غياهب الديجور، وتحكيم “بلطجية” الشارع، وغوغائي الجماهير في عظائم الأمور.

ماذا دهى مصر الأزهر، والأهرامات؟ وأيُّ مسٍّ من الشيطان الداخلي أو الخارجي، طاف بها، فأدخلها في عصر الفتنة والانقلابات، وأخرجها من النور إلى الظلمات، بعد أن ضربت المثل في عملية التغيير السلمي، بشفافية الصندوق، وحرية التعبير، ونزاهة الانتخابات؟

تالله لقد كنَّا في ضلال مبين، حينما كنَّا نضرب المثل بالجيش المصري، في حكمته، وحنكته وحياديته، ووقوفه إلى جانب شعبه، في أعمق وأنبل التطلعات، ولكن تأبى الأحداث إلاّ أن تخيِّب ظننا، فتكشف عن هشاشة الجيش المصري، أو على الأقل في جانب منه، فيُتخذ رأس حربة لطعن الأمن والاستقرار، واستفزاز الجماهير الآمنة المطمئنة ودفعها إلى الثورة والاستنفار.

ليس من طبعنا، في جمعية العلماء التدخل في الشأن الخاص للأشقاء، ولكن من واجبنا أن نبقى أوفياء لمبادئنا، فننصر المستضعفين، ونقف إلى جانب المظلومين، وننبذ الانقلاب على إرادة المواطنين، وهو ما يحدث اليوم- في مصر- للإخوان المسلمين. لستُ- علم الله- من حزب الإخوان المسلمين انتماء، ولكنني- يشهد الله- من حزب أخوّة المسلمين، اهتداء واقتداء، وإنّما المؤمنون إخوة، وبحكم ذلك يحق لنا أن نتألم لآلام المسلمين، حين يُظلمون، وأن نجهر بالحق، في وجه الظالمين، حين يَعتدون، فذلك يدخل في خانة القيم الإنسانية السامية، التي يدعونا إليها الإسلام، وفي دائرة الحقوق الإنسانية، التي يؤمن بها ديننا، فإذا كانت الفتنة أشدّ من القتل، فإنّ ذلك يصبح من أوجب الواجبات علينا، أن ننصح، وننبه عملا بقول أحمد شوقي:

نصحت، ونحن مختلفون دارا     ولكن كلنا في الهم، شرقُ

في ضوء هذه المعطيات كلّها، نقول بأنّ ما حدث في مصر، وما أقدم عليه وزير الدفاع في حكومة مصر، منكر، يجب تغييره، وإننا لنعجب أن يُبارك هذا المنكر، رجالٌ كنَّا نعدُّهم من الأخيار، هم الذين ينصحون الحاكم إذا جار، ويعملون على حماية الدار من النّار، فما بالنا نشهد انقلاب الأدوار؟

إنّ الله يأمرنا في قوله: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)  الحجرات9، ويقول في آية أخرى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) النساء128، فكيف تطأطئ العمامة الدينية، الرأس، للقبعة العسكرية، خصوصا عندما لا تكون على حق؟ وكيف يدير علماء الدين ظهورهم للحق إذا بان دليله، واتضح سبيله؟ أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون؟

ويل مصر، مما يحدث لأبنائها بأيدي أبنائها! لقد تسارعت الأحداث، دون رويَّة، أو حسن طويَّة وإنّ الفتنة قد أطلت برأسها، وتوشك أن يكون لها ضرام، وإنّ الحرب أوّلها كلام، وأعجب للمقدمين على مغامرة الانقلاب العسكري، كيف لم يتعظوا بما حدث من عواقب الانقلابات في كلّ مكان؟

لقد اتضح الحق لكلّ ذي عقل، وبان الصبح لكلّ ذي عينين في مصر، ولا يماري في ذلك إلا ظالم مغرور، أو خائن مأجور، أو عميل مأمور، ولله عاقبة الأمور. 

1-إنّ الرئيس المصري محمد مرسي المعزول رئيس منتخب في وضح النهار، بكلّ شفافية وديمقراطية، يشهد على ذلك العالم بأعلام صحفه وقنواته، وصندوق الاقتراع بمحاضره وأدواته، والمجلس الدستوري بشهاداته، ودفاتره، وتوقيعاته.

2- إنّ الرئيس المنتخب، لم تمض على انتخابه سوى سنة واحدة، وهي سنة لا تكفي حتى للاطلاع على الملفات، والكشف عن السلبيات، التي خلفتها تركة العشرات من السنوات، فكيف إذا شُغل في هذه الفترة الوجيزة باصطناع المشاغبات، والاضطرابات؟

3-ألم يكن من مصلحة، مصر العليا ترك الفرصة، للرئيس المنتخب، وتنقية المناخ الملوث من حوله، كي يتمكن من العمل بحرية وبعد ذلك يُحاسَب؟

4-من يملك حق خلع الرئيس المنتخب، ونزع الشرعية عنه؟ هل يملك الضابط العسكري ذلك، إلا بالانقلاب على الشرعية؟ وهل يملك ذلك عالم الدين المسلم، أو رجل الدين النصراني، ومن يخول لهما ذلك؟

فيا إخوتنا، في مصر! لقد عدتم بمصر إلى الصفحة الأولى من سجل الانقلابات وإنّ ما أقدم عليه العسكر، من نزع للشرعية، تحت أي غطاء كان، عمل غير محسوب، وغير محمود العواقب، وإنّ كل قطرة دم مصري تسيل، وكلّ ضحية تسقط، سيبوء بإثمها، كلّ من ساهم في صياغة هذا الانقلاب، سواء بالهندسة، أم التنفيذ، أم الشهادة، أم المباركة، فلهدم الكعبة حجرا حجرا، أهون عند الله، من قطرة دم امرئ مسلم.

نعتقد أنّه ما زال الوقت كافيا، لتدارك الخطإ، وليس العيب أن نخطئ، ولكن العيب كلّ العيب، أن نُصِرَّ على الخطإ. إنّ سجل التاريخ مفتوح الصفحات، فحذار أن يسَّجَل فيه لجيش مصر، ولعلماء مصر، ولعقلاء مصر، المسؤولية عن إشعال نار الفتنة.

فلا أحد يبرئ الرئيس المنتخب من الخطإ الذي اعترف به هو نفسه، ولكن أكبر الأخطاء، وأخطرها، هو الانقلاب على الشرعية، والتسبب في إشعال الفتنة، وإذكاء نار الحرب  (وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) المائدة64.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • khaled

    كلام سليم و طرح موضوعي وصف حقيقة ما يجري على أرض الكنانة نتمنى من عقلاء مصر أن يوحدو صفوفهم و جهودهم و يجتمعوا على كلمة واحدة و يفوتوا الفرصة على دعاة الفتنة و الشقاق ويجنبوا البلاد خطر التصادم و اللإقتتال 1521

  • بدون اسم

    لمن تقرأ زبورك يا عبد الرزاق قسوم فآل فرعون متعودون على الانقلابات والاغتيالات منذ ان وجدوا على ارض الكنانة الى يومنا هذا واصحاب المصالح والذين لم يدفعوا الضرائب والبرجوازية المزورة وفلول النظام السابق الذي عاث في الارض فسادا هم بالتنسيق مع جنرالات اسرائيل الذين يزودون تل ابيب بالغاز الطبيعي المصري بابخس الاثمان
    ويرفعون العلم الاسرائيلي على ارض مصر الحبيبة . لايسلمون الحكم الى اهل التقوى والايمان ولو قتلوا المصريين جميعا وتلك سيمة المنافق وابو جهل

  • صالح

    في الجزائر يقولون عن السياسة : البوليتيك ويعنون به كل ماهو كذب ، نفاق وزور ... الخ . الاسلام منزه عن البوليتيك .
    عليهم ان يختاروا بين الدين وبين البوليتيك .
    اذا اختاروا الدين فاليعلموا ان الرسول الكريم يقول : << انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق >>.
    اما اذا اختاروا البوليتيك فاليقدموا ، كغيرهم ، البرامج البوليتيكية الدنيوية بدل التخفي وراء الدين.
    قال احدهم:
    أهلا بالطعام الذي تقدما .
    فأجابه الآخر :
    بنيت له ساس الخدع فتهدما .
    ما بني على باطل فهو باطل .
    اسسوا بنيانهم على شفا جرف هار فانهار بهم .

  • حزين

    .. أدعياء الديمقراطية دعيّان: الغرب بصفة عامة، والعلمانيون في الوطن العربي،الذين يدّعون الديمقراطية و التنوير بصفة خاصة ... فهؤلاء
    جميعا هم أوّل من يتنكّر لحكم الصندوق، إذا حكم لغيرهم ، ، و الأمثلة كثيرة ...إلّا أنّ الملاحظ ، هو تغيّر أسلوب
    الإطاحة بالأنظمة ، فالغرب لم يعد يجيّش الجيوش -كحالة العراق -
    بل يوحي إلى أزلامه في الدّاخل ليقوموا بالواجب . فالإعتصام الذي حدث في تركيا و في القاهرة، حرّكته يد واحدة ضد نظامين إسلاميين انتخبا بطريقة ديمقراطية..و للأسف نجحت المكيدة في مصر و فشلت في تركيا

  • يماني مبريك

    مقال لو قرأه الفريق الاول السيـــــــسي وعمل به والرجوع الى الحق والى الصواب فضيلة وأخرج نفسه من الصراع على اساس تلبية رغبةالمواطنين المصريين المعتصمين في الميادين مطالبين بارجاع الرئيس محمد مرسي وتكون حجة الفريق الاول السيسي مثلما كانت حجته في تنحيته فمبرر العودة مثل مبرر الخلع وينجو الفريق من لعنة التاريخ الذي لايرحم ويسجل اسمه في سجل العظماء بدلا من ان يكتب في زمرةالخونة الاشقياء حفظك الله يا ارض العلماء.

  • احمد

    العالم العربي لن يرى النور ما دام الخليج العربي مستعمرا من طرف أمريكا.

  • الجزائر العميقة

    عاطفة جياشة يتناول بها السيد الفاضل الأزمة التي ألمت بإخواننا في أرض الكنانة الطيبة ،و لا غرو في ذلك ، فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها .لكن الذي أصاب مصر هو من"الإخوان المسلمين " و من غيرهم من بقية المصريين .أما الإخوان فهم حزب سياسي لايجب أن نفرق بينهم و بين الآخرين ، و نتخذ مساندتهم على أساس أنهم يواجهون الكفار فذلك هو الإنزلاق !!;و تلك هي الفتنة بعينها.أما عن قولكم سنة لا تكفي ،فمع احترامي لشخصكم يا أستاذ إلا أننا نقول إذا انتظرنا سنة أخرى سنقول و على الدنيا السلام فقد تمادى المحسوبين عليه

  • عبدالقادر

    الحق يعلو و لا يعلى عليه فما حدث في مصر انقلاب بالتمام و الكمال قامت به عصابة الشيطان ضد عباد الرحمن من جميع المصريين ولا اقصد الاخوان.على الرغم من انهم هم الذين كانوا المتضررين الاوائل لانهم كانوا يعملون من اجل اغلب الشعب وخاصة المستضعفين منهم الشيء الذي جعلهم يفوزون في الانتخابات ويؤتمنون على تسييرامور العباد والبلاد لما قاموابه في الميدان منذ سنين خلت لما كان يحكم مصر نظام الطغيان.فبانضباطهم وعملهم الخيريالكبير و السياسي الدؤوب ليزالون يحتلون الميدان حتى بعد ان انقلب عليهم دعاة حماة الاوطان.

  • سليمة

    بارك الله فيكم على هذا المقال

  • Adel

    Merci Docteur, nous prions Allah de preserver l'Egypte et les freres musulmans, tant qu'ils sont ligitimes et pacifiques.

  • جزائري

    مهما كانت تسمية ماحدث في مصر وماحدث قبل ذلك في تركيا سنة1960 وماحدث في الجزائر سنة 1991.له معنى واحد انقسام حاد في المجتمعات العربية والاسلامية حول مشروع المجتمع بين اصحاب الراي القائل : لايصلح اخر هذه الامة الا بما صلح به اولها واصحاب الراي القائل :الاخذ بالقيم الغربية كالتنوير والديمقراطية واللبيراليةوالعلمانية هذه القيم التي تقدم الغرب بفضلها واصحاب الراي القائل : بالتلفيق بين الرايين السابقين . وعليه سيظل يحدث ماحدث في مصر في كل البلدان الاسلامية التي تعيش نفس التجربة .